رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وداع الكبار 3 | زبيدة عطا: الإهمال تسبب في وفاة فتحي غانم (حوار)

  الدكتورة زبيدة
الدكتورة زبيدة عطا


بعد تخرجه من حقوق القاهرة وعمله بإدارة التحقيقات ثم عمله بالنيابة الإدارية لم يكن فتحي غانم يتصور أن يكون في المستقبل أحد عظماء عالم الصحافة والأدب، كان يكتب في كراسته رواية لم ينشرها ولكن رحلة إلى الأقصر ليكتب تحقيقًا جعلته ينقل التحقيق إلى رواية ويعنونها باسم "الجبل" وبرغم كل هذا إلا أن مسيرته تؤكد أنه كان مخلوقًا لعالم الصحافة والأدب، وأنه فقط ضل طريقه ليدخل كلية الحقوق، وبعد تخرجه يعيد اتزانه ليكمل ما خلق من أجله، ولم يكن عجيبًا أن يصبح بعد وقت قصير نائب رئيس تحرير ثم رئيسًا لتحرير صباح الخير، وبالرغم من عمله الصحفي وكتابته المستمرة لعمود صحفي لكن الصحافة لم تأكل الأديب فيه، على العكس تمامًا راح يقرأ الصحف ويستخرج منها ما يعينه على الأدب، وفي نهاية مشواره عرف فتحي غانم بالأديب أكثر منه الصحفي..

وبعد تعبه قال الأطباء إن فتحي غانم في طريقه للشفاء، وصدقتهم الدكتورة زبيدة عطا، وصدقهم فتحي غانم، وما هي إلا خمسة ايام ورجع إلى المستشفى وقال الأطباء أن "الكانسر" استشرى في الكبد، وقاوم فتحي في معركته الأخيرة، قاوم بقوة كعادته، لكنه في الأخير انهزم وصعدت روحه في مواجهة جحافل المرض، لكنه ظل موجودًا بأدبه وكتبه، وظل موجودًا أكثر في ذاكرة الناس، ومنهم زبيدة عطا أرملته، والتي كلما ذكر اسمه تنكأ الجراح ويسيل نزيف التذكر..

"الدستور" التقت أرملة الأديب الراحل الدكتورة زبيدة عطا والتي وصلت إلى عمادة كلية الآداب جامعة حلوان وكان هذا الحوار حول آخر أيام فتحي غانم..

◄ عرفته في العراق.. ولم تكون لديه طقوس للكتابة

عرفت فتحي غانم في العراق وكان بطلا في الشطرنج ولا أعرف أين الجائزة التي وعد بها جابر عصفور
كانت أول مرة تقابل فيها فتحي غانم والدكتورة زبيدة عطا في العراق وليس مصر وحينما عرفته وجدته انسانا دمث الخلق لين الطباع ذو ثقافة عالية وذهن حاضر متوقد، وبعد فترة من التعارف قررا الارتباط تقول زبيدة:" كان فتحي غانم مستمعًا جيدًا واستماعه أكثر من كلامه، وبعد الزواج ومع العشرة الكبيرة تأكدت لي هذه الصفات، هو شديد الثقة بنفسه معتد بذاته إلى أقصى حد، وكانت الرسائل تأتي من كل البلاد العربية والعالم وكان هذا شئ يفرحه".

لم تكن هناك طقوس لفتحي غانم يمكن أن تكون يومًا متكررا لكنه كان يكتب ويقرأ حتى الخامسة صباحًا، وينام ويستيقظ العصر إلا إن كان لديه ارتباط ما بميعاد أو غيره، ولا يعرف الكثيرون أن فتحي غانم الأديب والكاتب الصحفي الراحل كان بطلًا من الأبطال في الشطرنج، وكان يذهب إلى نادي الجزيرة لممارسة هوايته الأثيرة، وعن هذا الأمر تحكي الدكتورة زبيدة عطا أرملته فتقول:" كانت هوايته الشطرنج، كان يحبها محبة عظيمة، إلى جانب هوايته الأخرى وشغله الشاغل وهي القراءة ومشاهدة التلفزيون والمحطات العالمية لمتابعة سير أخبار العالم، وكل أوقاته الأخرى كانت تذهب للشطرنج فلو لم يذهب إلى نادي الجزيرة فإنه يفتح الكمبيوتر ويلعب معه شطرنج لفترات كبيرة. 

