رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سعد القليعى عن عبدالوهاب الأسوانى: عامان فى العراء يا خال

عبد الوهاب الأسواني
عبد الوهاب الأسواني

مرت اليوم الذكرى الثانية لرحيل الكاتب الروائي والقاص "عبد الوهاب الأسواني" والذي رحل في الـ3 من يناير 2019 عن عمر يناهز الـ 85 عام، في ذكرى رحيله قدم العديد من الكتاب والمبدعين شهادتهم للدستور حول مشوار ومسيرة "الأسواني" الإبداعية والإنسانية، وجاءت شهادة الكاتب والإذاعي "سعد القليعي" والتي يقول فيها "عامان في العراء يا خال، انخلعت الأوتاد، وطارت الخيمة! فإذا القلب عاريًا يقلّب وجهه في قُبّةِ الأزرق المحيط، مأخوذًا بتماثيل الرعب التي تنحتها سحُبُ السماء، بلا قِبلةٍ تفتح للخطو أحضانها، أين الكف السمراء الحانية تُبَلِّلُ تَشَقُّقَ القلب بالندى ومناديل الحنان؟ كأنما رحيلك بابٌ انفتح للرحيل والفقد، حتى أصدقاؤك الذين كنتُ ألتمس فيهم رائحتك ماتوا واحدًا واحدًا، انسربوا بلا أن يتركوا فرصةً لاستيعاب الرحيل، كأنما مائدتُك العامرة بالحكْي والمحبة في العالم الآخر تدعوهم، كأنما تحول مركز الثقل إلى هناك فانزلقوا بلا مشقةٍ أو عناء فرحين بأجنحةٍ ترفرف إلى دفء خيمتك."

ويستطر القلعي في "مات أبي وابن عمي وابنة عمي وكثيرٌ من الأهل والرفاق والصحاب، ماتَ كثيرٌ ممن أحببناهم معًا، وفي كل مرّةٍ يأتيني خبر، أفرُّ إلى شاشة الهاتف لأخبرك وأبكي، فتصدمني أحجارعين اليقين أنك لستَ هنا، طوال العقود التي مرّتْ منذ عرفتك فاتبعتك وصحبتك، ما مرّ بي موقف ولا هزّني نجاح أو إخفاق، ما اعتراني حالٌ من حزنٍ أو رضا، إلا وأنت الخيمة الأفراح والأتراح".

ويرثيه القليعي بقوله "صرتُ حبيس بيتي يا خال، خذلني صوتُك الذي ما خذل أحدًا أبدًا يا كبير القبيلة، غاب ولم يترك لي إلا بقايا صدىً (أنا نازل يا فتى الفتيان، مرّ عليّ لتصحبني أو اتبعني حينما تفرغ)، لم تكن تعبأ بالتوقيت ولا يعنيك ليلٌ أو نهار، بل كنت تمارسُ الحياة كُلًّا واحدًا، كجرعة الكأس على عبّةٍ واحدة، ألستَ أنت من كنتَ تطلب من ماما (زوجك وأمنا الحبيبة الرؤوم) أن تُعدّ لنا في الفجر طعام العشاء؟! أولستُ صاحبك ورفيقك في عوداتنا الصباحية؟! وتضحك ملء القلب والشفاه والأفق، (غادون والناس في رواح)".

ويختم القليعي شهادته "لا أضحك الآن إلا على طرفةٍ حكيتها، ولا آسى إلا على موقفٍ آلامك، وكلما مرّ بي بيت شعرٍ جاهلي أو مربعٌ أو موال أعجبني، تبرق عيناك الحبيبتان حولي، وأنت تردد ضاغطًا حرفي اللامين المتتابعين (الله)، لا يا خال، لم تطر خيمتك، بقيت منها ظلالٌ وستبقى إلى آخر العمر، ظلالٌ مجسدةٌ كأنها الخيمة ذاتها، يتردد فيها صوتك وأنت تحكي عن عروة بن الورد، والطرمّاح، وعن أبي زيد الهلالي وياسين صاحب بهية، وأمل دنقل وابن ماء السماء ومحمد الماغوط، والمعتمد بن عبّاد، ويحيى الطاهر وأدونيس وهولة أم القتلى الذين أرداهم الزناتي خليفة، وعن أبيك وأمك والإسكندرية والمنصورية، باقيةٌ خيمتك وستبقى."