رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جرائمهم طالت مسجد النجاشى




قصة استقبال النجاشى، ملك أو عظيم الحبشة، المسلمين المستجيرين به من كفار قريش، يحفظها المسلمون عن ظهر قلب، غير أن كثيرين قد لا يعرفون أن مدينة ميكيلى، عاصمة إقليم تيجراى، بها قرية يصفها مسلمو إثيوبيا بأنها «مكة الثانية»، تحمل اسم، أو لقب، ذلك الرجل، الذى وصفه رسول الله «ص» بأنه «ملك لا يَظلم ولا يُظلم أحد عنده، عادل فى حكمه، كريم فى خلقه».
فى هذه القرية، قرية النجاشى، بئر حفرها المهاجرون المسلمون، يطلق عليها الأهالى اسم «زمزم»، ومسجد تاريخى، إلى جواره صالة لتحفيظ القرآن الكريم ومبانٍ مخصصة للمشروعات الخيرية، وساحة محاطة بسور صخرى، بها قبور ١٥ من صحابة الرسول، إضافة إلى قبر أو مقام النجاشى، أصحمة، الأصحم أو«إلا- صحم» بن أبهر، الذى حكم الحبشة بين عامى ٦١٠ و٦٣٠ ميلادية. وكل تلك الأماكن طالتها قذائف الجيش الإثيوبى، وتداول سكان القرية، صورًا ومقاطع فيديو، على شبكات التواصل الاجتماعى، يندى لها جبين الحىّ أسفًا.
كانوا يطلقون اسم الحبشة على المنطقة التى تضم إثيوبيا وإريتريا والصومال، وجيبوتى، وتوصف بأنها أرض الهجرتين، لأن المسلمين هاجروا إليها مرتين، ضمت الأولى أربع نساء وأحد عشر رجلًا، على رأسهم عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت الرسول، وفى الثانية، هاجر تسع عشرة امرأة وثلاثة وثمانون رجلًا، أبرزهم جعفر بن أبى طالب، ابن عم الرسول، وفى المرتين استقبلهم النجاشى بحفاوة بالغة، ويقول بعض المصادر إنه اعتنق الإسلام، ووصفه الموقع الرسمى لدار الإفتاء المصرية، بأنه «معدود فى الصحابة رضى الله عنهم، وكان ممن حسن إسلامهم»، كما أكد الموقع أن النبى صلى عليه صلاة الغائب.
لعب دوره عبدالعظيم عبدالحق فى فيلم «الرسالة»، الذى أخرجه مصطفى العقاد، سنة ١٩٧٦، ومحمود فرج فى مسلسل «الكعبة المشرفة»، الذى أخرجه أحمد طنطاوى سنة ١٩٨١، وإسماعيل محمود فى مسلسل «الوعد الحق»، الذى أخرجه وفيق وجدى سنة ١٩٩٣، و... و... وفى تلك الأعمال، كما فى الواقع، اجتمع على حب النجاشى المسلمون والمسيحيون، فى إثيوبيا وخارجها، ويرون قريته، مسجده، ضريحه، أو مقامه، رموزًا دينية وسياسية، ويقصدها عشرات الآلاف من الإثيوبيين من مختلف الديانات والأعراق، للتبرك أو للحصول على الصدقات والأطعمة.
جرائم كثيرة ضد الإنسانية، ارتكبها الجيش الإثيوبى، تبدأ من اغتصاب نساء تيجراى، ولا تنتهى باعتقال أحد مصورى وكالة رويترز، منذ ٢٤ ديسمبر الماضى، وفوق ذلك، أطلقت قوات إثيوبية الرصاص، فى ٨ ديسمبر، على موظفين تابعين للأمم المتحدة واحتجزتهم، ونقلت وكالة أسوشيتد برس عن رضوان حسين، الذى وصفته بأنه مسئول إثيوبى رفيع، أن الموظفين الأمميين تم إلقاء القبض عليهم بسبب محاولتهم الوصول إلى مناطق «لا ينبغى أن يذهبوا إليها».
تحت عنوان «أزمة شرعية أبى أحمد»، نشر موقع «فورين أفيرز»، الأربعاء الماضى، تقريرًا، يتوقع أن تكون تبعات الصراع فى تيجراى أصعب بكثير من الصراع نفسه، مع تزايد احتمالات انتقال العدوى إلى جماعات عرقية إثيوبية أخرى، كما أكد تقرير لمؤسسة جيمس تاون أن الحرب ستمتد وستصل إلى ما وراء حدود الإقليم، حال عدم وجود تسوية سياسية بين جبهة تحرير تيجراى والحكومة الإثيوبية.
تتمتع جبهة تحرير تيجراى بقدر كبير من القوة العسكرية، ولديها علاقات وثيقة بعدد من القوى الداخلية والخارجية. وعلى خلاف مزاعم أبى أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبى، فإن قواته لم تتمكن، إلى الآن، من السيطرة بشكل كامل على الإقليم، ولم يكن فى استطاعتها أن تستولى على العاصمة ميكيلى بتلك السرعة، إلا بعد انسحابات تكتيكية قامت بها الجبهة، لتعيد توزيع قواتها على المناطق الريفية والجبلية، تمهيدًا لخوض حرب عصابات، كتلك التى خاضتها فى ثمانينيات القرن الماضى، ضد نظام مانجيستو هيلا ماريام، وانتهت بوصولها إلى الحكم سنة ١٩٩١.
الأرجح، أن الجبهة بدأت تشن سلسلة من الهجمات ضد القوات الإثيوبية، وعلى الرغم من التعتيم الذى تفرضه أديس أبابا على المنطقة، كتب مارتن بلوت، Martin Plaut، نقلًا عن مصادر متعددة، أن قوات الجبهة احتجزت عددًا من الجنود الإريتريين ومنعتهم من مغادرة تيجراى، أو نقل ما نهبوه من المنطقة، بعد قتال عنيف بالقرب من الطرق الرئيسية المؤدية إلى إريتريا، كما أشار الصحفى المتخصص فى القرن الإفريقى وجنوب إفريقيا، إلى أن قوات الجبهة أسقطت، فى الثامنة والنصف من صباح ٣٠ ديسمبر الماضى، طائرة حربية تابعة لسلاح الجو الإسرائيلى.
جرائم الجيش الإثيوبى، التى طالت قرية النجاشى، ودمرت مسجده، تؤكد مجددًا، أن إثيوبيا فى قبضة مختلين عقليًا، بلهاء أو عملاء، وأن الإطاحة بهم باتت شرطًا أساسيًا لاستقرار الأوضاع، ليس فقط فى تلك الدولة، ولكن أيضًا فى منطقة القرن الإفريقى، التى ما عادت تحتمل مزيدًا من الاضطرابات أو القرف.