وثيقة عمرها 55 عامًا تكشف حقيقة إخوان الشيطان «5»
محمد الباز يكتب: «عملاء الخارج».. التاريخ العلنى لخيانة الإخوان لمصر
فى مقاله «بين الاستعمار والخونة» الذى كتبه إبراهيم حسن زعبل ضمن كتاب «رأى الدين فى إخوان الشيطان» يكشف كيف جعلت الجماعة الإرهابية نفسها أداة طيعة فى يد الاستعمار الذى هو قولًا وفعلًا وواقعًا عدو الإسلام الأول.
يقول: لا عجب أن يستغل الاستعمار عدو الإسلام الأول أولئك الذين ينتحلون اسم الدين ويتظاهرون بالدعوة إلى مبادئه، فمتى كان الاستعمار غيورًا على القرآن حتى يؤازر هذه الجماعة، وهل ديننا الإسلامى يعرف المصالحة بينه وبين قوى الشر والبغى والاستعباد حتى يمكن مهادنتها فضلًا عن الاستعانة بها.
ما فعله الإخوان يخالف صحيح الدين تمامًا، فالقرآن يقول: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة».
ويسأل حسن زعبل: لحساب من أهداف هذا التنظيم الإرهابى؟ وما ثمن تمويله؟ هذه التساؤلات لا تجد إلا جوابًا واحدًا هو أن الاستعمار يتخذ من خونة المسلمين ستارًا وأداة لطعن الإسلام فى الصميم، فقد استطاع أن يسيطر على ذوى النفوس المريضة ويدربهم بسلاحه ويمولهم بأمواله، ويصنع لهم الخطط لقلب نظام الحكم وإحداث الفتنة المروعة المهلكة.
ما تفعله الجماعة بمساعدة الاستعمار لا يقره الدين، وهنا يتحدث المنطق الذى نحتكم إليه جميعًا.
يقول حسن زعبل: هذا يأباه ديننا الإسلامى ويحاربه ويطالب بالقضاء عليه، فلا يصح أن تكون لهم صفة الإسلام، بل إن كل يد امتدت إلى الاستعمار خائنة آثمة خارجة على الجماعة منضمة إلى لواء الشرك ضد لواء الإسلام، فالإسلام يحرم التعاون على الإثم والعدوان فيما بين المسلمين، فكيف بهذا التعاون الآثم بين الكفار وبعض المسلمين؟
إن المبادئ الإسلامية لا تستطيع مسايرة العنف والإرهاب والمؤامرات لأنها مبادئ قائمة على الحق الواضح الذى تنشده العقول الرشيدة والنفوس الطيبة والفطرة السليمة، والدعوة الإسلامية لم تقم ولم تنتشر فى أول أمرها أو فى جميع مراحلها على العنف والإرهاب، بل ظل الرسول، صلى الله عليه وسلم، يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجادل الكفار بالتى هى أحسن، وهم يضطهدونه ويعتدون عليه حتى نزل قول الله تعالى «أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير»، ثم بعد ذلك أمر الرسول بقتال الكفار المعتدين الذين يقاتلونه دون اعتداء من المسلمين عليهم «وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين».
وفى إشارة واضحة إلى ضلال جماعة الإخوان وفراقها لهدى النبى، صلى الله عليه وسلم، يقول حسن زعبل: هذا هو موقف نبى الإسلام مع الكفار المعتدين، فكيف موقف المسلمين بعضهم من بعض فى مجتمعهم الإسلامى؟
وفى مقارنة بين عمل المصلحين وعمل المفسدين، كتب إبراهيم مصباح تحت عنوان «رسل الخيانة»: إن أعداء الإسلام حاولوا حرب الإسلام فاصطنعوا الأغرار من دهماء المسلمين، ونفخوا فى صغار الأحلام بغرور القول ومعسول الأمل، وألّفوا لهم مسرحيات يخرجها الكفر لتمثيل الإسلام، وأمدوهم بإمكانيات الفتك والتدمير، ولكن الله قد لطف بمصر وغار على الإسلام أن يرتكب الإجرام باسمه، فأمكن منهم، وهتك سترهم، وكشف سرهم، ليظل الإسلام أكرم من أن يتاجر فيه، وأشف من أن يستتر فيه، وأجمل من أن يشوه بخسة الغيلة ولؤم تبييت، ووحشية تربص، ودناءة ائتمار، وإن الله الذى يعلم ما تضطلع به مصر من مسئوليات وما يتحمله قادتها من تبعات قد شاء أن يدلها على أوكار الخيانة وكهوف الغدر ومنظمات الدمار حتى تواجه مرحلة انطلاقها بعروبة موحدة الهدف وإسلامية شريفة السلوك وإنسانية نبيلة المثل.