تواصل:" ولكنه حين كان يبدأ في كتابة إحدى رواياته ينعزل عما حوله تمامًا وقد يعيش في صمت لأيام، أو يعيش في توتر وقلق، ويصبح الرجل الدمث الخلق الرقيق بركانا من الغضب سريع الاشتعال، إلى أن تبدأ شخوصه في التحرك على صفحات الورق، وكان عادة يستمد بعض خطوطها ممن يعايشهم ثم يضيف إليها بخياله وكم من مكان ذهبنا إليه ثم تجولت شخوصه في رواياته وتحركت.

وتضيف:" لم يكن الأديب والكاتب الصحفي الراحل فتحي غانم اجتماعيًا، فمن الوسط الصحفي والثقافي كان له ثلاثة أصدقاء فقط تقول الدكتورة زبيدة:" كان أصدقاء فتحي غانم ثلاثة وهم الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، والفنان الراحل بهجت عثمان، والكاتب الصحفي أحمد حمروش، وكان آخر من زاره في المستشفى قبل رحيله هو بهجت عثمان، وهو الوحيد الذي دخل إلى غرفته وقدم لها رسما له، وكان يقول له من بهاجيجو إلى فتاتيحو، وكان يحبه جدا، وبعد موته هاتفني الدكتور جابر عصفور وقال إنه سينشئ مسابقة باسم فتحي غانم تكريمًا له، وقلت في وقتها أنني في انتظار مثل هذا التكريم الذي يمثل جزءً من عطاء غانم الكبير، ومرت السنوات ولم تنشأ جائزة باسم فتحي غانم، وتولى عصفور وزارة الثقافة ولم يقم بإنشاء جائزة لفتحي غانم، حقيقي أنه كانت هناك ندوة دولية باسمه ولكن الجائزة لم تنشأ.

◄ عانى من سرطان القولون ونزل إلى الكبد.. وكان يمليني ما سيكتبه في الجريدة

كان فتحي غانم يعاني من كانسر في القولون، والكثير من الأدباء حاولوا إقناع غانم بالسفر ولكنه لم يرضخ، تقول زبيدة:" في الحقيقة وحين ظهر كانسر القولون في فتحي غانم فإن الكثيرين بمن فيهم وزير الثقافة الفنان فاروق حسني كانوا يحاولون إقناعه للسفر للخارج، لكنه لم يرضخ لأحد ولم يقبل بالسفر، وكان من المفترض أن يكون هناك علاج كيماوي لحالة غانم بعد العملية الناجحة التي أجراها لاستئصال جزء من القولون، لكنهم لم يمنحوه جرعات الكيماوي، وحدث أن استشرى المرض، فجأة أخذ فتحي يتلوى من الألم كنا قد سافرنا لإجازة بناء على رأي الدكتور، وحين رجعنا بفتحي اكتشفنا أن الكانسر وصل للكبد، كان متعبًا جدا، والحقيقة أن الاتصالات انهالت من الكثيرين منهم هيكل وجابر عصفور ويوسف القعيد وبهجت عثمان وأحمد حمروش والكثيرين.

تكمل زبيدة:" كان فتحي عزيز النفس ولا يحب أن يراه أحد في تلك الحالة لذلك رفض أن يلتقي أحد أو أن يراه أحد وهو في حالته هذه، كان فتحي يعاني لأنهم أعطوه بالخطأ جرعة كيماوي زائدة عن حاجته بعد رجوعه للمستشفى، لا سنه ولا حالته كانت تسمح بهذه الجرعة الكبيرة، لذلك فقد نزل للعناية المركزة حتى يستطيع الأطباء متابعة حالته.

