رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صالح الغازى: قاومت الاستغناء عن تدوين كتاباتى على الورق

صالح الغازي
صالح الغازي

قبل شهرين، خصّص الملحق الأدبي لصحيفة لوفيجارو ملفًا تمثل في نشر نوعية من الكتب باتت تحظى باهتمام القراء مؤخرًا، يتعلق الأمر بمخطوطات ومسودات بخط اليد، لدواوين شعرية وروايات شهيرة لكتّاب معروفين، تم طبعها في كتب كما وصلت مخطوطة للناشر؛ هكذا يمنح المخطوط المسودة فرصة للقارئ لولوج العالم الإبداعي للمؤلف في حميمياته من خلال مسوداته الأولى، من خلال تنقيحاته وملاحظاته، وخطه وإمضائه وأحيانا الرسومات التي يضعها على الهوامش.

الآن لم يعد متاح لكتّاب معاصرين هذا النوع من النشر، لم يعد هناك أحد يكتب أعماله بخط اليد، لم تعد هناك مسودات.

«الدستور» استطلعت آراء الكتاب والمبدعين حول الأمر، وهل يوافق الكاتب على هذه التجربة أي نشر مسودات ومخطوطات أعماله في صورتها الأولي بخط اليد دون تنقيح أو تدخل؟ وهل مازال هناك من يكتب بخط اليد أم بغيره٬ وغيرها.

يقول الشاعر صالح الغازي: "كنت أعتقد أن الشاعر لا بد أن يكون خطه جميلًا، خاصة أنني أكتب الشعر بالعامية فكل كلمة مرسومة حسب نطقي وطريقتي وعلامات الترقيم تكون محسوبة، لكن مع كتابة القصة والمقال وجدت التعديلات واجبة وضرورية ويكون هناك مسودات كثيرة.

أعجبت بخط الشاعر أمل دنقل كثيرًا ووصلني عن طريق الشاعر سيد عبد الرحيم صورة لمخطوط ديوان الشاعر محمد عفيفي مطر وكنت معجبًا بخط يده والمساحات التي يتركها بين المقاطع، وأتذكر أنني رأيت ديوانًا للشاعر عبدالله شرف مكتوبًا بخط يده في منتصف التسعينيات وذهبت مع نجله الشاعر (محمود شرف) للرسام ليرسمه وكان إبداعًا جميلًا، كما أن الشاعر البحريني (قاسم حداد) حصل على منحة ألمانية وقدم كتاب أشعار مميزًا بخطه.

بدأت الكتابة مباشرة على الورق، وكنت أفضل الورق السادة سواء الأبيض أو الأصفر بالمقارنة بالمسطر، وكنت أيضا أفضل القلم الأسود، وأرسم المتاهات والورود والأوجه في الهامش.

كان عندي الكثير من الكراسات والأوراق، بعد نشر ديواني الأول 1997، واحتفظت ببعضها ورقيا لأنني لم أجد لها مبررًا دراميًا للنشر في ديواني أو لأنها غير مكتملة وهذه القصاصات تبددت مع مرور السنوات والتنقل من بيت لآخر، التنقل من مدينة لأخرى كان أكبر ضحايا المسودات والكتب عامة وهناك بعضها في كراتين مغلقة لحين العودة لها. أذكر عند نشر ديواني الأول لم تقبل المطبعة النسخة بخط اليد فكانت هذه أول علاقة لنصوصي بالكمبيوتر.

موضوع مقارنة الباحث للمسودات ببعضها بين كتابة أولى وكتابة ثانية، لا أراها تفيد القارئ، فالمهم ما اعتمده المؤلف، والأهم القيمة الفنية في تأثير المكتوب نفسه، حتى طريقة إشاراته وتعديلاته هي أمور قد تفيد من يريد تعلم الكتابة ليتقمص طريقة أحدهم أو يتقصى أثره، وأنا أعتقد أن لكل كاتب طريقته الخاصة.

تابع صالح: "كان يمكن للكاتب الرجوع للمسودات الورقية السابقة، فمثلًا شهدت منذ سنوات عند الروائي محمد داوود لكل رواية أكثر من سبع مسودات، وعنده كراتين، لكن أعتقد أن الأمر تغير الآن".