وإن النفس المؤمنة تعرف بنوازعها الخيرة، فهى تعمل فى النور من أجل البناء والتشييد، من أجل تعمير الحياة، ولها فى كل ما تعمله لصالح المجتمع صدقة، حتى إن دلت الغريب على طريق أو فرجت كربة مكروب أو طيبت خاطر مسكين أو سعت على صغار لتربيتهم وتنشئتهم على حب الخير والفضيلة، النفس المؤمنة تقول كلمة حق أو تعلم من علمها أو ترعى الجار أو تجد فى طريق المسلمين ما يؤذيهم فتميط الأذى، ولكن تلك النفوس الشريرة التى طالعتنا صورها فى الصحف لا تعرف أى صفة خيرة، ولا تحمل فى صدرها للناس إلا كل شر وبلاء.
يضع إبراهيم مصباح الإخوان أمام أنفسهم فيقول: لقد تحالفوا مع الشيطان وجنوده، وحينما خذلهم الله وكشف عورتهم وهتك أسرارهم لم يجدوا مفرًا من الاعتراف بكل شىء، لقد ثبت أنهم كانوا يتلقون أموالًا من الخارج وبكميات كبيرة للصرف منها على مؤامراتهم وعلى إعداد عدة الدمار، وثبت أيضًا أنهم كانوا يتلقون من الخارج بعض الأسلحة والمفرقعات ونيتهم القيام بسلسلة من أعمال الاغتيالات والنسف والتدمير ضد الأفراد والمنشآت والمؤسسات الصناعية، وإشاعة الذعر فى قلوب المواطنين الآمنين حتى يتم لهم، كما صور لهم ضلالهم، السيطرة على الأمور.
ويأتى إبراهيم مصباح إلى نقطة مهمة جدًا يختم بها مقاله، يقول عنها: بقيت نقطة مهمة، وهى أن فصل مؤامرة الإخوان أو الحديث عنها وحدها دون إحاطتها بالإطار الكامل لا يعطى كل تفاصيل القضية، إن الصورة كلها تتلخص فى الصراع الذى يدور الآن بين قوى الخير وقوى الشر، القوى التى تسعى إلى إعادة حق الإنسان فى الحياة الكريمة، وبين القوى الرجعية الاستعمارية الشريرة المتعاونة على الإثم والعدوان والبغى، والتى تهدف إلى عودة الإنسان مكبلًا بالحديد خادمًا للسادة فى قصورهم، يزرع ويحصد الريح ويقف الليل والنهار فى الحقل والمصنع، ثم لا يجد مقابل ذلك إلا الكفاف حتى لا يرفع صوته أو رأسه، ويظل خاضعًا لاستغلالهم واستعلائهم، والناس جميعًا سواسية كأسنان المشط، لكن منطق الحق هذا لا يعجب أهل الزيف والضلال الذين زاغت قلوبهم واشتروا الضلال بالهدى وباءوا بغضب من الله تعالى جزاءً وفاقًا على تجبرهم وكبريائهم.
وحتى لا يعتقد البعض أن جماعة الإخوان نبت شيطانى، بل هى امتداد لحركات إرهابية ومارقة سابقة، كتب الدكتور محمد صلاح الدين مجاور عن «الإسلام والتنظيمات السرية».
يقول مجاور: الواقع الذى لا سبيل إلى إنكاره أن التاريخ، إسلاميًا كان أو غير إسلامى، ملىء بتلك الانحرافات التى تصدر عن أقوام يريدون لأنفسهم سيطرة أو جاهًا أو إشباعًا لشهوة حاقدة، ونزعة إلى الشر جامحة، وهؤلاء الأقوام يدفعهم من غير شك تنظيم يستغل دعوة فكرية أو مبدأ سياسيًا أو عقيدة دينية، ويملأ بها عقولهم حتى يعميهم التعصب القاتل وتسيطر عليهم الرغبة فى الانتقام، وحتى يصبح الخلاص من الخصوم الهدف الأسمى الذى به تتحقق دعوتهم والكفاح الأكبر الذى عن طريقه يتحقق مبدؤهم، والقتل وسفك الدماء لهؤلاء الخصوم جهاد، والموت فى سبيل تحقيق الدعوة أو المبدأ استشهاد.
