رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السادات.. ثائر شجعته الأقدار على العمل السياسي

السادات
السادات

ربما لم يعرف الكثيرون أن معاهدة عام 1936، التي أبرمها مصطفى النحاس باشا، رئيس وزراء مصر وقتها، مع بريطانيا، كان لها تأثير مباشر على دخول الزعيم الراحل أنور السادات الجيش، إذ نتج عن إبرامها اتساع الجيش المصري تأهبًا للحرب العالمية الثانية، مما أتاح لأبناء الطبقة المتوسطة فرصة الالتحاق بالكلية الحربية، وأن يصبحوا ضباطًا في صفوف الجيش، فدخل على إثر ذلك أنور السادات وجمال عبدالناصر ومجموعة كبيرة من رموز ثورة يوليو إلى الكلية الحربية.

والتحق السادات فور تخرجه فى الكلية الحربية بسلاح المشاة بالإسكندرية، وفي ذات العام نقل إلى "منقباد" بصعيد مصر، ضمن مجموعة من زملائه الضباط الشباب، والتقى في هذا الوقت لأول مرة بالرئيس جمال عبدالناصر.

وعن هذه الفترة، أكد أنور السادات كم كان هو وزملاؤه الضباط يرون إذلال القادة المصريين لهم، وأن انحناءهم أمام الإنجليز كان يسبب له ولزملائه احتراقًا داخليًا وسخطًا، ولكنهم مع هذا لم يكونوا قادرين على البوح بذلك، فهم مَنْ هم، وهم قادة صغار، ليبدوا اعتراضهم على هذا النظام العسكري الظالم.

وأضاف الزعيم الراحل أنه في أحد الأوقات التي جمعت بين السادات وزملائه الذين كانوا تربطهم علاقة صداقة وتقارب في أفكارهم الوطنية، أولاها رفضهم القوي للاستعمار الأجنبي وبغضهم لأدواته ومشجعينه- قرر هو وعشرة آخرون من الضباط تأسيس جمعية سرية "ثورية"، هدفها الأساسي تحرير الدولة، لتبدأ بذلك النواة الأولى لتنظيم الضباط الأحرار بمجموعة من الضباط في معسكر تباب شريف بمنطقة "منقباد" بالصعيد.

و تعرض اليوزباشي محمد أنور السادات للاستغناء عن خدماته وصدور النطق الملكي السامي بذلك، بعد القبض عليه في أول أكتوبر عام 1939 بسبب اتصالاته بالألمان، بل قرر الإنجليز اعتقاله، وتم نقله بالفعل إلى سجن الأجانب، ليتنقل السادات ما بين سجن الأجانب بالقاهرة إلى معتقل ماقوسة بمدينة المنيا في الصعيد ثم إلى معتقل الزيتون بالقاهرة، إلا أنه هرب من المعتقل عام 1944 وظل مختبئًا، إلى أن سقطت الأحكام العرفية، وبذلك انتهي اعتقاله حسب القانون.

و عمل "السادات" تبّاعًا على عربة لوري أثناء فترة هروبه، ينقل الأحجار من المراكب النيلية لاستخدامها في الرصف، أما في عام 1945 انتقل إلى بلدة أبوكبير في الشرقية، حيث اشترك في شق ترعة الصاوي.. وفي عام 1946، بعد اغتيال أمين عثمان باشا، وزير المالية أيام حكومة مصطفى النحاس الذي كان أكثر من صديق للإنجليز ومساندًا لبقائهم في مصر، اتهم في القضية عشرون شابًّا من ضمنهم الشاب محمد أنور السادات، وكان المتهم رقم 7 في قائمة اتهام النيابة، الذي وجهت إليه تهمة الاشتراك في مقتل أمين عثمان.

وقضى الشاب الثائر محمد أنور السادات إثر ذلك 31 شهرًا بالسجن حتى حُكم عليه بالبراءة، إلا أنه واجه الحياة بعد ذلك بلا مورد مالي وضاقت به الدنيا، إلى أن استطاع في أواخر العام 1948 أن يحصل، بمعاونة الكاتب الكبير الراحل إحسان عبدالقدوس، على عمل كمحرر صحفي بمجلة «المصور» بدار الهلال، التي وافقت على نشر مذكراته أيام السجن، وأخذ في كتابة سلسلة مقالات دورية بعنوان «30 شهرًا في السجن».

وربما كان هناك القدر نفسه هو من فرض على السادات العودة مرة أخرى للجيش والعمل الوطني، إذ تشاء الصدف أن يقابل السادات صديقا قديما له يدعى يوسف رشادن، وهو ضابط طبيب أصبح من الأطباء الخاصين بالملك فاروق، ليجعله يعود للجيش في الخامس عشر من يناير 1950 بنفس الرتبة التي خرج بها، وهي رتبة يوزباشي، على الرغم من أن زملاءه في الرتبة كانوا قد سبقوه برتبة الصاغ والبكباشي، ليرقى إلى رتبة الصاغ 1950، ثم إلى رتبة البكباشي عام 1951، وفي العام نفسه اختاره عبدالناصر عضوًا بالهيئة التأسيسية لحركة الضباط الأحرار.