رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد عبد العزيز يكتب :امرأة «أخرى» من زمن الحب

محمد عبد العزيز
محمد عبد العزيز

كلما رأيتُها ظننتُ أن الكاتب أسامة أنور عكاشة كان يقصدها هى بشخصية «وفية»، التى جسدتها الفنانة القديرة سميرة أحمد فى مسلسله «امرأة من زمن الحب»، رغم الاختلافات الكثيرة بين الشخصيتين وسيرتيهما، فهى السيدة الأرستقراطية التى ساعدتها ظروف نشأتها الأسرية ثم حياتها الزوجية فجعلتا منها سيدة مجتمع من الطراز الرفيع، وهى التى جمعتها علاقات صداقة قوية مع عدد من كبار الشخصيات السياسية الفنية والاجتماعية فى مصر وعدد من الدول العربية، بل والأجنبية.
لقد عاشت حياةً ثرية بالأحداث والمتغيرات، كان فيها الكثير من مواضع الفخر والتباهى، وبذات القدر عاشت حياة التراجيديا المأساوية التى تمثلت فى فشل زيجتها الأولى، ثم زيجة ثانية من شخصية عامة عربية كبيرة استمرت لسنوات عديدة، وكانت ثمرتها ابنها الوحيد.
ثم يكون هذا الابن، الذى كان يومًا سببًا وحيدًا فى سعادة السيدة، هو مصدر حزنها الشديد الذى عاشته خلال رحلة مرضه وعلاجه ثم وفاته- فيما بعد- تاركًا خلفه حزنًا دائمًا، تحاول أن تخفيه خلف ابتسامة رقيقة مصطنعة تزين طلتها خلال تعاملاتها اليومية مع الآخرين، غير أن هذه الابتسامة لا تشعر فيها بالصدق الحقيقى إلا عندما يكون فى صحبتها حفيدها الوحيد زياد سالم، الذى تولت تربيته بعد رحيل والده، وجعلت مهمتها الأولى رعاية موهبته الفنية، فصار هو مشروعها الجديد الذى كرّست حياتها من أجله حتى تحقق له السعادة عوضًا عن أبيه الذى رحل عنهما مبكرًا.
لم أعتد أن أكتب ممتدحًا شخصًا ما زال يعطر حياتنا بوجوده وطلّته، ولعل ما أصيب به مجتمعنا من أمراض اجتماعية يجعلنى، وغيرى، نمتنع عن ذكر مناقب الناس وحسناتهم، وتكريمهم بما يستحقون ولو بكلمة شكر، إذ المتوقع دائمًا هو السؤال الذى أصبح على ألسنة الجميع: ماذا يريد هذا من وراء كتابته تلك؟ فلغة المصالح أصبحت هى الترجمة الفورية لكل سلوك إنسانى نسلكه، رغم أننا لا نبتغى به إلا مرضاة الله وإفشاء المحبة وحث أهل الفضل على مزيد من العطاء لمجتمعهم.
والدكتورة لوتس عبدالكريم، التى تجاسرتُ وكتبت عنها مقالى هذا، تستحق منى أن أكتب عنها، ولست أول من يفعل، فقد كتب عنها قبلى عمالقة كبار عرفوا لها قدرها وقدّروا إسهاماتها، ولعل هذه المحبة التى حظيت بها من كل مَن عرفوها مرجعها تلك السعادة التى أدخلتها على كثير من نجوم مصر الذين دعمتهم نفسيًا ومعنويًا، وربما ماديًا أيضًا قبيل رحيلهم، فكافأها الله بمن يقدر لها مساعيها المشكورة ويرد لها الجميل.
ولم يكن عطاء السيدة لوتس عبدالكريم لأفراد فقط، لكنها حوّلت عطاءها للمجتمع كله، إذ صنعت لمجتمعنا جميلًا لا ينكره إلا جاحد تمثّل فى إصدارها مجلة «الشموع» التى عوّضت- لسنوات طويلة- غياب تلك الإصدارات الصحفية الثقافية التى كانت توازى، بل تفوق مجلات ثقافية متخصصة كانت تقف وراء إصدارها دول وليس مجرد مؤسسات، وقد حرصت الدكتورة لوتس على استكتاب عدد غير قليل من كبار نجوم الفكر والإبداع، ويكفيها أن جعلت على رأس هيئة تحرير «الشموع» الراحل الكبير أحمد بهاء الدين- وهو من هو- واستكتبت فى أعدادها المتتالية نجوم الفكر والأدب والفن التشكيلى الذين لا يتسع المقال لسردهم.
وتبقى السيدة لوتس عبدالكريم وفيةً لذكرى من رحل من كبار المبدعين الذين جمعتهم بها صداقة قوية، أمثال الكبار: يوسف وهبى، إحسان عبدالقدوس، محمد عبدالوهاب، مصطفى محمود، يوسف السباعى، يوسف إدريس، صلاح طاهر، وبطرس غالى، علاوة على الأساتذة الذين لا تزال تحتفى بأى إنجاز يحققه أحدهم، فهى الوحيدة التى احتفلت بفوز الكبيرَين مفيد شهاب وجابر عصفور بجوائز الدولة مؤخرًا بحفل كبير فى منزلها دعت إليه كبار الشخصيات العامة، غير أننى أكبرتُها بشدة منذ قرأت عن مواقفها الإنسانية التى لعبتها فى حياة الملكة فريدة، إذ كانت لها بمثابة الابنة والصديقة وكاتمة الأسرار خلال السنوات الأخيرة من حياتها، بعد أن زال عنها بهاء الملك، واختفى من حياتها الباحثون عن التقرب لأصحاب السلطان.
أقدّر فى مسيرتها أيضًا كتمانها لما يستوجب كتمانه فى سيرة كل مَن عرفتهم، كما أتفهّم تحفظها فى البوح بكثير من أسرار من قابلتهم خلال مسيرتها الثرية بالشخوص والأحداث، وتفهمى هذا مردّه تلك الحياة الدبلوماسية التى عاشتها كزوجة سفير ووزير، إنها سيدة صاحبة سيرة مشرفة ومسيرة حافلة ترجمها بيت شعر كُتب على بطاقة الدعوة لحفل ميلادها الأول جاء فيه:
تأتيك لوتس بالسرور وإنها رمز الحياة وزهرة الأيام
وهكذا كانت على مدار حياتها، وهكذا عاشت فى حياة كل من عرفوها واقتربوا منها، وللأسف لم تلق لوتس التكريم الذى تستحقه من المؤسسات الثقافية والفنية فى بلادنا، اللهم إلا ذلك التكريم الذى منحه لها د. مصطفى الفقى من مكتبة الإسكندرية منذ أشهر قليلة.
فهل تتذكرها الدولة بتكريم يليق بها كواحدة من كبار مبدعات الوطن؟ وهو ما قد يسعدها، وهى التى أسعدت الكثيرين من مبدعينا، ونابت عن مؤسسات الدولة فى الاحتفاء بكبار الرموز دون انتظار لمقابل.