رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عن ناصرية يوسف القعيد وقضايا «ألف ليلة».. صدور طبعة ثانية من «مرافعة البلبل في القفص»

ألف ليلة
ألف ليلة

عن دار "المسك" للنشر والتوزيع صدرت أمس الأول الطبعة الثانية من رواية "مرافعة البلبل في القفص" للكاتب الروائي يوسف القعيد والتي وحسب تقديم الناقد جابر عصفور لها، تصنف الرواية "نوفيلا" قصيرة، تقع في 181 صفحة، تضم عددا من القصص القصيرة الأخرى، منها "عن الذين ليسوا أبطالًا" وتضم (العودة إلى البيت، خيل الحكومة، عندما كان الرجل غائبًا، وترحال)، وثلاثية "من الدفاتر القديمة" وتضم (الحادث، التوبة، كائنات العالم الثالث).

عن "مرافعة البلبل في القفص"، قال جابر عصفور، في شبه دراسة افتتاحية لعمل "القعيد": "هذه الرواية القصيرة واحدة من أجمل روايات يوسف القعيد وأكثرها تأثيرًا فى نفسى، حين قرأتها، ولا أعرف هل يرجع ذلك إلى حبكتها البنائية المتعددة الأصوات ظاهريًا على الأقل، أم لأننى أعرف الدافع إلى كتابتها. لكن المؤكد، عندى على الأقل، أنها واحدة من الأعمال القليلة التى هزتنى بين الأعمال الكثيرة التي كتبها يوسف القعيد. والطريف أن البطلة التى تشبه البلبل لا تترافع فى قفص الاتهام الذي وضعتها فيه قوى الإظلام وممثلي الفساد فى المجتمع المصرى، سواء فى سنة كتابة الرواية، 1989، أو الآن".

ويتابع: "البلبل.. هو الاسم الذي أطلقه قاض عادل على امرأة جميلة غامضة، لا تفارق البراءة ملامحها، ولا البكارة صفاء عينيها، وليس عندها من إجابة عن أى سؤال أو اتهام سوى ترديد اسمها "غزلان"، وهو اسم له دلالته التى لا تفارق دوال الرشاقة والجمال والانطلاقة والبكارة العفوية لهذا الحيوان الرشيق الذى تعوَّد الحياة الآمنة داخل البرية التى لا تعرف فساد المدينة".

أما المؤلف الكاتب يوسف القعيد - والكلام مازال للدكتور جابر عصفور - فقد قضى السنوات الأربعين الأولى من عمره فى انتظار الإنصاف المستحيل، فإنه أدرك أنه لا يزال ناصريًا فى زمن هجر فيه الجميع الناصرية، وأنه لم يفارق – كالقاضى – المساكن الشعبية التي بناها عبد الناصر، وأنه سيظل يبحث عن غزلان التى رأى فيها الحقيقة الضائعة والسراب التائه فى عالم قاس ضنين، عالم لن يطهره إلا طوفان يغلسه تمامًا من كل أدرانه، فيعود إلى ما يحقق الحلم القديم والمستحيل فى آن، فهل يحدث ذلك ونرى عالمنا منبثقًا من الجدب إلى الخصب، كأنه غزلان التى تظل حلمًا تنطوى عليه نفس لا تكف عن مقاومة عجزها؟!.. ولعلها تنتصر فى معركتها؟!

ويضيف عصفور في فصل خاص عن الرواية ضمن كتابه "دفاعًا عن التراث": الطريف أن الرواية لا تمضى حسب عنوانها الموحى، صحيح أن ما يجمع بين غزلان وشهر زاد هو تشبيه الكروان، ذلك الطائر المغرد الذى يختص به ريف مصر، واكتشف العقاد خصوصيته المصرية فى الثلاثينيات، فجعله عنوان ديوان كامل: "هدية الكروان"، ذلك الذى نسمعه دائمًا فى الهزيع الأخير من الليل، أو فى هدأته، حيث يترجع صوته بما توهمه الوجدان الشعبى نوعًا من تكرار "الحمد". ومضى في إثره طه حسين في روايته "دعاء الكروان" الذى كان أنيس "هنادى" بطلة الرواية فى لحظات توحده، بما جعله علامة على حضورها، تمامًا كما جعل يوسف القعيد من الكروان قرين غزلان وشهر زاد اللذين هما اثنان على مستوى التخييل، واحد على مستوى التحقيق.

