رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخبير الإيطالى جيوفانى جياكالون: «الإخوان» تغذى الإرهابيين بأفكار قطب والبنا

 جيوفانى جياكالون
جيوفانى جياكالون


قال الكاتب والخبير الإيطالى جيوفانى جياكالون، المتخصص فى شئون التنظيمات المتطرفة والإسلام السياسى، كبير المحللين فى الفريق الإيطالى للأمن والقضايا الإرهابية وإدارة الطوارئ فى الجامعة الكاثوليكية فى ميلان، إن هناك جهات داخل إيطاليا وخارجها ترغب فى الإضرار بالعلاقات بين روما والقاهرة، وتستغل قضايا مثل قضية جوليو ريجينى لتحقيق أهدافها. وأضاف «جياكالون»، فى حواره مع «الدستور»، أن هناك جمعيات ومنظمات وجهات داخل إيطاليا لها علاقات مع جماعة الإخوان، وتنشر حاليًا وجهات نظر مؤيدة للجماعة وللرئيس التركى رجب طيب أردوغان.

■ بداية.. ما تقييمك للعلاقات بين مصر وإيطاليا؟
- أعتقد أن العلاقات بين مصر وإيطاليا مهمة للغاية على جميع المستويات، ويجب الحفاظ عليها، لكن هناك جهات داخل إيطاليا وأخرى أجنبية ترغب فى الإضرار بالعلاقات الاقتصادية بين البلدين، وفى سبيل ذلك تستغل قضايا مثل قضية جوليو ريجينى وقضية باتريك زكى.
قضية «باتريك» على وجه الخصوص تخص مواطنًا مصريًا، وهى قضية داخلية لمصر، لذلك لا أرى سببًا لكل هذا الضغط من جانب بعض الممثلين الإيطاليين، ومن ثم أريد أن أرى الإعلام الإيطالى والساحة السياسية فى بلادى يهتمان بالقمع والتهديدات التى يرتكبها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، فى تركيا، وضد شركاء الناتو مثل اليونان وفرنسا.
وتربط إيطاليا ومصر صداقة طويلة، ويجب أن تتعاونا بقوة على جميع المستويات: الاقتصاد والصناعة والثقافة والسياحة وأيضًا على المستوى الأمنى.
وفيما يتعلق بقضية جوليو ريجينى، لا أفهم لماذا لا ينتبه أحد فى إيطاليا إلى العلاقات التى تربط «ريجينى» بالبيئة الأكاديمية والتحليلية فى المملكة المتحدة، بما فى ذلك معلمته مها عبدالرحمن؟، التى جرى التقاط صور لها أمام الكاميرا فى مظاهرات مؤيدة للرئيس الإخوانى محمد مرسى، ووثق تلك النقطة الصحفى الاستقصائى الإيطالى والمراسل الحربى فاوستو بيلوسلافو.
■ كيف تؤثر «الإخوان» على الجماعات الإرهابية مثل «داعش» و«القاعدة»؟
- إذا ألقينا نظرة فاحصة على الأيديولوجية الكامنة وراء جماعة الإخوان، فسنرى أنها هى نفسها التى تغذى الجماعات الإرهابية، مثل القاعدة وداعش. فالقواسم المشتركة والأيديولوجية كلها متشابهة وكلها نتيجة لأفكار سيد قطب وحسن البنا مؤسس الجماعة.. وأيمن الظواهرى كمثال كان إخوانيًا قبل أن يشارك فى تأسيس تنظيم القاعدة.
الاختلاف الوحيد فى استراتيجية الإخوان وخطة تشغيلها هى أن التنظيمات مثل «القاعدة وداعش» تتحول على الفور إلى العنف، بينما تهدف استراتيجية الإخوان إلى التسلل إلى السياسة والمجتمع والاقتصاد، وبمجرد أن يصبحوا أقوياء بما يكفى، فإنهم يفرضون هيمنتهم، لقد رأينا هذا فى عام صعود الإخوان فى مصر فى ٢٠١٢، وبمجرد أن يتمكنوا من استخدام العنف لن يترددوا فى فعل ذلك.
