رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الموصومون بحب الوطن ..!


لم أكن أتخيل يوماً أن أرى مصر على ما آلت إليه الآن، من تفكك وانقسام، وكراهية غير معقولة بين أطياف الشعب، وضد الجيش المصرى الذى هو جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني. متناسين جميعا بأنه أخر ما تبقى من الجيوش العربية والإسلامية، والتى أُهلكت جميعها على أيدي شعوبها الأغبياء، الذين ندتهم نداهة الثورة؛ فغرقوا جميعا فى بحور الفتن، وانصهروا فى آتون المؤامرة. ورغم تعدد السيناريوهات وتنوع أسباب الاختلاف إلا أنها جميعا تحدث بدعوى نصرة الإسلام وكأن الإسلام لن ينتصر سوى باقتتال أنصاره وتجويع مؤيدوه.!

ودون خوض فى تفاصيل المشهد وما نراه ماثلاً أمامنا فى الشارع من حرق وهدم وسفك للدماء، دون مراعاة لحرمة الدين وقداسة الوطن. لا يدعونا فقط لوصم هؤلاء الخارجين على الدولة بالعملاء ولا المأجورين ولا بالمدفوعين من الخارج، كما لا يدعونا إلى التسليم فقط بأنها الفوضى التى تلي الثورة. وإنما يدعونا إلى مزيد من التأمل والتساؤل حول مضامين عدة لأفعال الثائرين ؛ لندرك عن يقين أنها الفوضى الخلاقة التى خطط لها الغرب قبل عشرات السنين. فمبادا نفسر انقلاب عمرو حمزاوى والبردعى على مبادئهم الثورية وإصرارهم المستميت على الإبقاء على الوضع الفوضوي فى مصر مهما كانت خسائره؟ وبماذا نفسر تحريف طلبة الإخوان لأغانينا الوطنية يا أحلى اسم فى الوجود .. يا مصر إلى يا أوسخ اسم فى الوجود .. يا مصر ؟ وبماذا نفسر تطاول العابثين بالعلم المصرى ودهسه تحت الأفخاذ والأقدام، وإحراقه فى صورة رمزية فريدة، تكشف عن غل دفين، يكمن فى نفوس الثائرين، ليس تجاه فصيل بعينه ولا الجيش، ولكنه غل موجه ضد الوطن .. وكأن الثورة لم تقم لإسقاط نظاما كان قد أفسد فى الحكم .. وإنما من أجل إسقاط وطن بأكمله وتغيير مسماه..!

لم أكن أتخيل يوما أن نكون موصومون بحب الوطن..! وأن يحظر على عشاقه سماع أو ترديد الأغاني الوطنية خوفا من السحل وربما القتل..!! فبماذا نفسر خروج الآلاف فى ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة لتنغيص أمزجة المحتفلين والتشكيك فى ذمة الجيش وإخلاصه وعقيدته الوطنية وقدراته القتالية ، مشهد مريب خرج فيه المناصرون للإخوان وكأنهم خرجوا للمطالبة بالقصاص لقتلى اليهود..!

كل هذه الأسئلة تدعونا للتأمل وتضعنا أمام حقيقة مرة، مفادها: أن ما نعانيه اليوم من انقسام وتشرذم ليس حصاد يوم وليلة، بل حصاد سنوات من التأمر والانقياد الأعمى للمخططات الصهيونية التى طبعت المناهج التعليمية وألغت دور الأسرة تماما، وكرست التعددية الثقافية. وحطمت كل معالم الوطنية فى عقول الأبناء وجعلت أجيالا من الشباب تؤمن بعدم أهمية الأوطان، وحتمية كسر الحواجز الثقافية بين البلدان وجعل المصالح الشخصية هى الجسور الحقيقية للتواصل بين الشعوب.. لدرجة أن وجدنا أطيافا من الشباب تطالب بالتطبيع مع إسرائيل، وأن إسرائيل قد غبنت من العرب ويجب أن يكون لها وطن أرض وسماء فالأرض ملك الله ولا حق لمخلوق أن يتفرد بامتلاكها ..!

استاذ تنمية وتخطيط وكاتب سياسى

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.