رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بالأسماء.. الكتب الفكرية الأكثر أهمية فى 2020

حسين دعسة
حسين دعسة

الكتب الفكرية هى تلك التي لايمكن الاستغناء عنها، ولا يمكن إلا اللجوء لقراءتها لكونها تحمل أسألتها الخاصة، والتي تشتغل على التحريض على طرح أسئلة جديدة وجدية عبر الاشتباك معها، وعلى هذا الأساس جاء طرحنا لسؤالنا حول الكتب الفكرية التي أثرت وحرضت مبدعينا وكتابنا على قراءتها، والأسئلة الملحة التى خرجوا بها.

يقول الكاتب والشاعر إبراهيم المصري: «ثمة كتابان أعتقد أنهما كان الأكثر أهمية في قراءاتي لعام 2020، وهما "رأسمال القرن الحادي والعشرين ـ تأليف توماس بيكيتي، وترجمة وائل جمال وسلمى حسين"، وكتاب "رأسمالية الكوارث ـ كيف تجني الحكومات والشركات العالمية أرباحًا طائلة من ويلات الحروب ومصائب البشرية ـ تأليف أنتوني لوينشتاين وترجمة أحمد عبد الحميد"».

ويلفت «المصري» إلى أن الكتاب الأول يحلل السياسات الراهنة للرأسمالية وأثرها في تعميق الفجوة بين الأغنياء والفقراء، فيما يكشف الثاني عمَّا يمكن أن نسميه "المتاجرة بالألم الإنساني"، إذ تصبح السجون مثلًا في الولايات المتحدة الأمريكية مؤسسات مُربحة لشركات خاصة تديرها نيابةً عن حكومات الولايات، حتى أن بعض هذه الشركات يشترط أن تكون السجون مشغولة بنسبة 80% على الأقل لتقبلَ بإدارتها، فيما تصبح المتاجرة بالألم الإنساني أشد بروزًا ومأساوية في دول مثل أفغانستان والعراق.

ويضيف «المصري»: «وإذ أعيش مثل غيري من البشر التفاصيل اليومية لجائحة فيروس كورونا المستجد، فإنني أوليت اهتمامًا كبيرًا كذلك، لمتابعة ما يُنشر عن الجائحة، سواء في الجانب العلمي لها، أو في الجانب الفكري، والثاني كان محلَ أوهامٍ كبيرة عن العالم قبل وبعد الجائحة، وكيف أن فيروس كورونا سيعيد صياغة العالم، وإن ربطنا الرأسمالية بإعادة صياغة العالم فإنه حتى في جائحة مثل كورونا تؤثر في مصير البشرية كلها، لا يزال العالم مشدودًا إلى المركزية الغربية بمختبراتها وحِراكها العلمي، أي إننا لن نصحو ما أن تنتهي جائحة كورنا على عالمٍ جديد».

ويقول الكاتب الصحفي والروائي ناصر عراق: «رغم كابوس كورونا الوغد، وتهديده الدائم باقتلاع أرواحنا من أجسامنا، إلا أن ظهوره المباغت لم يخلُ من فائدة، فقد منحنا فرصة أوسع للاستزادة من القراءة، عندما أجبرنا هذا القاتل المجهول على البقاء في بيوتنا مجبرين، وهكذا عكفت في عام 2020 على قراءة مجموعة أظنها مهمة من الكتب الفكرية والأدبية، فضلًا عن انكبابي الدائم على كتابة أحدث روايتي حتى فرغت منها، وسوف تصدر قريبًا».

وأضاف«عراق»: «من أهم الكتب التي قرأتها في هذا العام وأثارت مخيلتي فأشعلت حزمة من الأسئلة في جمجمتي كتاب "مصر القديمة... تاريخ الفراعنة على ضوء علم الدلالة الحديث" الذي صدر عن دار "منشورات الجمل" عام 2005، وهو من تأليف عالم الآثار الألماني "يان أسمان" وترجمة الكاتب العراقي حسام عباس الحيديري، وقد ترأس هذا العالم بعثة أثرية في الأقصر عام 1978».

وتابع: «الكتاب ضخم، إذ يبلغ عدد صفحاته 526 صفحة، وهو من القطع الكبير ويتكون من مقدمة وتمهيد وستة أقسام وخاتمة، ولأني منشغل منذ زمن بتراث أجدادنا القدماء: الفكري والفني والمعماري، فقد أجج هذا الكتاب حماستي لاختبار مدى صحة القناعات السابقة من خلال طرح هذه الأسئلة الثلاثة المهمة».

واستطرد «عراق»: «أولها: كيف قاد المفكرون المصرين القدماء ثورة عقلية كبرى للبحث في نشأة الحياة حتى توصلوا إلى أن هناك عدة آلهة تتحكم في مظاهر الطبيعة (الحياة الشمس المطر النيل الرعد الخصوبة الموت) إلى آخره،
وثانيها: كيف وثب هذا العقل المصري الجميل إلى قمة النضج الفكري آنذاك، فتوصل إلى فكرة التوحيد، وأن هذا العالم له خالق واحد فقط، وذلك قبل ظهور جميع الأديان السماوية بمئات القرون، وثالثها: تقديس الفكر المصري القديم لفكرة العدالة الاجتماعية، بوصفها جوهرة الاستقرار الاجتماعي وأساس أي نهضة مستقبلية».