تواصل:" كان قويًا لدرجة أنه كان يقرأ تقارير المرض بنفسه، ولكن بعد انتقال المرض من القولون للكبد تناقص وزنه بسرعة مخيفة ولكنه كان متماسكًا جدا، ولكني أريد أن أقول إن فتحي تعرض لإهمال جسيم في المستشفى الاستثماري الذي كان يعالج به، مع أن المستشفى كان يبالغ في ثمن العلاج، والخدمة كانت اقل بكثير، وحتى في لحظات احتضاره حاولت أن استنجد بالممرضة لتفعل أي شئ، كانت تشاهد التلفزيون وتأكل الشيكولاته وتقول ببرود:" وانا هعمل ايه يعني؟".

وتتابع زبيدة:" كان غانم يكتب كثيرًا وأذكر أنه في أيام مرضه طلب مني أن أحضر ورقة وقلما، وراح يمليني ما سيكتبه، وقمت أنا بإرسال ما أملاه علي إلى الجريدة، وخرج صحفي ليكتب في رثائه إن المرض أثر على فتحي غانم لدرجة أن خطه قد تغير، ولكن لم يكن هذا خط غانم، كان خطي أنا تمامًا، إلى آخر يوم في حياته ظل يكتب للصحافة.

◄ لم يكتب وصيته.. وكان يحب الشيوكولاتة

تقول زبيدة عن وصية فتحي غانم، لم يكتب غانم وصيته ولم يتطرق للحديث عنها من الأساس، لم يكن يظن أن الأمر سوف ينتهي هكذا، كثيرًا ما تعب وقام وتعب وقام، وكان يظن أن هذه وعكة صحية سرعان ما سيفيق منها ليرجع لكتابته وقلمه، حتى أنه كتب عن تجربته هذه في المرض وشكر الدكتور الذي أجرى له العملية، وقرا الأستاذ هيكل المقال واتصل بغانم ليقول له:" انت عملت للدكتور دعاية مكانش يحلم بيها.. دعاية بمليون جنيه".

أما عن آخر ما تناوله فتحي غانم من أطعمة فتقول زبيدة:" ما قبل المستشفى وأثناء رحلة مرضه كان غانم يتناول الأكل المسلوق بحسب ما وصفه الاطباء له، ولكن غانم كان مجنونًا بشئ آخر، كان في إحدى رحلاته للخارج، وقال له دكتور إن الشيكولاته تمنع الزهايمر وهو أمر معروف لذلك ننصح الناس بالإكثار من أكل الشيكولاته، واقتنع فتحي غانم بأن الشيكولاته مفيدة جدا، فكان يأكل منها كميات كبيرة جدا أملًا في عدم وصول الزهايمر له في كبره، ولكنه لم يصل، ولكن بالنسبة للطعام كان يحب الأكل المسلوق، ودائما أكله بسيط، وكان يستعين على مرضه بالسوائل الطبيعية، ولكن لم يكن يحب الكشف عند الدكاترة، أو الحقن وغيرها، وعندما تأتي له انفلونزا يستعين كما سبق وقلت بالسوائل الطبيعية.

كنت أيضًا أقوم بضرب الأكل في الخلاط حتى يكون سهل البلع عليه، كانت الجرعات كما سبق وقلت أكثر مما تحمله، كان يئن وهو في غيبوبته، وبعدها بكم ساعة توفى.

كان فتحي غانم متابع جيد للأخبار والمحطات العالمية مثل السي ان ان وكان يحللها كان يعتبر نفسه أديبًا أكثر منه صحفيًا برغم رئاسته لتحرير، كان قارئًا ممتازًا، ويعرف اللغة الإنجليزية والفرنسية وكان يكتب طوال الوقت، حتى حينما كنا نسافر، كان حريصُا على ألا يتوقف عن النشر، وكان يرسل للأستاذ رؤوف توفيق ما يكتب بانتظام.