ولأنه لا بد من مثل واضح على ما ذهب إليه مجاور، نجده يقول: منذ ثلاثة عشر قرنًا استل أبو لؤلؤة المجوسى خنجره وطعن به عمر بن الخطاب انتقامًا لبنى جنسه ولم يكن فى عمله وشناعة جرمه قد اندفع تلقائيًا، وإنما كان من ورائه تنظيم أراد للإسلام انحسارًا واندثارًا، ولقوة الدين الجديد هزيمة وانكسارًا، فدفع بأبى لؤلؤة ليقتل خليفة من ألمع الخلفاء، وصحابيًا من أجل الصحابة عزمًا وتصميمًا ورأيًا وعدلًا وإيمانًا وثباتًا، ولولا رحمة من ربك ونصرته لدينه لانحسر نور الإسلام وهو فى شروقه ولخبا ضوؤه وهو فى إشراقه، فلم يكن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، حين أراد التنظيم المجوسى الخلاص منه فردًا، ولكنه كان أمة يملأ الدنيا عن الإسلام إعزازًا ويغزو بالمسلمين أقطارًا ويدك بالإسلام طغيانًا وينشر به عدلًا وأمانًا، فقتله وأد للإسلام قبل تكامل قوته وسلطانه، وكان قتله، يرحمه الله، فاتحة المصائب التى توالت على الإسلام فيما بعد فأوقفت زحفه وتقدمه بالسرعة التى كان بها فى أيامه.
يستعرض مجاور عددًا من التنظيمات السرية فى الإسلام، ثم يسأل: هل التنظيمات السرية حققت فعلًا نصرة الإسلام أم أنها أصابته بنكسات فى كثير من الأحايين؟ هل أقامت حكم الإسلام فعلًا ونشرت ألويته ورفعت رايته أم أنها كانت سببًا مباشرًا فى تطاحن المسلمين وسفك بعضهم دماء بعض؟
ويجيب: إنه من العجيب أن يتصور أقوام أصيبوا بالهوس أن تقوم حكومة الإسلام على أساس من مخالفة قوانين الإسلام، وأن ينفذ كتاب الله وهم يعمدون إلى مخالفته صراحة.
ويرصد مجاور مخالفات التنظيمات السرية، التى هى فى الوقت نفسه مخالفات ظاهرة أمامنا لجماعة الإخوان الإرهابية، يقول عن ذلك: أصحاب التنظيمات يرون أنهم وحدهم الذين يمثلون الإسلام، فهم ليسوا جماعة من المسلمين، ولكنهم وحدهم هم المسلمون، ومن ليس منهم فليس من المسلمين، ومن هنا يستحلون دم الكثيرين، فهل يتفق هذا مع صريح الآيات والأحاديث؟ وهل من الإسلام دين السماحة والإخاء أن يقتل المسلم أخاه المسلم لاختلاف فى الرأى أو الاتجاه، وهل يعتبر هذا الذى يدبر القتل لغيره نفسه مسلمًا؟ كيف يحكم على غيره بالكفر وهو مخالف لصريح الحديث فلم يسلم من يده المسلمون، أليس القتل لمن يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله قتلًا للنفس التى حرم الله إلا بالحق؟
ويسأل مجاور أعضاء الجماعة الإرهابية: كيف تريدون أن تقيموا حكم الإسلام وأنتم تخالفون تعاليمه؟ إن الإسلام يبغى لأهله العزة والقوة والمنعة، ولكنه لا يريد لهم الهوس والانحراف، وإحالة المجتمعات التى تؤمن بالله إلى جماعات متطاحنة يسيل بعضهم دماء بعض، ويعمل بعضهم على نشر الفوضى والاضطراب، إن خلق بلبلة نتيجة الدماء المراقة والمنشآت المنهارة إنما هو مساعدة مباشرة لأعداء الإسلام وللعدو المتربص ببلاده، فهل من الإسلام أن تبث الرعب بين المسلمين لتنشر الفرحة عند من يتربصون بنا الدوائر؟
وتشدد الأستاذة مفيدة عبدالرحمن على ضرورة مواجهة جماعة الإخوان الإرهابية وإعلان البراءة منهم، وتبنى موقفها فى مقالها «الإخوة الصادقة» على قولها: الإخوة التى أضفاها الله تعالى على المؤمنين وارتضاها للأصفياء من عباده، إذا ما انحرفت عن الجادة التى رسمها خالق العباد للعباد، وأصبح من ينتسب إلى الإسلام يسعى فى إهلاك المسلمين وذهاب مائهم وإزهاق أرواحهم وكسر شوكتهم، حُق لجميع المسلمين أن يعلنوا البراءة منهم وأن يضربوا على أيديهم، وحُق لهم أن يقولوا إنهم ليسوا إخوانًا، وليسوا من المسلمين.