أقول: رغم أن العنوان يشير إلى دفاع الكروان، فنحن لا نسمع إلى الكروان المشبه به، ولا حتى إلى المشبَه، فالمؤلف الذى يستبطن الأحداث والشخصيات ليس مؤلفًا مضمرًا كالعادة، وإنما هو مؤلف معلن، والقاضى الذي يستبطن المؤلف أعماقه، متخيلًا إياها فى المدى الذى يبيحه الخيال، نعرف ملامح حقيقية له فى القص، فهو رجل بسيط لا يقدر على إيجاد سكن فى القاهرة، ولا يحتمل المبالغ الطائلة لما أطلق عليه "خلو الرجل" أو التمليك، فقنع بالسكنى فى بندر بنها، الذى يسكن حي المساكن الشعبية فيه، شاغلًا شقة صغيرة مكونة من حجرتين وصالة، ولا يملك سيارة.

وتجلت نزاهته واستنارته فى الحكم الذى أصدره على "ألف ليلة وليلة" التى كانت قد تمت مصادرتها فعلًا، وحكم عليها بالمصادرة وتغريم موزعيها وطابعيها على امتداد أربع قضايا، شغلت الرأى العام سنة 1985، وأهاجت غضب المثقفين الذين هبوا للدفاع عنها. وقد شغلت القضايا يوسف القعيد بوصفه عاشقًا قديمًا لألف ليلة وليلة التى عرفها صغيرًا فى قريته "الضهرية". ولم تنقطع صلته بها، فظلت كنزه الروائى الحريص على جمع كل طبعاته، وقراءتها، والبحث فيها عن ما يظل في حاجة إلى الكشف من عالمها اللا محدود الذى فتن الغرب والشرق. ولذلك ظل متابعًا المحاكمة الأخيرة التى كانت بمثابة الذروة التى أوصلته إلى قمة الفرحة بنجاة كتابه الأثير، ولم يتردد فى إظهار حماسته البالغة للقاضى الذى حكم، والذى لم يتركه إلا بعد أن أجرى معه حوارًا، نشره فى مجلة "المصور"، كاشفًا للقراء عن نموذج نادر لقاض مصرى نزيه، قدم لنا حياته وكفاحه، حريصًا على أن يشركنا معه في الاحتفاء بقيمة هذا القاضي الجليل الذى يستحق التقدير.

وأضاف الناقد الكبير الدكتور جابر عصفور: من المؤكد أن الحكم الذى أصدره هذا القاضى فى شهر يناير سنة 1986، وملابسات المتابعة القلقة على مصير "ألف ليلة" التى ارتبطت بمصير الوطن، بعد أن أخذت خفافيش الظلام فى السيطرة عليه، هى التى دفعت يوسف إلى كتابة حواره الصحفي مع القاضى بعد إعلان الحكم مباشرة، وإلى تنمية الرغبة فى الدفاع عن ألف ليلة وليلة التى دخلت قفص الاتهام، فى نوع من القص الذي يمزج بين الواقع والخيال، ويكشف عن العام من خلال الخاص، لكن مع كشف المستور. وهكذا تنامى دافع قص الرواية التى اكتملت كتابتها في نوفمبر 1989. وقد كان يوسف كريمًا معى، بعد أن علم رغبتى فى معاودة الكتابة عن قضايا ألف ليلة. فأعطانى ما يملك من مادة إخبارية عنها، ونسخة خطية من حواره مع القاضى. وهو الحوار والمادة التي استقى هو منهما ما قام بتوظيفه في القصة.

وينتظر أن تتوفر رواية "مرافعة البلبل في القفص" قريبا في المكتبات ومنافذ التوزيع بالقاهرة والمحافظات، كما تتواجد الرواية في جناح دار المسك للنشر بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته المقبلة في شهر يونيو القادم.يذكر أن الطبعة الأولى من رواية "مرافعة البلبل في القفص" قد صدرت في بداية عقد التسعينيات عن دار "الهلال".