رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سدود النهضة.. إعلان حرب على مصر


على خلاف ما يعتقد البعض، فإن سد النهضة واحد من سلسلة مكونة من أربعة سدود وضعتها وزارة الرى الإثيوبية على موقعها بكل فخر بإجمالى سعات مائية تبلغ 200 مليار متر مكعب على النيل الأزرق الذى لا تتجاوز تصرفاته المائية السنوية 48 مليارًا فقط مع مرور السدود الثلاثة الأخيرة عبر أراض زراعية ستتحول إلى نظم الرى المستديم بما يعنى أن إثيوبيا تنتوى تأميم مياه النيل الأزرق تمامًا والذى يمد مصر بنحو 64% من إجمالى موارد نهر النيل.

سلسلة السدود الأربعة التى أفصحت عنها إثيوبيا هى سد الحداثة بسعة توليد كهرباء 6000 ميجاوات وسعة مائية 74 مليار متر مكعب، ثم السد الحدودى Border «وهو السد الأصلى الذى كان مقترحًا إقامته قبل سد النهضة ويبعد 40 كيلومترًا عن الحدود السودانية» بقدرة توليد كهرباء 1400 ميجاوات، يلية سد مابيل Mabil بسعة توليد 1200 ميجاوات، ثم أخيرًا سد كارادوبى Karadobi بقدرة توليد 1600 ميجاوات وبإجمالى تخزين مياه للسدود الثلاثة الأخيرة بحجم 125 مليار متر مكعب بمعدل 40 مليارًا لبحيرة كل سد بخلاف حجم التبخير بحجم متوقع 15 مليار متر مكعب من السدود الثلاثة الأخيرة.

هذا الأمر يعنى أن موافقة مصر على بناء سد النهضة هو موافقة على بناء أربعة سدود وليس سدًا واحدًا وبالتالى بمثابة خراب كامل على مصر وتحولها إلى دولة صحراوية بلا مياه عذبة من أجل عدوانية دولة صغيرة تظن نفسها قادرة على هزيمة مصر فى حرب مياه أو أى حرب أخرى، متناسية أن المجتمع الدولى الذى رفض تمويل السد لن يلوم مصر أبدًا فى أى عمل تقوم به من أجل حماية شعبها من الفناء، وأن مقولة الرئيس السادات بأن شعب مصر لن ينتظر الموت عطشًا ولكننا سنذهب لنموت هناك رغم أن الحروب الحديثة أصبحت حروب طائرات قادرة على حسم انتصارات سريعة. الموقف المصرى يجب أن يملأ العالم كله بأن مصر لن تسمح لدولة ما أن تبيد شعبها عطشًا وأن هذا السد لم يُقام أبدًا على جثث المصريين مهما كلفه ذلك، لأن مستقبل الشعوب لن يكون ألعوبة فى يد الآخرين والباحثين عن إبتزاز جيرانهم.

يشمل هذا الأمر أيضًا التحول فى الموقف السودانى وهو الأمر ليس بالمستغرب من النظام الدينى فى السودان دعمًا لخليفته المنهار فى مصر على الرغم من أن اتفاقية 1959 لتقسيم المياه بين مصر والسودان تنص وبوضوح على أن تكون مصر والسودان وحدة واحدة فى أى مفاوضات مائية مع دول المنابع وأن زيادة حصص المياه لدول المنابع تكون خصمًا من حصتى البلدين بالتساوى. هذا الأمر ليس بالجديد على النظام السودانى فقد قاموا بمخاطبة الجانب الإثيوبى منذ عشر سنوات لإقامة سد كارادوبى المشار إليه وبسعة بحيرة خلف السد تبلغ 40 مليار متر مكعب مشيرًا إلى أن السودان ستتحمل نصف تكاليف إنشاء السد حيث إنها ستستفيد من تقليل الإطماء فى خزان سد الروصرس على النيل الأزرق والذى يترسب فيه 10 مليون طن طمى كل عام بسبب غزارة طمى النيل الأزرق بما يقلل من سعة تخزين المياه فى السد.

ويتسبب أيضًا فى إطماء العديد من الترع التى تمد عدة مشروعات لاستصلاح وزراعة الأراضى فى هذه المنطقة، وأن هذا الأمر سيمكن السودان من إمكانية تعلية خزان الروصيرس لتزيد سعته التخزينية إلى 10 مليارات متر مكعب من المياه سنويًا بدلاً من 7 مليارات حاليًا، وهو ما تسمح به اتفاقية تقسيم المياه بين مصر والسودان لعام 1959 والتى يبدو أن السودان تستشهد بها عندما يكون الأمر فى صالحها فقط بينما تتعمد مخالفتها بالتحالف مع إثيوبيا ضد مصر بعيدة عن نص نفس الاتفاقية.

كذلك المؤامرة التى نجحت فيها إثيوبيا والتى كان من أولياتها إحداث انشقاق بين مصر والسودان وهو ما نجحت فيه تمامًا فى غيبة تامة من النظم المصرية وأيضًا لكون السودان لديه هذا الاستعداد لخيانة مصر والتحالف مع إثيوبيا تحت شعار أن مصالح السودان مع إثيوبيا وليس مع مصر!. فالشيزوفرانيا التى تعيشها السودان حاليًا تطالب بجذب الاستثمارات العالمية لزراعة الأراضى السودانية الوفيرة وعندما يرتبط الأمر بمصر فلا يصبح جذبًا للاستثمار الخارجى بل يتحول إلى إستغلال مصر لثروات السودانية، وعلى السودان أن يسأل عن مصير الطمى الذى سيقل عن أراضيه أين سيذهب وهل إثيوبيا من السذاجة لكى تبنى سدودًا من أجل الصالح السودانى فقط متناسية أن نفس الطمى سيردم السد الإثيوبى وبالتالى تقام سلسلة سدود على حساب مياه مصر والسودان؟!.