رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التاريخ السري| كان رمزًا للبغاء.. خرافات حول تمثال أبو الهول

تمثال أبو الهول
تمثال أبو الهول

هو أشهر تمثال خلفته يد البشرية على الأرض، ورمزٌ من أهم رموز الحضارة المصرية القديمة، حيث يحرس أبو الهول هضبة الجيزة منذ آلاف السنوات وأصبح أيقونة دارت على ألسنة وأقلام الرحالة والمغامرين عبر العصور مما يجعل الناظر إليه يشعر بالرهبة أمامه والإعجاب بمن صنعوه وأخرجوه بهذه الروعة، يجلس في صمت وتأمل ليراقب حركة التاريخ على مدار أربعين قرنًا بين قوى متصارعة تصعد وتخفت، منحوت بانسيابية في صخر الهضبة على الجانب الشرقي من الهرم الثاني ينظر نحو أفق شروق الشمس، ويطل علينا بجسد أسد رابض ورأس ملك جمعهما الفنان في انسجام غريب لا يكاد الرائي يشعر معه أنه أمام كائن مفتعل غريب كما وصفه الدكتور عبد العزيز صالح.

وليس في أعمال الطبيعة ما يحاكيه مثلما قال عنه المؤرخ عبد اللطيف البغدادي، وأضحى مصدر إلهام للعديد من الشعراء مثلما تغنى به الشاعر المصري ظافر بن القاسم السكندري الحداد إبَّان العصر الفاطمي فقال عن وصفه:

تأمل هيئة الهرمين واعجب...وبينهما أبو الهول العجيب
كعمـار يبتن على رحيـل...بمحـبوبين بينهما رقيـب

بينما غرد في وصفه أمير الشعراء أحمد بك شوقي وكتب عنه قصيدة خالدة مطلعها:
أبا الهول طال عليك الدهر... ومكثت في الأرض أقصى العمر
فيا خالدة الدهر لا الدهر شب... ولا أنت جاوزت حد الصغر

على مدار آلاف السنين نظر الرحالة والمؤرخون لأبو الهول بقدر من الدهشة لا تخلو من معلومات مغلوطة مثل التي طالت الأهرام، فلم يكن لدى بلليني الأكبر معلومات كافية عن أبي الهول فقال أنه كان ربا محليا لسكان المنطقة، بينما سمع من البعض بأنه قبر للملك "أمايس" وذكر الناس أنه نحت في مكان آخر ثم نقل وصبغ باللون الأحمر ليتفق مع العبادة، في حين لم يذكر هيرودوت عنه أية معلومات مما يدل على أنه كان مغطى بالرمال تمامًا حين زار مصر.

أما الرحالة العرب، فقد جاءوا بوصف خيالي غير دقيق للتمثال، حيث يذكر القضاعي أنه صنم الهرمين لا يظهر منه سوى رأسه ويعرف باسم بلهوبة أو بلهيب ويقال أنه طلسم للملك. ووصفه المسعودي بأنه صنم بقرب الهرم الكبير في وهدة (منخفض) تحفظه وعنقه أشبه برأس راهب حبشي وعلى وجهه صباغ أحمر لم يحل على طول الزمان، مما يدل على أن ألوان أبي الهول لا تزال باقية خلال العصور الوسطى.

على أن عبد اللطيف البغدادي حاول وصفه بشكل أقرب إلى الحقيقة حيث قال "يزعم الناس بأن جثته مدفونة تحت، وفي وجهه حمرة ودهان أحمر يلمع عليه رونق الطراوة وهو حسن الصورة مقبولها، وعليه جمال وكأنه يضحك تبسمًا، وسئل بعض الفضلاء عن عجيب ما رأى فقال تناسب وجه أبى الهول فإن أعضاء وجهه - كالأنف والعينين والأذن - متناسبة كما تصنع الطبيعة الصور متناسبة، والعجب من مصوره كيف قدر أن يحفظ التناسب للأعضاء مع عظمها" وهذا الوصف يقودنا إلى أن أنف أبي الهول في عهد البغدادي خلال القرن العاشر والحادي عشر الميلادي كانت سليمة.

