رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالرحيم طايع يكتب: مفارقات «كورونا» الواضحة

عبد الرحيم طايع
عبد الرحيم طايع

ليس من سبيل لتجنب الإصابة بفيروس كورونا اللعين إلا الاحتراز.. الكمامة والكحول والمحافظة على النظافة الشخصية ومغادرة البيوت للضرورة وخلق مسافات آمنة بين البشر عند التعامل والاحتكاك بحيوية الحياة مع الحرص على التباعد الاجتماعى، ليس من سبيل آخر حتى الآن، ومع ذلك، فإن الإصابات تقع، ومن المفارقات الواضحة لهذا الفيروس الذى لا شفرة له أنها تقع لشخصيات عامة ونجوم فن وأثرياء، لا يشك أحد فى احتياطاتهم لأنفسهم، بل تقع لأطباء وعلماء، هم فى العادة من ينصحون الناس بما يجب عليهم فعله حتى لا يقعوا ضحايا لكورونا.
فى الحقيقة، مهما يكن الاحتراز ممتازًا، فإن نسبة الوقوع فى الخطأ واردة، النسيان مثلًا، نسيان شىء يتعلق بالإجراءات الوقائية اللازمة، ملامسة أسطح ملوثة، مصادفة شخص عزيز غائب والاضطرار إلى السلام عليه بحميمية، ثقتنا الزائدة فى محيطنا البشرى الأقرب وافتراض الأمان فيه والاندماج معه.. إلخ إلخ. يبدو الفيروس أذكى من الجميع؛ فمن نقاط صغيرة مهملة ينفذ إلى الناس فيمرضهم أو يهلكهم، حسب مناعة الأجسام وشجاعة النفوس والاستعداد للمقاومة، أو هذا هو اعتقادنا، لكنه يبدو كما لو كان مبرمجًا أيضًا؛ أعنى لديه القدرة على الاختيار.. هذا لى وهذا لا يعنينى.
لا أقصد الإشارة إلى كونه مصنوعًا بدقة، وقد يكون مصنوعًا بدقة، لكننى أثبت ما أرصده من غير أن أذهب إلى مكان أبعد، وأظل مندهشًا من طول مدته وبقاء العالم حائرًا حياله، ومن كل التضارب فى الأقوال منذ أن ظهر إلى اللحظة الراهنة، حتى منظمة الصحة العالمية فقدت مصداقيتها أو كادت.
لقد شهد العالم من قبل فيروسات أعتى، أو هكذا الظن حتى الساعة، كالإنفلونزا الإسبانية التى أفقدت الكرة الأرضية توازنها من خلال تموجاتها الضارية، غير أن فيروس الإنفلونزا الإسبانية كان أكثر وضوحًا، بطول مساره، إلى أن أذن الله برحيله بعد أن ملأ العالم موتًا ورعبًا.
كورونا مختلف، ولو بدا أدنى من بعض الفيروسات التى مرت بالدنيا قبله، فكلها كانت عمياء، بينما يبدو هو مبصرًا مَن يريد، بل مَن يريد أن يمرضه فقط، ومن يريد أن يهلكه إهلاكًا، ويبدو، وهذا أغرب، بعيدًا عن بعض المنتبهين لخطره وقريبًا من بعضهم الآخر، وقد بلغ قلق كثيرين فى العالم منه مبلغ أنهم يقولون: لا نذكره بسوء؛ لأنه يسمعنا ويرانا، وبوسعه الانتقام.
كنت فى إحدى الأسواق الشعبية بمحافظة من محافظات الصعيد الجنوبى منذ أيام.. كنت أريد شيئًا وكان هناك؛ فاضطررت إلى الذهاب متحصنًا طبعًا، كان الزحام شديدًا والناس متلاصقين تقريبًا، ولا يرتدون الكمامات، والفوضى تعم السوق.. شعرت بقلق ورهبة، غير أننى وصلت إلى المنطقة التى أقصدها وحصلت على حاجتى.. أحدهم سألنى: لماذا ترتدى الكمامة وتبدو خائفًا هكذا؟! قلت ببساطة: لدينا أجواء عامة ليست بطيبة! قال بثقة: أنت مررت بالسوق حتى تأتى إلى هنا.. هذه السوق عامرة بالخلق يوميًا، والباعة وسكان المنطقة لا يبالون، وأود إخبارك بأن أحوالنا جيدة؛ فليس لدينا مرضى، إلا الأشياء العادية، وليس لدينا موت كالذى نسمع عنه، وتقوله الصحف والفضائيات باستفاضة.
شكرته وانصرفت، غير أن بعض كلامه أكد فكرتى حول الفيروس نفسه، بصرف النظر هنا عن تسيب الناس، فالناس أكثرهم متسيبون بكل الأسف والأسى، فى هذه السوق الشعبية بهذه المحافظة البعيدة عن العاصمة وفى المول الراقى بقلب العاصمة نفسها.. العاصمة الرائعة التى أرى الناس يقتلون جمالها كل دقيقة بدم بارد.
موضوع «مناعة القطيع» أو «المناعة بالعدوى» واضح فيما قاله الرجل البائس المكابر، وأظنه موضوعًا معروفًا ومرفوضًا لا داعى لإعادة الكلام فيه، غير أننى هنا، كما سبق وأشرت، أراقب الفيروس نفسه فى كل سياحاته وتجلياته، وأجد نفسى ذاهلًا للأمانة أمام معظم تصرفاته وتقلباته، وأسأل نفسى بناءً على هذه المراقبة وهذا الذهول: هل سيفلح اللقاح فى القضاء عليه أو التخفيف من حدة وجوده؟ لا أعرف الإجابة، غير أننى متفائل على الرغم من كل الظلام المدلهم الذى يغلف المشهد العالمى برمته، بل أجد التفاؤل المستمر وأجد الصمود فى مواجهة العدوان السافر على الحياة وإرادة سلبها؛ مدخلًا لفهم الفيروس، بجانب العلم الصادق والوقاية الضرورية، ومفتاحًا من مفاتيح الحل الذى يبدو بعيد المنال قبالة فيروس عنيد عجيب!