وفي نفس السياق يشير الكاتب والروائي الأردني حسين دعسة إلى كتاب الباحث إيهاب الملاح، «سيرة الضمير المصري» الصادر عن دار الرواق في القاهرة، حيث ينبهنا الكتاب إلى حقيقة التنوير المطلوب، فى دخول عالمنا القرن الأول من الألفية الثالثة.

ويشير «دعسة» إلى أن الملاح لعب على كراسات ومسودات الروح التاريخية التي نتتبعها اجتماعيًا وجماليًا وفكريًا، ونحن «نمس» الضمير المصري، بكل بساطة وإن كان بثقل ووعي فلسفي يثري فهمنا لتطورالعلاقة بين علم الاجتماع والفلسفة والاقتصاد في مصر منذ بدايات القرن العشرين المنصرم، وصولًا إلى مصر اليوم، وهنا حساسية الكتاب.

ويستطرد «دعسة»، أن خلاصات الجدل الفلسفة- الفكري عند إيهاب الملاح، تبرز من خلال مكوَّنات تتحرك أفقيا في دورة فكرية، محاوره تقع في 15 محطة فصلية، يبحث في حال محطة الوعي والثقافة الطارئة، المشبعة بالأسئلة الفكرية والتي ولدتها الثورة ومختلف الحركات السياسية والثقافية، وكيف شكلت الضمير المعاش، المفكر، الفنان، في ممرات تاريخ مصر.

يلفت «دعسة» إلى أن إيهاب الملاح في كتابه لا يرسم لنا، كقراء عرب أن محاكم الضمير المصري، بل كضمير عربي قومي في ذات الفلسفة التنويرية التي صبغت الثقافة العربية المعاصرة، وهو يراقب أشكال وتحديات الصراع الفكري والاستعمار بين (مصر) المصريين والغرب (المستمر) منذ نهاية القرن الثامن عشر، عندما كان سؤال النهضة، العربية هو ذاته سؤال التنوير النهضوي المصري.

ويختم «دعسة» بأن الملاح يقف على سؤال الغزو الاستعمار الفرنسي، منذ أن هدمت مدافع نابليون قلاع الإسكندرية في أواخر القرن الثامن عشر، سنة 1798، وكيف ثبت هذا التاريخ صورة الضمير المصري والإنساني، فكان محركًا سياسيًا اجتماعيًا قائمًا على مشروع التحرر الفكري وبناء ثوابت المصري، فى سياق معالم التنوير العالمي، عندما تقرأ أيهاب الملاح، ترى صورة أخرى من تنوير مفتقد بعد طه حسين وزكي نجيب ورمسيس يونان وجلال حنفي ونصر حامد أبو زيد، وغيرهم.

في نفس السياق، يقول الروائي محمود عبد الغني: «قد يكون كتاب نظرية الأدب للناقد تيري إيجلتون من الكتب التي جعلتني أكثر أطمئنانًا وقلقًا في نفس الوقت، الكتاب يقدم عرضًا شاملًا لنظرية الأدب الحديثة، وكعادة إيجلتون فكتابه يكتب للعامة، ذكي وبسيط دون أن يغرق في الابتذال، قدم فيه الطريقة التي تظهر بها نظريات الأدب الحديثة، وهو ما أقلقني، لأني أعلم أن تيري إيجلتون لا يؤمن بفكرة النظرية، وهو محطم دائم لبطريركية الناقد(ذلك الذي تعاني منه الثقافة العربية مثل مرض عضال) مما جعله الناقد والمفكر الأقرب لي في السنوات الأخيرة.

ويستطرد عبد الغني «سرعان ما جعلني أعود للفكرة الكبرى، وأصعد معه عندما قال أن النظرية يتم إنشاءها لكي نحطمها، وأن الناقد ما هو إلا قاريء مبدع يقدم قراءة مختلفة ومثيرة للعمل الإبداعي، دون أن يضع قواعد وقوانين تحاصر النص مثل سجان ودكتاتور يرغب في موات الأدب، فالأدب لم يكن أبدًا مثل علم الأقتصاد، ولا نستطيع أن نقول على الذين لا يؤمنون بالنظرية أن يتدبروا أمرهم بدونها، فهؤلاء (في علم الاقتصاد لا الأدب) واقعون في شرك نظرية أقدم.

ويشير «عبد الغني» إلى أن الأقتصاد يتعامل مع موارد محدودة تخضع لخاصية الندرة النسبية، وتلك الخاصية تحتاج إلى نظرية تفسرها، نظرية تعالج ندرة الموارد في الطبيعة وتعدد الحاجات، مما يجعل الأقتصاديون يتحدثون عن نظرية الندرة والاختيار وقانون التضحية بحاجة مقابل إشباع حاجة أخوى أهم، كل ذلك لا ينطبق على الأدب؛ لأن الأدب نتاج عقل وروح، وهما غير محدودين، وربما يكونا مطلقين، فلماذا إختيار قوانين تكبل ما هو مطلق، وتوقف عجلة الإنتاج الأدبي المختلف والمتطور بقوانين تقليدية ومعطلة.