وما ذكره المقريزى عن أبي الهول يتضح أنه كان يُنظر إليه على أنه تمثال مسحور جُعل لكى يسيطر على مياه النيل ويحمى الوادى من الفيضانات العاتية، كما ردد أيضًا ما ذكره بعض المؤرخين كالسيوطي من أن أبأ الهول كان حاميًا لقرى الجيزة وطلسمًا يمنع الرمال عن المزارع.

ولم يختلف الأمر كثيرًا عند الرحالة الأوروبيين، فأغلبهم جاء إلى مصر خلال الحملات الصليبية ورحلات الحج المقدس، وجاء اختراع الطباعة ليشكل ثورة في نقل هذا الخيال إلى الغرب، حيث قام بعض الرحالة بعمل رسومات تخيلية لشكل أبي الهول، وجاءت الطباعة لتنقلها بسرعة رهيبة بين يدي الخاصة. ومنذ القرن السادس عشر حتى القرن التاسع عشر، ساد الاعتقاد الشائع في كتب هؤلاء الرحالة بأن تمثال أبي الهول هو كائن أنثوي له وجه وعنق وثدي لامرأة. فبعد 7 سنوات من زيارة الجيزة، وصف الكاهن والرحالة الفرنسي اندري ثيفيت عام 1556م تمثال أبي الهول بأنه "رأس تمثال ضخم قامت بنحته "إيزيس ابنة أنخوس محبوبة جوبيتر"، وصورها على أنها وحش ذو شعر مجعد مع طوق كلب يغطي رقبتها.

أما الكاهن الألماني أثناسيوس كيرشر والذي لم يزر مصر أبدًا، قام خلال القرن السابع عشر برسم تمثال أبي الهول باعتباره تمثالًا رومانيًا، في حين صوّر الرحالة الألماني يوهانس هيلفيريش في عام 1579م أبا الهول على شكل امرأة ذات وجه نحيل وصدر مستدير وباروكة شعر مستقيمة وأنه صورة مجسدة للربة إيزيس، وادعى وجود ممر سري بداخله كان يستخدمه الكهنة المصريون القدماء ليتحدثوا من خلاله للعامة بصوت أبي الهول، أما الرحالة والدبلوماسي الفرنسي "بالسار دي مونكوني" فقد قام في 1665م بتفسير غطاء الرأس على أنه نوع من الشعر المستعار، في حين كان أبو الهول في تخيل الرحالة الفرنسي "فرانسوا دي لا بولاي لو جوز" 1653م ذا تسريحة مستديرة مع طوق ضخم، وكان تخُيل ثيفيت هو الوحيد الذي دلّ على وجود غطاء رأس لأبي الهول وليس باروكة شعر.

ومن الخرافات التي نقلها رحالة العصور الوسطى الأوربيون ما ذكره الرحالة والشاعر الإنجليزي جورج سانديز 1610م أن أبا الهول كان رمزًا للبغاء، ورأى أنه رأس امرأة أثيوبية تعاني من تآكل في العنق وتلفيات أصابت رأسها فأحدث شقوق وتصدعات. بينما جاء وصف الكاهن الإنجليزي ريتشارد بوكوك 1743م أبا الهول معتمدًا على رسم الرسام الهولندي كورنيليس دي بروين لعام 1698م حيث كان الأقرب إلى المظهر الفعلي لأبي الهول أكثر من أي تخيل سابق مع وجود اختلافات بسيطة.

ويلاحظ في جميع من سبق من تصاوير هو وجود أنف أبو الهول في مكانها، بالإضافة إلى وجود رسومات لبعض الزوار حول عنق ورأس أبي الهول مما دل على أن جسده كان مطمورًا كاملًا في الرمال حتى عنقه.

أما أحدث النظريات الخرافية المتعلقة بالتمثال هو ما أثاره عالم الآثار والفلك الأمريكي روبرت ك. تيمبل خلال القرن العشرين، حيث يرى أن تمثال أبي الهول كان في الأصل تمثالًا للرب أنوبيس على شكل ابن آوى رب الجبانة، وتم إعادة نحت وجهه بالشكل الحالي في عصر الملك أمنمحات الثاني من الدولة الوسطى، وذلك جسبما ذكر الدكتور شريف شعبان في كتابه" أشهر خرافات الفراعنة" والذي صدر عن دار "ن" للنشر والتوزيع.