يصف المقدم صلاح الدين عطية جماعة الإخوان الإرهابية بأنهم «الباغون المارقون المتجرون باسم الدين»، ويقول عنهم: جماعة الإخوان شريرة اتخذت من الدين هزوًا ولعبًا، وهذه الجماعة قلة من البلهاء الذين أعمتهم الدول الاستعمارية وغررت بهم وأمدتهم بالمال والسلاح، لا لشىء إلا ليخربوا ويقتلوا المؤمنين الأحرار ويمهدوا السبيل للدول الباغية فى إعادة السيطرة والتحكم فى هذا البلد، وإلا فما المأرب لهؤلاء مما يفعلون؟
ويجزم عطية بأن: الاستعمار غرر بأعضاء الجماعة الإرهابية وزيّن لهم أعمالهم، زيّن لهم القتل والنسف والتدمير، منحهم السلاح فغرروا ببعض الشباب بكلامهم المعسول ووعودهم البراقة فأوقعوهم فى حبائلهم، لقد حذرنا الله سبحانه وتعالى من هؤلاء الكافرين وطاعتهم «يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين، بل الله مولاكم وهو خير الناصرين، سنلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين».
ويسأل عطية: ألم يستمع المارقون وينصتوا لقوله تعالى «ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا»، هل كان هؤلاء المتجرون بالدين يفقهون معنى هذه الآية الكريمة وهم يعدون معدات الهلاك لنسف المنشآت والكبارى وقتل الأبرياء.
ويحذر عطية فى نهاية كلامه: فيا أيها المسلمون فى بقاع الأرض، احذروا المتجرين بالدين، الخارجين عليه، وابتعدوا عن الخونة المارقين ولا ترددوا شائعاتهم.
وفى مواجهة أكثر حدة، يضع عبدالمنعم الأدفوى الإخوان أمام أنفسهم، تحت عنوان «هذا هو الإسلام.. المسلم لا يتخذ أولياءه من دون المؤمنين».
يقول: كيف يكون مسلمًا من يستعين على هدم وطنه بالمشركين والكاذبين وأعداء الإسلام والمحتكرين والانتهازيين، وهو يرتع فى خير وطنه ويعب من ثمراته.
ويقول: كيف يكون مسلمًا من يلجأ إلى الإجرام فى الوصول إلى أغراضه ويبغى قتل المسلمين.
ويكشف الشيخ عبدالعزيز قنديل زيف أفكار الجماعة الإرهابية فى مقاله «المفسدون فى الأرض» يقول: ما هذا الهراء الذى طالعتنا به الجرائد نقلًا عن آراء قادة هذه الجماعة المسمومة التى يخدعون بها الأغرار والبسطاء فيقولون إن الحكم لله وليس لأى بشر أو جماعة من البشر، وإن أى حاكم إنسان إنما ينازع الله سلطته، بل إن الشعب نفسه لا يملك حكم نفسه، لأن الله هو الذى خلق الشعوب، وهو الذى يحكمه بنفسه، إذن فما معنى استخلاف الله الإنسان فى الأرض، ولماذا سخر الكون وأودع فيه من الطاقة العقلية والجسمية وما به يدبر شئون نفسه ومجتمعه الذى يعيش فيه.
وفى مواجهة متجددة يكتب محمود كمال «الشر بالشر والبادى أظلم».
ويكشف تحولات الجماعة الإرهابية، ويسجل: إنهم أخذوا يهيبون بالأمة أن تصحو من غفلتها، معتصمة بالدين، مستمسكة بعروته الوثقى، ومشوا فى الأرض داعين إليه، فى حماس، ساعدهم عليه علم غزير، ولسان فصيح ومقدرة على الخطابة أخاذة جذابة، حتى إذا ما أنسوا من أنفسهم قوة كونوا تلك الجماعة التى عرفت باسم «الإخوان المسلمين»، وكان من المنتظر أن تستغل هذه الجماعة هذه الخلايا التى أحكم تنظيمها فى نطاق الأغراض الدينية المحضة، التى أسست من أجل الدعوة إليها، وهى أغراض عاقلة فاضلة، ما أسرع ما أثمرت ثمارًا طيبة، فاهتدى كثيرون بهديها وعمرت قلوب كان قد أغواها الضلال.
ولكن.. سرعان ما أغوتهم الأطماع، وامتد بصرهم إلى ما هو أبعد من دعوتهم، فرنوا إلى الحكم والسلطة، والإنسان قد جُبل على السيطرة كلما اتسعت أمامه الآفاق وامتد به الأمل، ولماذا وهم لا يتربعون على دست الحكم، وينالون من السلطات حظًا واسعًا، وقدرًا رفيعًا، وهكذا أخذ ميزانهم يميل إلى ناحية أخرى، غير ناحية الدعوة إلى الدين، مدفوعين بعوامل دنيوية، سداها ولحمتها شهوة الحكم والاستئثار به.
