رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل غيّرت مصر استراتيجيتها فى ليبيا؟


«ندعم رغبة القاهرة فى انفتاحها على كل أطراف الأزمة الليبية بما يسهم فى تثبيت وحدة البلاد، وهو الأمر الذى يتفق ورؤية دول الجوار الليبى وأطراف دولية وإقليمية».. قائل هذه العبارة هو الليبى عبدالحكيم بلحاج، رئيس حزب الوطن الليبى المعارض لنظام الحكم إبان عهد الرئيس السابق معمر القذافى وحاليًا المشير خليفة حفتر.. كان وما زال أحد كوادر الإخوان المسلمين المتشددين، ويقيم حاليًا فى تركيا مدعمًا حكومة الوفاق الإخوانية، بل وقام بنقل الآلاف من المرتزقة السوريين إلى ليبيا على طائرات شركة الأجنحة للطيران، التى يمتلكها، وله صولات وجولات فى الإرهاب وتنظيم القاعدة، وسبق القبض عليه عدة مرات داخل وخارج الأراضى الليبية.
وعلى الرغم من كل ذلك فإن هذا التصريح الذى أدلى به بلحاج كان من الضرورى أن نتوقف عنده لنقيِّم الموقف الليبى بصفة عامة بكل توجهاته السياسية المعتدلة والمتطرفة من الموقف المصرى الداعم لإرساء الاستقرار والأمان داخل الدولة الليبية من منطلق أن الأمن القومى المصرى مرتبط بشكل أو بآخر بالأمن القومى الليبى..وأيضًا للوقوف على ذلك التطور الإيجابى فى الموقف المصرى تجاه القضية الليبية بصفة عامة وعدم قصرها على فصيل واحد فقط لا يمثل عموم الشعب الليبى.
كان من الملاحظ هنا أن تصريحات بلحاج انصبت بشكل إيجابى على مباركة الجهود الليبية التى تسهم فى إنجاح الدور المصرى، وخصوصًا تلك الزيارة الرسمية التى تمت منذ أيام لوفد مصرى عالى المستوى للعاصمة الليبية طرابلس، والتى جاءت فى توقيت حاسم من هذه التطورات التى تشهدها الدولة الليبية حاليًا، خاصة أن هناك دولًا عربية وإقليمية ما زالت تدعم فكرة الحرب واستخدام القوة والميليشيات المختلفة لإحكام السيطرة على مقدرات الشعب الليبى.
ومن هنا جاءت الزيارة المفاجئة لوزير الدفاع التركى خلوصى آكار إلى العاصمة الليبية طرابلس ولقاؤه مع الضباط الأتراك الموجودين بقاعدة الوطية بطرابلس، والدعوة إلى إعادة تأهيل هناجر الطائرات بها، بما يمكنها من استقبال طائرات «إف ٤»، وهو ما يعد مؤشرًا لتعزيز الوجود التركى فى ليبيا بعدما كانت تكتفى بإرسال الطائرات المسيرة من نوع بيرقدار التى استخدمتها بكثافة ضد الجيش الوطنى الليبى.
والواقع أن هذا التحرك التركى جاء بعد أيام قليلة من تصريحات المشير خليفة حفتر بمناسبة عيد استقلال ليبيا، حيث أعلن فى رسالة واضحة للأتراك عن أنه لا خيار أمامهم سوى مغادرة ليبيا سلمًا أو حربًا، وهو ما أثار قلق النظام التركى، الذى يحاول أن يدعم وجوده فى ليبيا تحقيقًا لمصالح اقتصادية وكذلك مصالح سياسية على حساب دول حوض البحر الأبيض المتوسط خاصة اليونان وقبرص.
وعلى ضوء كل هذه المعطيات كان للإدارة المصرية الرشيدة دور يحسب لها، على الرغم من تلك التداعيات والمخاطر التى تشهدها الساحة الليبية حاليًا، حيث تم إيفاد وفد مصرى رسمى على مستوى عالٍ يضم كبار رجال المخابرات ووزارتى الدفاع والخارجية فى أول زيارة من نوعها للعاصمة الليبية طرابلس منذ أكثر من ست سنوات فى أعقاب إغلاق السفارة المصرية بها منذ أبريل ٢٠١٤، عقب استهدافها بهجوم إرهابى.. وكان تزامن تلك الزيارة مع تصريحات المشير حفتر فى وجود وزير الدفاع التركى أكبر دليل على ثبات استراتيجية الموقف المصرى الداعم لاستقرار ليبيا وإن اختلفت قليلًا فى آلية تنفيذها.
وقد جاء جدول زيارة الوفد المصرى والشخصيات التى التقى بها من كبار المسئولين بالمجلس الرئاسى الليبى والعديد من الوزراء الليبيين، خاصة الدفاع والخارجية والداخلية والمخابرات الليبية التابعة لحكومة الوفاق الليبية- ليؤكد أن الإرادة والإدارة المصريتين أصبحتا أكثر انفتاحًا على جميع القوى السياسية الليبية، ولم تعودا مقتصرتين على دعم الجيش الوطنى الليبى برئاسة المشير خليفة حفتر فقط، وكان من نتاج تلك الزيارة الإيجابية للوفد المصرى النتائج التالية:
- الموافقة على إعادة عمل السفارة المصرية من داخل العاصمة طرابلس فى أقرب وقت، وبعد التأكد من استقرار الأوضاع الأمنية بها.
- وضع حلول عاجلة لاستئناف الرحلات الجوية الليبية للقاهرة.
- استعراض كل مجالات التعاون بين البلدين وتطويرها وتذليل كل العقبات لضمان الظروف المناسبة لتواصل الشعبين الشقيقين.
- طلب وزير الخارجية الليبى الطاهر سيالة عقد برامج واجتماعات بين المختصين فى وزارتى الخارجية الليبية والمصرية، لتحقيق أعلى معدلات التعاون الدولى المشترك بين البلدين، وكذلك المشاركة فى إعادة إعمار البنية الأساسية والمشروعات العمرانية والاقتصادية فى ليبيا.
- دراسة كل التحديات الأمنية المشتركة بين البلدين، وذلك فى أثناء اللقاء الذى تم مع وزير الداخلية الليبى فتحى باشاغا وكبار رجال المخابرات الليبية لتعزيز التعاون الأمنى بين البلدين، خاصة فى مجال مكافحة الإرهاب والتطرف والتدريب والاستفادة من الخبرات المصرية الناجحة فى هذ المجال.
واللافت هنا أن القناة الفضائية الليبية «فبراير» المقربة من حكومة الوفاق الليبية قد قامت بتغطية زيارة الوفد المصرى، خاصة لقاءى وزيرى الداخلية والخارجية الليبيين فى إشارة واضحة إلى أن هناك انفتاحًا وقبولًا لدى هذه الحكومة للدور المصرى من القضية الليبية متشابكة الأطراف.
وهكذا تكون مصر قد طورت بشكل أو بآخر استراتيجيتها مع الملف الليبى بصورة أكثر مرونة واحترافية، عندما انفتحت على جميع الأطراف الليبية دون استثناء، وصولًا إلى الهدف الأسمى لها، وهو تحقيق أمن وأمان الدولة الليبية حفاظًا على استقرارها الذى هو فى ذات الوقت حفاظ على الأمن القومى المصرى.
وتحيا مصر.