■ كيف تسللت الجماعة الإرهابية إلى المجتمعات الأوروبية؟
- فى أوروبا، تحاول جماعة الإخوان تقديم نفسها كممثلة للإسلام المعتدل، وهى تفعل ذلك منذ عقود، ولسوء الحظ وجدت الأرض الخصبة لأنشطتها.
كان العديد من ممثلى جماعة الإخوان يحاولون تقديم أنفسهم كأفراد ديمقراطيين فروا من طغاة مستبدين، لكنهم مع ذلك هم أول من ندم على حكم مرسى.
الإخوان يحاولون التسلل إلى المجالات السياسية والدينية والأكاديمية، ويفرضون ضغوطًا معينة من أجل تحقيق أهداف محددة، فهم يحاولون دفع مرشحيهم السياسيين إلى الأمام على المستويين المحلى والوطنى، ومن بين أهدافهم تحقيق الهيمنة على المجتمع المسلم والتأثير فى صنع القرار على المستويين الوطنى والدولى.
■ هل هناك أى تنظيمات تنتمى للإخوان فى إيطاليا؟ ولماذا لا تدرج روما الجماعة بقائمة الإرهاب؟
- هناك منظمة «UCOII- اتحاد الجاليات والمنظمات الإسلامية فى إيطاليا» التى تعتبر الممثل الرسمى للإخوان هناك، وقد تأسست عام ١٩٩٠، ويديرها محمد نور داشان السورى الأصل، وتضم ما يقرب من ١٣٠ جمعية، وتتحكم فى ٨٠٪ تقريبًا من المساجد فى إيطاليا، كما تمتلك فرعًا ثقافيًا وفرعًا نسائيًا وآخر شبابيًا.
وفى ١٢ يونيو ٢٠٢٠، نشر الأمين العام للجامع الكبير فى روما، وهو أيضًا مقر «المركز الثقافى الإسلامى لإيطاليا- CCII»، الدكتور عبدالله رضوان، بيانًا طويلًا على صفحة المنظمة على فيسبوك، متهمًا «اتحاد الجاليات والمنظمات الإسلامية فى إيطاليا- UCOII» بنشر المعلومات المزيفة والانتماء إلى جماعة الإخوان.
وأكد الدكتور رضوان أن مؤسس منظمة UCOII ورئيسها الفخرى، الطبيب السورى محمد نور داشان، هو مؤسس جماعة الإخوان فى إيطاليا، واستشهد بالتسجيلات التى اعتدى فيها «داشان» لفظيًا على المسلمين غير الراغبين فى البقاء تحت هيمنة الإخوان.
وقال الدكتور رضوان حينها، إنه من غير المنطقى أن نواصل غض البصر عن الهيمنة الإخوانية السلفية اليوم فى إيطاليا، حيث أصبحت ظاهرة الإسلام السياسى فى إيطاليا أكثر تعقيدًا وتعددية.
ومع ذلك، هناك جمعيات وجهات فاعلة جديدة أخرى، فى كثير من الحالات لها روابط مباشرة أو غير مباشرة مع أفراد مرتبطين بـمنظمة UCOII، تنشر حاليًا وجهات نظر مؤيدة للإخوان وأردوغان فى إيطاليا.
ومن الصعب حاليًا تخيل أن إيطاليا تضع جماعة الإخوان فى القائمة السوداء، عندما يحتفظ السياسيون والمؤسسات بعلاقات معها.
وأريد أن أكشف أنه فى عام ٢٠١٩، منح الرئيس الإيطالى للجمهورية، سيرجيو ماتاريلا، جائزة وسام الاستحقاق للصحافة لابنة مؤسس منظمة UCOII، والرئيس الفخرى السورى الأصل الذى فضحه الدكتور رضوان.
وأثار هذا التصرف غضب العديد من السياسيين، مثل جيورجيا ميلونى وماوريتسيو غاسبارى، واستنكروا جميعًا صلات المنظمة بمتطرفين سوريين.
إيطاليا تعمل جنبًا إلى جنب مع تركيا فى ليبيا، لدعم حكومة الوفاق الوطنى، وأعتقد أن هذه الصورة تقدم مؤشرًا واضحًا حول سبب عدم إدراج إيطاليا جماعة الإخوان فى القائمة السوداء.