أتذكر أنه بعد نشر ديواني الأول (نازل طالع زي عصاية كمنجة) كتبت قصيدة واحدة ثم توقفت عن الكتابة لفترة، وكانت معي مخطوطة فقط وكنت في السويس حين كنت أؤدي خدمتي العسكري وتركت نسخة لصديقي الشاعر حاتم مرعي، وبعد عدة أشهر فقدت القصيدة ورقيًا بسبب سفري للغردقة للعمل وبحثت كثيرًا عنها واتصلت بأصدقائي كثيرا ليبحثوا عنها وبعد عدة محاولات قررت أكتبها مرة ثانية وبالفعل كتبتها ثم بعد فترة وجدتها مع أوراقي في المحلة، وفوجئت أن ما تذكرته يطابق الكتابة الأولى، لذا قررت أن يكون عنوان هذه القصيدة عنوان ديواني الثاني (الروح الطيبة) الذي كتبت أغلبه عدة مرات بخط اليد، أحيانا كنت أكتب قصائدي على كروت صغيرة ليسهل لي قراءتها في الندوات أو للأصدقاء، وديوان الروح الطيبة كانت له تجربة مميزة حيث كنت أكتب القصيدة بخط يدي وأعطيها للعزيزة الكاتبة (رحاب إبراهيم) فوجدتها ترسم لكل قصيدة رسمة تعبيرية بسيطة (مرفق نموذج لصور من الرسومات والقصايد) وتم عمل من الرسومات والأشعار مطوية صغيرة من مائة نسخة وزعتها على أصدقائي 2002 تقريبًا (وجدت نسخة مرفق صورة لغلافها أرسلها لي الدكتور محمود العشيري ثم ألحقت الرسومات بالأشعار في الديوان الذي نشره الفنان التشكيلي أحمد الجنايني 2008.

أذكر أن بدايات النشر في الصحف كنت أكتب القصائد بخط اليد طبعا وأرسلها بالبريد وهكذا نشرت في البدايات وكنت أراسل أصدقائي، وحدثني الشاعر ماهر مهران أنه يحتفظ بخطابات بخط يدي أرسلتها له..

طبعا أعجبتني فكرة نشر المسودات بخط اليد وأتمنى أن يكون هناك مشروع يستوعب نشر أشعاري بخط اليد.

لكن عامة وضع نماذج بخط يد الكاتب أو الشاعر حاليًا تقتصر على ملحق في نهاية الكتاب وغالبا يكون كتاب تأبين لكاتب راحل أو في نهاية الأعمال الكاملة، إنما يظل خط يد الكاتب شيئًا محببًا، ونسعى له مثلا في أخذ توقيعه على كتاب وهذا الطقس ما زال مطلوبا.

ولفترة طويلة قاومت الاستغناء عن تدوين كتابتي مباشرة على الورق لكن وجدت نفسي أفقد الكثير من الأفكار. الأمر لم يعد عمليًا فأنا دائمًا إما في عمل وحولي العديد من الناس أو أقود السيارة أو أتنقل بين وسائل الاتصال، وغالبا لم أعد أحمل قلمًا، لكن في يدي بالتأكيد الهاتف أو أمامي الحاسب الآلي.

وإليكترونيا البرامج والتطبيقات والإعدادات يمكن تتبع بواسطتها تعديلات الكتابة والاحتفاظ بها والرجوع لها في أي وقت، ويمكن عمل عدة نسخ مثلا نسخة أولى مؤرخة بتاريخ كذا ومسودة بتاريخ كذا، وذلك دون أن يشغل حيزا وسهل النقل، وسهل العثور عليه وحفظه، كما أنه يسهل الوصول له في أي مكان فقد أكتب نصًا على النوت في هاتفي وأنا في مقهى أو في الشارع وعند العودة للبيت أفتح الكمبيوتر أجده ينتظرني لأكمله، بمعني يمكن استكماله في أي وقت فالنص على الدرايف وافتحه من الهاتف أو اللاب من أي مكان.

الحقيقة الآن، أنني هجرت كتابة نصوصي مباشرة بخط اليد، لكن يحدث أحيانًا وأنا أكتب مقالًا أو نصًا فصيحًا أن أكتب على الكمبيوتر أو الموبايل ثم أطبع نسخة أصلح وأزيد وأعود للكمبيوتر لإجراء التعديل وبعدها أتخلص من المسودة نهائيا.