كان من الطبيعى أن يحدث الصدام وتقع الجماعة فى شر أعمالها.
يقول كمال: لقد شغلت هذه الجماعة الأمة كلها عن أهدافها الدينية والوطنية بتلك الحرب التى اشتعلت نارها بين الطرفين، وعمت الفوضى، وساد التوتر، وبات الناس يتوقعون جديدًا كل يوم، وهم فى خشية من عواقب الأمور، والواقع أن الإخوان قد أساءوا بهذا المسلك إلى أنفسهم وإلى البلاد إساءة لا تغتفر، لأنهم مالوا بكلياتهم نحو الدنيا وانصرفوا عن الدعوة الدينية، التى هى أساس وجودهم وسر قوتهم الذاتية.
ويخلص محمود كمال إلى ما يمكننا التعامل معه على أنه حقيقة الإخوان.
يقول: وهم وإن كانوا قد أوتوا مقدرة من الناحية الدينية- أعتقد أن هذا الأمر يحتاج إلى مراجعة- غير أنهم فى الواقع لم يؤتوا كفاءة سياسية تؤهلهم إلى الحكم وإلى السلطة.
وهو ما دفعهم إلى أن يتمادوا فى نزعتهم الجديدة إلى أبعد مما يمكن تصوره، ولم يقفوا بآمالهم عند حد محدود، أو قدر مقدور، وإنما أخذوا يسعون إلى الدنيا، إلى الحكم، بكل وسيلة مشروعة وغير مشروعة، والغاية تبرر الوسيلة، ولما وجدوا قادة الثورة صلبًا عودهم، لا تلين قناتهم، عمدوا إلى الإجرام وبدأوا بمحاولة اغتيال الزعيم رأس الحركة وقائدها ليهدموا الثورة هدمًا، لا تقوم لها من بعده قائمة.
يرصد محمود كمال مخطط الإخوان من بدايته: يقول: ولكن كان الله لهم بالمرصاد، فطاش سهمهم وخاب فألهم، ثم كانت اعتقالات واستجوابات ومحاكمات اقتضتها ضرورة المحافظة على الأمن العام، وفر بعض رءوس الإخوان هاربين، وعفت الثورة عن كثير وهدأت العاصفة، ولكن مرة أخرى، لقد هدأت العاصفة إلى حين، إلى نحو ثلاث عشرة سنة، نسى الناس فيها الإخوان وما اقترفوه، وفجأة وعلى غير انتظار أعلن أن تشكيلات كثيرة منهم مدربة على السلاح والاغتيالات ومستعدة استعدادًا واسع النطاق، ولديها ذخيرة ومدافع وغيرها، من أدوات الحرب والتقتيل، وقد اكتشف أمرها وهوجمت أوكارها، واعتقل متزعموها وأفرادها أيضًا فى القاهرة وغيرها من المدن، وأن هذا السيل من الإمدادات العسكرية والمادية يأتيها من الخارج، من هؤلاء الذين هربوا خوفًا من الحساب ثم العقاب، ولم يكن غرض تلك التشكيلات سوى اغتيال الزعيم وإخوانه من رجال الثورة والجيش، وتخريب المنشآت وتحطيم معالم القاهرة لإحداث الشغب والفتنة وإذاعة الذعر والرهبة والفوضى، مما يسمح لهم بفرصة مواتية لارتكاب جرائمهم التى اعتزموها.
يواصل محمود كمال توثيقه المؤامرة يقول: وقد عرف أن الممول الظاهر لهذه الجماعة هو سعيد رمضان «صهر حسن البنا» أحد المصريين الهاربين خوفًا مما كان ينتظره من جزاء ومن عقاب، ومعه بعض زملائه الذين كان نصيبهم من الثورة مثل نصيبه، وهؤلاء بدورهم يتلقون التمويل فى إسراف من مصادر معينة ذات مصلحة أكيدة فى الاغتيالات والجرائم التى كان مزمعًا ارتكابها، وبعبارة أكثر صراحة فهم الاستعماريون الذين ينقمون على الجمهورية العربية ميولها السياسية التى تخالف ميولهم وتتعارض معها حفاظًا على الصالح العام والسلام العالمى، كما ينقمون عليها معاونتها اليمن وبعض البلاد العربية المستعمرة، وكذلك الرجعيون الذين يخشون تسرب مبادئ مصر الحرة إلى شعوبهم، فيصيبهم من ذلك شر كبير قد يودى بسلطانهم إلى الأبد.