وإذا فكرنا فى الأمر، لم تتحرك أى دولة أخرى فى مثل هذا الاتجاه حتى الآن، مثل المملكة المتحدة وألمانيا وإسبانيا، وما زالت تلك الدول تترك جماعة الإخوان تمارس أنشطتها، والآن فقط بدأنا نشهد تغييرًا، إذ تتخذ فرنسا والنمسا إجراءات أكثر صرامة بشأن الإخوان و«الإسلام السياسى».
وأعتقد أن ما يحدث نقطة انطلاق جيدة، لكنى أشك فى أن الدول الأوروبية الأخرى ستكون مستعدة للانضمام إلى باريس وفيينا فى الوقت الحالى، حيث إنه ليس من السهل استئصال شجرة ذات جذور عميقة.
■ ما الاستراتيجية التى يستخدمها طارق رمضان لخداع المجتمع الأوروبى؟
- يتصرف طارق رمضان بنفس طريقة أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية، فيقدم نفسه كشخص مستنير ومؤيد للديمقراطية، ويستغل الآليات الغربية الديمقراطية والليبرالية للتسلل إلى السياسة والأوساط الأكاديمية والمجتمع.. إن الإخوان يعلمون جيدًا أنه يمكن استخدام الدين للسيطرة الاجتماعية والسياسية.
ومن المحتمل أن يكون طارق رمضان هو أكثر الإخوان شهرة على المستوى الأكاديمى، وقد وجد أرضًا خصبة فى فرنسا وبريطانيا فى الماضى، حيث إنه كان يتقاضى راتبًا شهريًا من جامعة أكسفورد، أعرق الجامعات البريطانية، وقد وجدت الأمر مضحكًا عندما سمعت، فى عام ٢٠١٤، رئيس الوزراء البريطانى الأسبق، ديفيد كاميرون، يقول «إنهم فى لندن لا يعرفون ما يكفى عن جماعة الإخوان المسلمين»، فالمملكة المتحدة تعرف كل شىء عن الجماعة من وقت تأسيسها فى ١٩٢٠.
وكان طارق رمضان يزور إيطاليا فى عدة مناسبات، جنبًا إلى جنب مع شخصيات إسلامية معروفة تنشر الآن دعاية مؤيدة لأردوغان.
■ لماذا تسمح أوروبا بدخول المتطرفين أراضيها؟
- أعتقد أن الأمر بدأ منذ الحرب الباردة، عندما كان الاتحاد السوفيتى لا يزال موجودًا، فاستخدم الغرب الجماعات الإسلامية، مثل الإخوان المسلمين والمجاهدين الأفغان، ضد موسكو وضد الحكومات الاشتراكية فى الشرق الأوسط، وفى ذلك الوقت ربما يكون الأمر منطقيًا، وفقًا لاستراتيجية «عدو عدوى صديقى».
ومع ذلك، فهذه استراتيجية خطيرة، وليس من المستغرب أن تنظيم القاعدة ولد من رماد المجاهدين، وأصبح يشكل تهديدًا- ليس فقط لاستقرار الشرق الأوسط- لكن على مستوى العالم.
■ ما الدول والمنظمات التى تمول طارق رمضان وبقية أعضاء جماعة الإخوان فى أوروبا؟
- كشف كتاب «أوراق قطر»، الذى كتبه الصحفيان الاستقصائيان الفرنسيان كريستيان شينو وجورج مالبرونو، بوضوح عن الروابط المالية مع مؤسسة قطر الخيرية، وأعتقد أن هذه ليست سوى قمة جبل الجليد وأن الوضع أكبر بكثير، وستكون هناك حاجة إلى تحقيق جاد ومعمق من أجل الكشف عن الأموال وإيقاف ضخها.
لكن الأمر ليس سهلًا، فمن أجل التحرك فى هذا الاتجاه، نحتاج إلى إرادة سياسية قوية لا أراها حاليًا فى إيطاليا ولا فى أوروبا.
■ كيف يدعم أردوغان الإخوان فى إيطاليا وأوروبا والشرق الأوسط؟
- ينفذ أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم الموالى، أهداف الإخوان على المستوى الوطنى، مثل تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، وعلى الصعيد الدولى، وصل إلى نقطة تهديد اليونان- حليفته فى الناتو- فى ظل صمت الناتو.
