رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في يومها العالمي.. كواليس مصادرة كتاب «مقدمة في فقه اللغة العربية»

جريدة الدستور

أصاب المنع كتاب «مقدمة في فقه اللغة العربية» للمفكر والناقد لويس عوض، الصادر عن دار سينا للنشر 1980 والذي صودر سنة 1981، وانتفض الفقهاء وثار الأزهر لأن الكتاب تناول اللغة العربية كأي لغة أخرى كظاهرة اجتماعية تتطور بتطور المجتمعات وتضمحل وتتجدد وتتلاقح٬ وكان على المسيحي لويس عوض أن يناله من المصادرة جانب».

ويذهب الكاتب «نسيم مجلي» في كتابه «لويس عوض ومعاركه الأدبية»، إلى أن كتاب مقدمة في فقه اللغة: «موسوعة فكرية ولغوية ضخمة٬ واختراق قوي لعوامل العزلة والجمود التي تفصل بيننا وبين عهود ازدهار الفكر والحضارة العربية، ولا يملك أي دارس لحياة لويس عوض وإنتاجه الفكري والأدبي إلا أن يطيل الوقوف والتأمل أمام هذا الجهد الهائل محاولا التعرف على مضمونه ومرماه وفهم ما ثار حوله من مطاعن واتهامات وصلت به إلى هذه النهاية المأساوية المتمثلة في مصادرة الكتاب وعدم تداوله في مصر٬ ولا يزال الكتاب ممنوعًا في مصر من عام 1981 حتى الآن».

من جانبه، كشف الكاتب الصحفي «حازم هاشم»، دور «السادات ورشاد رشدي» في مصادرة كتاب فقه اللغة العربية٬ في مقاله بمجلة «القاهرة» ديسمبر 1992 تحت عنوان «أسرار جديدة حول كتاب مقدمة في فقه اللغة العربية»٬ قال فيه إنه كتب مقالا صغيرا بجريدة الشعب٬ يدعو فيه إلى مناقشة آراء الدكتور لويس عوض الخاصة باللغة العربية والدين الإسلامي.

وأضاف: «كانت مهمة رشاد رشدي هي كتابة التقارير ضد الكتاب وصاحبه الدكتور لويس عوض٬ ثم في الطعن في الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور الذي كان يتولى رئاسة هيئة الكتاب في ذلك الحين، بالإضافة إلى ذلك فقد عمل رشاد رشدي، على تجنيد الكتاب لمهاجمة لويس عوض».

وفي عددها الخاص الصادر في يناير 1992 قال لويس عوض في حواره مع نبيل فرج: هناك في الكتاب منهج وهناك قضايا٬ زما المنهج فهو باختصار شديد ضرورة امتحان اللغة العربية بتطبيق كافة قوانين علم الصوتيات٬ وعلم الصرف أو علم صور الكلمات٬ وقوانين الاشتقاق وقد فرغ العلماء في أوروبا من كل هذه العلوم في القرن التاسع عشر والثلث الأول من القرن العشرين٬ من إرساء قواعدها بحيث أن أي دارس للفيلولوجيا أي فقه اللغة٬ يجب أن يكون مسلحا منذ البداية بهذه القوانين والقواعد.

وأنا لا أطالب إلا بتطبيق هذه القوانين على اللغة العربية بعقل مفتوح حتى نستطيع أن نهتدي إلى ما بين لهجاتها من صلات٬ وما بين مفرداتها ومفردات اللغات الأخرى من علاقة٬ وإلى الوشائج التي تربط النحو العربي بالنحو في مجموعات اللغات الأخرى.

أما عن جملة قضايا الكتاب يوضح لويس: هناك جملة قضايا أهمها واحدة تقول إن اللغة العربية كغيرها من كافة لغات العالم مكونة من طبقات شبيهة بالطبقات الجيولوجية٬ التي اندمجت وتكاملت مع نفسها٬ وانصهرت في هذه البوتقة وخرجت منها هذه اللغة التي نسميها اللغة العربية. والعرب أنفسهم كان لديهم إحساس غامض بما سلفهم من أجيال٬ كانوا يسمونها الجاهلية الأولى وينسبونها إلى "آل جرهم".