وعن أحب الأفلام إلى قلب غانم قالت زبيدة:" أما أحب فيلمين كان يحتفظ بهما فتحي غانم فهما" كل هذا الجار"، الذي يرى البطل فيه عالمًا من الموسيقى والفن، وهو يحتضر يرى فيه خيال امرأة غير واضحة المعالم لا تبدو صورتها إلا في اللحظات الأخيرة التي يلفظ فيها أنفاسه، ولقد ذكر هذا الفيلم وأحاسيسه تجاهه في إحدى قصصه في مجموعة عيون الغرباء، أما الفيلم الآخر فكانت بطلته إليزابيث تايلور وريتشارد بيرتون وهو عن ممثلة مشهورة تعيش في جزيرة منعزلة ويحضر بيرتون الذي يرمز للموت الذي تتجنبه الممثلة ثم تصادقه وتتقبله في النهاية.

وواصلت:" لم يخف فتحي من الموت ولم ينتظره، بل تركه يأتي وقتما يشاء الله بدون خوف، وإلى آخر لحظات حياته وقبل الغيبوبة كان هناك حلم، وكنا نتكلم عن الحياة وما ستفعله في إجازتنا المقبلة، وكان قد اجتاز من قبل العملية الجراحية وكنا نعتقد أنه سيجتاز هذا ايضًا، بل كان يتحدث عن الأمر بمرح وسخرية.

◄ كان يشعر بالقلق من تلقي القارئ.. وهاتفه التابعي وقال له: إحنا أبطال رجل فقد ظله

تقول زبيدة عطا إن فتحي غانم كان يشعر بالقلق من تلقي القارئ لما يكتب، وكان يطلب مني أن أعتبر نفسي قارئة عادية متجردة من أي عواطف أخرى لأعطيه رأيي بأمانة، وموضوعية، وكم كانت سعادته حين أخبروه في مجلة صباح الخير أن القصة لقيت استجابة طيبة من القراء.

وعن حكايات أعماله الأدبية قالت زبيدة:" كان يمتزج القاص بالإنسان في فتحي غانم فلقد بدأ في كتابة قصة "قط وفأر" في القطار ونحن نجلس في أحد الفنادق أيضًا، فقصها علي كحادثة حدثت له، وفجأة شعرت انها بداية لفكرة رواية وليست حدثًا وقع له.

تتابع زبيدة:" كان يحب التجريب وعندما اشترينا كمبيوتر وكان قد بدأ في كتابة إحدى رواياته عليه، ولم يكتب به سوى صفحتين ثم قرر أن يتركهما جانبًا، وبدأت خطوط شخوص أخرى تملي عليه وجودها، فبدأ في روايته الأخيرة " الشيوعي وصاحب العظمة وصاحب الفخامة"، ولكن وجد أن الكمبيوتر لا يتفق مع انطلاقه في الكتابة، فعاد إلى الكتابة في أوراقه التي اعتاد أن يختارها، أوراق بيضاء بلا سطور حتى لا تحده سطور الكتابة.

تواصل:" أما عن بطل الرواية فقد استلهمها من صديق قديم له أحبه، ونقلها إلى واقعنا المعاصر بما يحمله من صراعات تداخل فيها الإرهاب وتجارة الجنس، مع الصراع الذي قام بين أنظمة سياسية ومبادئ تهاوت.

وتستطرد:" وأذكر أنه حين حدثت المظاهرات التي حدثت في يناير وقال انها انتفاضة حرامية، وكان هو رئيس التحرير واصر أن يكون معه صلاح حافظ وكذبوا كلام السادات، فقام السادات بإزالة الزيادات وطردهم من روز اليوسف وحتى لم يسمح لهما بان يأخذوا أشيائهم، وكتب بعدها زينب والعرش وقام بتحويلها إلى سيناريو وكان يكتب هو حلقة وصلاح حافظ يكتب حلقة ولن تستطيع ان تفرق بينهما، وقتها كانا هما أول رئيسان لصباح الخير، كانا رئيسا تحرير وليس رئيس تحرير واحد.

وفي الأخير قالت:" كانت شخصياته من الواقع ولكنه كان يضفي عليها مزيدا منه وفي رواية رجل فقد ظله اتصل به التابعي هيكل يقول انك كتبت عنا رواية، فقال له غانم لا طبعا محصلش"، أما مصطفى أمين ففي زينب والعرش قال أنا أحد شخصيات فتحي غانم، هو الذي قال عن نفسه هذا الكلام، ولكن فتحي لم يكن يأخذ الشخصية بكاملها.