تستخدم تركيا الجهاديين فى سوريا، وتنقلهم إلى ليبيا لاستخدامهم ضد الجيش الوطنى الليبى، كما حذر الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون من استخدام الجهاديين فى نزاع ناغورنو كاراباخ الأخير ضد أرمينيا.
لا يريد العديد من أعضاء الناتو عقاب تركيا، ولا يفهمون أنه بتأجيل المشكلة، فإنهم سيجعلونها أكبر.
وفى يوم الأربعاء الماضى، حكمت محكمة تركية على جان دوندار، رئيس تحرير صحيفة جمهورييت السابق، غيابيًا، بالسجن ٢٧ عامًا، والسبب هو أنه فى عام ٢٠١٥، كشف عن شحنة أسلحة تركية للجهاديين فى سوريا على متن شاحنات، ولم أسمع قناة إخبارية واحدة فى التليفزيون الإيطالى تحكى تلك القصة، على النقيض يتم بث أخبار للجمهور الإيطالى منذ أسابيع بقصة «زكى».
■ ما تقييمك لدور مصر فى محاربة الإرهاب؟
- فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى أصبحت مصر لاعبًا بالغ الأهمية فى حماية أمن المنطقة ضد جماعة الإخوان، التى تشكل تهديدًا كبيرًا لشمال إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا.
وتبذل مصر جهودًا كبيرة فى الحرب على الإرهاب، وأتمنى أن يقدم الغرب المزيد من المساعدة لمصر. فالدولة المصرية لا تحمى نفسها فحسب، بل تحمى أوروبا أيضًا، ويجب أن تكون مصر حليفنا القوى.
وفيما يتعلق بالتمويل، هذا هو بالضبط ما يجب أن تستهدفه الإجراءات الأوروبية ضد الإخوان، إذ سيؤدى قطع جميع قنواتها المالية إلى إضعافها وتحييدها فى النهاية.
■ كيف تعمل الجماعة فى مصر والشرق الأوسط وأوروبا؟
- تعتبر أيديولوجية الإخوان مشكلة، لأنها تتسلل إلى المجتمعات الإسلامية عبر الجماعات التى تدير المراكز الدينية.
اختراق أيديولوجية الإخوان المجتمع المسلم مشكلة كبيرة للمسلمين أيضًا، إذ يريد معظم المسلمين فى إيطاليا وأوروبا ببساطة الذهاب إلى المسجد والصلاة والعودة إلى ديارهم.
إنهم لا يريدون أن يكون لهم أى علاقة بالإسلام السياسى وأيديولوجية الإخوان، والتى لا تخلق سوى الخلافات والتوترات والعنف مع المجتمع المسلم.
ولا أرى أى سبب يدعو السلطات الأوروبية للسماح لجماعة الإخوان بفرض أيديولوجيتها على المسلمين.
■ ما مقترحاتك للقضاء على نفوذ جماعة الإخوان حول العالم؟
- فى أوروبا، من المهم الوقوف إلى جانب النمسا وفرنسا اللتين تتخذان الخطوات الأولى ضد جماعة الإخوان.
ويجب أن يكون الهدف الأول هو قطع جميع القنوات المالية التى تصل إلى الإخوان، لأنه دون مال لا يمكن القيام بأى نشاط. ثانيًا، سيكون من المهم حظر الجماعات المرتبطة بجماعة الإخوان وما يسمى «الإسلام السياسى»، كما بدأته بالفعل فرنسا والنمسا.
ثالثًا، من المهم قطع العلاقات مع الدول الداعمة لجماعة الإخوان المسلمين، مثل تركيا وقطر، رابعًا، من الضرورى أيضًا توفير المزيد من المعلومات العامة حول النشاط الحقيقى للإخوان، وكشف استراتيجيتها وطريقة عملها ولغتها المزدوجة وأيديولوجيتها، إذ يسمع الرأى العام فى الغالب عن القاعدة وداعش، لكنه لا يعرف إلا القليل عن جماعة الإخوان المسلمين.
وأخيرًا على الغرب التعاون مع الدول الإسلامية التى تقف على خط المواجهة ضد الإسلام السياسى والإخوان مثل مصر والإمارات.