وفي مقدمته للكتاب ــ مقدمة في فقه اللغة العربية ــ يقول لويس: إذن الكتاب يمهد الطريق لوضع أسس وقواعد لدراسة فقه اللغة العربية٬ بما يتمشي مع المناهج العلمية الحديثة التي تربط بين هذه المناهج والأنثروبولوجيا الاجتماعية٬ وكما يقول لويس عوض: كذلك فإن الاعتماد على الفليولوجيا والأنثروبولوجيا الطبيعية والفونوطيقا وحدها٬ غير كاف لوضع أسس علم تاريخ اللغات وتحديد علاقته بتاريخ الأجناس٬ إذ ينبغي أيضا الاستهداء بالأثنولوجيا أو ما يفضل علماء اليوم أن يسموه بالأنثروبولوجيا الاجتماعية التي تمتد فتشمل الأديان المقارنة والأساطير والفلكلور المقارن والنظم والعادات والتقاليد المقارنة.

لأن الاستعانة بدراسة الأثنولوجيا والأنثروبولوجيا الطبيعية يمكن أن تساعدنا علي تحديد الحالات التي يتطابق فيها توزيع الجنس مع توزيع اللغات. وكل مسح أثنولوجي لمصر والمصريين والناطقين بالعربية يوضح أنهم ينتمون أساسا إلي مجموعات أثنولوجية مختلفة عن المجموعة العربية بالإضافة إلى اختلافهم السلالي عن العرب.

ويقول في الفصل الأول من الكتاب المعنون بـ"العرب ولغتهم": فالعرب إذن أمة حديثة نسبيا إذا قيست بما جاورها من الأمم٬ ونحن نؤرخ للحضارات عادة ببداية عصر التدوين واستعمال الأبجدية٬ وبهذا المقياس يجب أن نبدأ حضارة العربية الشمالية والحضارة العربية في وسط شبه الجزيرة بما فيها الحجاز ببداية القرن الثاني قبل الميلاد٬ أي بنحو 800 سنة قبل ظهور الإسلام٬ أما تاريخ الحضارة العربية الجنوبية أي سبأ ومعين وقتبان فيبدأ نحو 800 قبل الميلاد.

وبعد أن يستعرض النقوش السابقة للإسلام في شبه الجزيرة العربية٬ والتي تثبت شيوع الخط الآرامي ينتهي إلى النتيجة التالية: "كانت الأبجدية الآرامية قبل الميلاد بقرون وبعد الميلاد بقرون هي أبجدية التدوين في الهلال الخصيب سواء بين من يتكلمون الآرامية أو من يتكلمون العربية.

وأقدم نص عربي معروف ينتمي إلى عام 328 وهو شاهد قبر "إمرؤ القيس بن عمرو" المتوفي في ذلك العام٬ وهو يسمى صاحبه "ملك العرب كلهم" ويسجل أن "أمرؤ القيس" هذا كان نائب قيصر الروم أو بيزنطة في بلاد العرب٬ وأنه حارب أهل نجران وأخضعهم٬ أما قريش فهي من عرب الشمال.

ويدعم لويس عوض رأيه هنا بحقيقتين هما: إنه وحسب المسح الإثنولوجي لمصر والمصريين الناطقين بالعربية يثبت أنهم ينتمون إلي مجموعات إثنولوجية مختلفة عن المجموعة العربية بالإضافة إلي اختلافهم السلالي عن العرب.

وإن النقوش السابقة للإسلام في شبه الجزيرة مكتوبة بالخط الآرامي وأن أحدث نص عربي ينتمي إلى عام 328 ميلادية وهو شاهد قبر "أمرؤ القيس".