رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ديباجة عم أيوب


إن كنت حضرتك من مشاهدى التليفزيون أو جماهير المسرح فلابد أنك شاهدت مسرحية «الجوكر» للأخ محمد صبحى وآخرين، ولابد أنك لم تزل تتذكر مشهد عم أيوب فى المسرحية المذكورة وهو يمارس أقصى حد ممكن من اللكاعة والغتاتة مما أدى لانفجار زميله محمود القلعاوى غيظا وقرفا!

نفس هذه اللكاعة والغتاتة يمارسها الآن إخواننا النخبويون ضد ديباجة الدستور، بعضهم يقول إن الديباجة تم تزويرها وأن عمرو موسى لم يدر بهذا التزوير إلا عند قراءتها بعد الصياغة الأخيرة.

وبعضهم يقول إن مدنية الدولة تختلف عن مدنية الحكومة وأن الديباجة المزورة لم تنص على مدنية الدولة، وبعضهم يقول إن الديباجة انحازت لحزب «النور» وأدت إلى التضحية بمدنية الدولة لصالح جماعات الظلام، ثم هناك أيضا من يعترض على الديباجة لأنها لم تتحدث بالتفصيل عن شهداء الثورة ومعاقيها ومصابيها وعن عائلات الشهداء وعن أحداث ماسبيرو وعن موقعة الجمل وعن شهداء الاتحادية وعن بطولات 6 أبريل وكفاية والبلاك بلوك وغيرها.

الكلام عن ديباجة الدستور والمطالبة بتعديلها والزعم بتزويرها يمثل درجة عالية من الجهل والغباء والحماقة، فهذه الديباجة ليست سوى نوع من الكلام المرسل الذى لا يترتب عليه أى أوضاع حقيقية على الأرض، والمعنى الرئيسى والحقيقى والجوهرى لكل ما ورد فى هذه الديباجة هو أن مصر دولة فرعونية تعشق «الكلام الكبير» عديم المعنى وعديم الجدوى والذى - لا مؤاخذة - لا يودى ولا يجيب!

ما شأن الدستور بعظمة مصر وجمال مصر وحلاوة مصر وانتصارات مصر وفتوحات مصر وثورات مصر وبطولات مصر؟ هذا كلام فاضى لا يقوله إلا شخص «بيدلع نفسه» مثلما كان يفعل ملوك مصر القديمة ومثلما فعل معظم حكامها فى العصور التالية، الدول ذات الأمجاد الحقيقية تنصرف عن ذكر هذه الأمجاد وعن الفخر بها إلى تحقيق المزيد منها، الناس لا تكتب الدساتير للتغنى بالبطولات والذكريات، ولكنها تكتبها لتنظيم العلاقة بين سائر القوى السياسية والشعبية بأقصى قدر ممكن من العدل والمساواة والتوازن بين الحقوق والواجبات.

لا أعرف العبقرى الذى اخترع ديباجة الدستور ولا العبقرى الذى نقل هذا الاختراع إلى الدستور المصرى، ولكننى أعرف أن خير الكلام ما قل ودل، وأن الشيطان يكمن فى التفاصيل، وأن الواقع والعرف أهم مليون مرة من أحلى كلام فى أحلى دستور، وأن أى شخص على شيء من العقل والشرف والوطنية يجب أن يوافق على الدستور الجديد دون قراءة أو فحص أو لكاعة، فأى شىء مستقر فى الوقت الراهن أفضل بكثير من الفوضى والخراب والقرف العمومى الذى نعيشه هذه الأيام.

كاتب