رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مسودة الدستور.. خطوة فى الاتجاه الصحيح


أن هناك من يسعى إلى الوقيعة بين الشعب وجيشه، وستظل الحاجة إلى التعاون بين الشعب والحكومة ضرورة حياة، خاصة فى مواجهة من يسعون إلى زعزعة الاستقرار بمنطق التعبير الدارج الذى يقول: «فيها لاخفيها»


من أهم ما حدث فى الأسبوع الأول من ديسمبر 2014 أن ما عرف بلجنة الخمسين قد أنهت وضعها لمسودة ما يمكن أن يسمى بدستور2013 وتسليمها لرئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلى منصور، وهى دليل على أن الدولة المصرية تسير فى طريقها لتنفيذ ما سمى بـ «خريطة المستقبل» والتى أعلنت يوم 3 يوليو 2013 بحضور ممثلين عن القوى الوطنية لم يغب عنها إلا الإخوان المسلمين، وكانوا قد دعوا إليها، ولم يستجيبوا. وتتميز مسودة الدستور بأنها قد حظت بتأييد كبير داخل اللجنة يقترب من الإجماع، وهنا نتذكر أن ما سمى بدستور 2012 كان قد ووفق عليه فى غياب المعارضة التى انسحبت من اللجنة التأسيسية قبل التصويت وتمت الموافقة عليه فى جلسة ماراثونية استمرت دون توقف حتى تنهى الموافقة عليه وتضع الجميع أمام أمر واقع. وإلى جانب هذه النسبة العالية من التأييد هناك أمر له دلالته، فربما كانت هذه هى المرة الأولى التى تتعرض فيها إجراءات ما بعد الثلاثين من يونيو للتصويت، وهنا نتذكر ما يقولونه عن شرعية الصندوق، فالواقع أن التصويت فى لجنة الخمسين هو صندوق وإن كان صغيرا، ولكنه خطوة مهمة نحو صندوق الاستفتاء الذى سيعكس مدى الاستجابة والتأييد الشعبى لمسودة الدستور التى تم إقرارها. وبالتالى فإن التصويت على الدستور سيكون إقرارا بشرعية صندوقية لما حدث فى الثالث من يوليو وما بعده حتى الآن.

لا شك أن نسبة التصويت على الدستور ستكون ذات معنى وربما دلالة على الفرز داخل الشعب المصرى، فمهما كانت الاختلافات على بعض مواد الدستور فإنها لا تصل إلى رفض ما حدث فى 30 يونيو، فالامتناع عن التصويت علامة على السلبية يوحى بقبول عودة حكم التنظيم الدولى للإخوان، وكأن ما حدث فى 30 يونيو لم يحدث، أو أنه كان خطأ، والتصويت بـ «لا» يعنى الدعوة إلى عودتهم مرة أخرى. ولا شك أن الغالبية العظمى ترفض هذه العودة مهما كانت أسبابها ومهما كانت الخلافات سواء مع المسودة التى تم إقرارها، أو مع ما جرى بعد 30 يونيو، فالدستور فى النهاية مؤقت، وتشير الإحصاءات إلى أن متوسط عمر الدساتير فى العالم سبعة عشر عاما، وهذا لا ينفى أن دساتير عاشت أطول ومنها دستور سنة 1971 الذى ظل حتى عام 2011 أى ما يقرب من أربعين عاما، وطبعا أدخل عليه فى هذه الفترة بعض التعديلات، وهناك دول تعيش دون دساتير، وهناك دساتير عاشت فترات أقصر فدستور 16 يناير المؤقت انتهى عام 1958، أى بعد ما يقرب من سنتين، ولكن نتيجة لقيام الوحدة بين مصر وسوريا، ودستور 1964 المؤقت عاش حتى عام 1971.

لكن المهم هو أولا أن نقر الدستور حتى نقضى على آخر حلم للتنظيم الدولى فى العودة إلى حكم مصر، وثانيا أن نسعى إلى تحقيق احترام الدستور فربما لم يكن العيب فى دستور عام 1971، ولكن كان العيب فى تطبيقه، فالدستور لا يحكم بنفسه، وإنما من خلال أفراد ينفذون نصوصه فى مجتمع وما لم يحترم المنفذون الدستور ويحترموه فإن الدستور يظل مجرد حبر على الورق يستصرخ كاتبيه ومن أيدوه عند الاستفتاء عليه ولكن أحدا لا يجيبه. ولا شك أن الموقف الذى أعلنه حزب النور عن موافقته على المسودة والدعوة إلى التصويت بـ «نعم» يعتبر موقفا مسئولا ومقدرا للمسئولية الوطنية والقومية، وهو دعوة إلى باقى الجماعات لكى تحذو حذوه وتضع اختلافاتها مع المسودة ومع الحكومة جانبا وتصوت بالموافقة، فمن المهم أن يحظى الدستور بنسبة موافقة أعلى من النسبة التى حصل عليها دستور الليل المعروف بدستور 2012 ، حتى نهزم ما يسمونه بشرعية الصندوق. وتظل الخلافات قابلة للمناقشة والتصحيح بعد الإقرار.

لكن إقرار الدستور كما قلنا ليس نهاية المطاف، فهو خطوة على الطريق تسير نحو انتخابات تشريعية ورئاسية ولن تمضى الأمور بسهولة، طالما أن هناك من يتربص بها، وهناك من يرى أنه قد سحبت منه الجائزة لمخالفته قواعد اللعبة، كما أنه ينتظر أن تطفو جماعات جديدة لها آراء مختلفة قد تكون طيبة وقد تكون سيئة، وعلينا أن نكون حراسا على الدستور من جهة، وحراسا على مصر أيضا، وربما دعوت إلى المحافظة على علاقات جيدة بين الشعب وقواته المسلحة، فقد شعرت منذ الأشهر الأولى عام 2011 أن هناك من يسعى إلى الوقيعة بين الشعب وجيشه، وستظل الحاجة إلى التعاون بين الشعب والحكومة ضرورة حياة، خاصة فى مواجهة من يسعون إلى زعزعة الاستقرار بمنطق التعبير الدارج الذى يقول: «فيها لاخفيها».

■ خبير سياسى وعسكرى