رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يسري عبيد يكتب: اغتيال زادة.. بين نار الذل.. وخطورة الانتقام

يسري عبيد
يسري عبيد

اغتيال العالم النووى الإيرانى محسن فخرى زادة، الأب الروحى للبرنامج النووى العسكرى الإيرانى جاء فى توقيت بالغ الصعوبة بالنسبة لإيران.. إسرائيل تعلم تماما أن إيران ستفكر ألف مرة قبل الرد على هذا الاغتيال نظرا لحساسية التوقيت بعد انتخاب الديمقراطى جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، الذى ربما تتحسن علاقات الإدارة الأمريكية الجديدة بطهران فى ظل رئاسته، لأنه كان نائبا للرئيس السابق أوباما، عندما تم توقيع الاتفاق النووى مع إيران فى 2015، وبالتالى أى رد إيرانى قوى سيعقد الأمور مع الإدارة الجديدة وسيعطى ذريعة للإدارة الحالية برئاسة ترامب لشن عدوان عسكرى على بعض المنشآت الإيرانية.
إيران بين نارين، نار الهزيمة والعار بعد توالى الضربات الإسرائيلية ضدها فى سوريا وضدها مفاعل نطنز قرب طهران واغتيال الرجل الثانى فى النظام الإيرانى قاسم سليمانى، وأخيرا اغتيال فخرى زادة، ونار الرد المناسب وبالتالى توفير الحجة للولايات والمتحدة وإسرائيل للهجوم على إيران.
فخرى زاده قاد برنامج يدعى «آماد» أو الأمل بالعربية، والذى تقول إسرائيل ودول غربية أنه عبارة عن مشروع يرمى إلى وصول إيران لسلاح نووى.
وتقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن برنامج «آميد» قد انتهى فى بدايات الألفية الثانية، فى وقت لا يزال مفتشو الوكالة يراقبون مواقع إيران النووية، إلا أن المعارضة الإيرانية تقول أن إيران تستكمل نشاطها النووى العسكرى من خلال برنامج «سبند».
إيران الآن أصبحت فى نظر الشعب والحلفاء والمناصرين نمرا من ورق غير قادر على الدفاع عن نفسه ولا تأديب أعدائه.
رئيس الاستخبارات الأمريكية السابق برينان قال إنه قلق للغاية من تصرفات الرئيس الأمريكى فى الفترة المتبقية من رئاسته، وأنه ربما يقدم على عمل يظهر فيه بمظهر البطل أو الزّعيم القوى الحازم، من خلال توجيه ضربات عسكرية قوية لتدمير المُنشآت النوويّة الإيرانيّة، وسحب جميع القوّات الأمريكيّة من الشّرق الأوسط، وخاصّةً من أفغانستان والعِراق وسوريا قبل هذه الضّربات، وما يُعزّز هذا الخِيار وجود حالة من القلق فى أوساط مسؤولين سابقين فى أجهزة الأمن القومى أبرزهم الجِنرال كورى شاك من عمليّة التّطهير التى أجراها ترامب فى وزارة الدفاع «البنتاجون» مُنذ الثلاثاء الماضى، بالإطاحة بالوزير مارك إسبر وجميع مُستشاريه ومُساعديه، وتعيين مُوالين له مكانهم، والأمر الآخَر رفضه، أى ترامب، منح الرئيس المُنتخب بايدن تصريحًا بالوصول إلى المواد الاستخباريّة والأمنيّة الحسّاسة مِثلَما جرت العادة فى الحالات المُماثلة، ربّما خوفًا من الاطّلاع على مُخطّطاته واستِعداداته لهذا الهُجوم المُحتمل الذى ربّما يُقدِم مايك بومبيو بوضع خططه التنفيذيّة أثناء جولته فى الخليج فى الأيّام القليلةِ المُقبلة.
جون بولتون، مستشار الأمن القومى السابق فى إدارة الرئيس دونالد ترامب، حذر أيضا من أن الأخير قد يسبب «ضررا كبيرا» للأمن القومى، معربا عن مخاوفه من أنه «لن يرحل بهدوء» بعد خسارة الانتخابات الرئاسية أمام جو بايدن.
بولتون أضاف أن الكثير من الناس يعتقدون أو على الأقل يأملون أنه (ترامب) سيدرك أنه خسر وسيذهب بهدوء، ولكن أشعر بالخوف من أن رد الفعل سيكون عكس ذلك تماما.
صدمة الهزيمة جعلت ترامب لا يصدق أنه أصبح خارج البيت الأبيض، وأن الأمور لم تصبح بيده لأنه هيأ نفسه وإدارته بأن هناك فترة ثانية سيقضيها حاكما للقوة الأكبر فى العالم، وهذا ما صرح به وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو.
ترامب يعلم تماما أنه ستتم ملاحقته قانونيا بعد خروجه من البيت الأبيض، وسيغرق فى مُحيطٍ من المُلاحقات الجنائيّة بتُهم التهرّب من الضرائب والتّزوير، وعقد صفقات تجاريّة مُخالفة للقوانين، فبِمُجرّد خُروجه من البيت الأبيض تَسقُط الحِصانة الدستوريّة ويُصبِح مُواطنًا عادِيًّا. ولذلك يحاول الإعداد لشن هجوم على إيران من أجل إبقاء الأضواء مسلطة عليه مهما كان الثمن.
اغتيال فخرى زادة يعد خطوة نفسية ورسالة لطهران بأن جواهر تاج برنامجها النووى ليست آمنة. فقد تأثر علماء إيران النوويين ومنشآتهم وقاعدة معارفهم بهذه الهجمات الأجنبية المزعومة. الهدف هو جعل إيران تفكر مرتين فى تطوير قدراتها النووية، ناهيك عن التحرك نحو سلاح نووى.. رسالة قاسية ستخلق حربا مكتومة بين المحافظين والإصلاحيين فى الداخل الإيرانى.. ربما ينتصر معسكر على الآخر هذا ماسنراه فى الأيام المقبلة.