رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثورة 30 يونيو.. والتوازن الدولى «الجزء الرابع»


لن توجه الولايات المتحدة ضربة عـسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية بل ستسعى حثيثا لضمها إلى حـظـيـرتـها ولـو بعـد حـيـن، وفى المقال القادم بإذن الله نجيب بالحقائق والقرائن عـن السؤال المنطقى الذى فرض نفسه وهو: هل قبلت إيران هذه التسوية بعـد الامتلاك الفعلى للرادع النووى؟

تناولت فى مقال الأسبوع الماضى تأثيـر ثورة 30 يونيو على أزمة العلاقات المصرية الأمريكية بعـد تجميد الجزء الأكبر من المساعـدات العـسكرية الأمريكية، وتراجع اهتمام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط الذى ربطه البعـض بالكشف البترولى العملاق فى أراضيها، ثم أوضحت استراتيجيتها التى استمرت أكثر من مائة عام للسيطرة على العالم، حتى أُبين أن تراجع الدور الأمريكى فى المنطقة هو تراجع تكتيكى، إذ لا يتسنى للولايات المتحدة الهيمنة على العالم دون السيطرة عـلى قلب العالم Heart Land، واليوم نتناول تسوية القضية النووية الإيرانية التى روجت لها مجموعة «5+1» ووصفتها بأنها اتفاقية تاريخية، لتأكيد زيادة اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة.إذ تقضى هذه الاتفاقية بأن تقوم إيران بتجميد برنامجها النووى لمدة 6 شهور مقابل تخفيف العـقوبات المفروضة عـليها، وأن تلتزم بعـدم إضافة أى أجهزة طرد مركزى جديدة إلى برنامجها النووى، أو أن تقوم بأى إجراء من شأنه استكمال مفاعل «آراك» لإنتاج الماء الثقيل، عـلى أن يتم استكمال التفاوض بشأن هذا البرنامج مستقبلاً للتوصل إلى تسوية شاملة ودائمة بشأن هذا البرنامج، وقد أعـلنت طهران أنها ستلتزم بهذه التسوية ما دام الغرب سيلتزم بها، ورحبت بها موسكو ووصفتها بأنها خطوة على طريق حق طهران فى إنتاج الطاقة النووية للاستخدامات السلمية، بينما أشاد بها القائد السياسى الأكثر فشلا لأقوى دولة فى العالم ووصفها بأنها ستقطع الطريق أمام طهران لتصنيع القنبلة النووية، كما أُجبرتها على قبول التنازلات التى فُرضت عليها، ويدخل هذا التصرح ضمن التصريحات التى أفقدت هذا الرئيس شعـبيته إلى أدنى مستوى، إذ يرى معـظم الأمريكيين أنه غـير نزيه وأنه لا يستحق ثقتهم.

وترتيبا على ما تقدم لا بد وأن تدور فى الأذهان بعـض التساؤلات وهى، من الذى قدم التنازلات للآخر، فإذا كانت إيران هى التى بادرت بتقديم التنازلات فما هى هذه التنازلات؟ وهل يمكن لعاقـل أن يصدق أن تُقدم إيران تنازلا واحدا يُوقف نشاطها النووى بعـد مفاوضات مضنية دامت زهاء عـشر سنوات؟! أو بمعـنى آخرهل يمكن أن يتصور عاقل واحد أن إيران يمكنها التنازل عـن أن تكون قوة إقليمية عـظمى فى منطقة تزداد حساسية يوما بعـد يوم فى مقابل تخفيف عقوبات تحملتها طوال هذه المدة؟ لكن السؤال المنطقى الذى يطرح نفسه هو،هـل يمكن لإيران أن تكون قد استكملت برنامجها النووى وقبلت هذه التسوية بعـد امتلاكها الفعلى للرادع النووى؟ هذا الكم المتلاحق من التساؤلات يحتاج إلى دراسة علمية متأنية وتحليل منطقى يستندان إلى معلومات وبيانات حديثة ومؤكدة للإجابة عـليه، أعـترف سلفا بعدم امتلاكها، لكننى سأعـتمد عـلى حقائق مؤكدة يدعـمها بعـض القرائن التى تسهم فى التوصل إلى إجابات أقرب لأن تكون إجابات صحيحة.

وينبغى أولاً توضيح أبرز التفاعلات التى أفرزت هذه الحقائق وتلك القرائن، إذ يشير الواقع إلى أن ثورة 30 يونيو قد أسقطت مشروع تمكين تيار الإسلام السياسى من أنظمة الحكم فى دول المنطقة، بعـد أن أسقطت نظام حكم جماعة الإخوان فى مصر، حيث يتمحور مشروع إعادة هيكلة الشرق الأوسط الكبير وفقا للمنظورالاستراتيجى الأمريكى حول مصر، ويشير الواقع أيضاً إلى أن التهديدات المستمرة بتوجيه ضربة عـسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية قد ذهبت جميعـها أدراج الرياح، حين أدركت إيـران أنه من المستحيل توجيه ضربة ضد منشآتها النووية المتمركزة تحت الأرض والمنتشرة وسط تضاريس صعـبة، وأدركت إيران أيضاً أن هذه الضربة ستجعـل منطقة الخليج العـربى كـرة ملتهبة لن يتمكن من بداخلها إطفاءها، ولن يستطيع من خارجها الاقـتـراب منها، فتعـمدت إطالة أمد المفاوضات حتى تجد مخرجا لعـزلتها الدولية وتقلل من تأثـيـر العـقـوات المفروضة عـليها، أما الولايات المتحدة فقد سارعـت إلى التوصل إلى هذه التسوية لاستخدام إيران فى إيجاد تسوية للمسألة السورية، وإعادة هيكلة وتشكيل الشرق الأوسط الكبير، ومنع روسيا والصين من استقطابها، وفى هذا السياق أشير إلى مـقـال لى نُشـر فى 16ديسمـبـر 2011 تحت عنوان الخيار الأسوأ فى المسألة النووية الإيرانية، خلصت فيه إلى أن الولايات المتحدة لن توجه ضربة عـسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية بل ستسعى حثيثا لضمها إلى حـظـيـرتـها ولـو بعـد حـيـن، وفى المقال القادم بإذن الله نجيب بالحقائق والقرائن عـن السؤال المنطقى الذى فرض نفسه وهو، هل قبلت إيران هذه التسوية بعـد الامتلاك الفعلى للرادع النووى؟

■ أستاذ علوم سياسية - جامعة بورسعيد