رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإرهابى والعبيط


اللحم العبيط، هو الطرى غير الناضج، ويوصف الرجل بأنه عبيط لو كان أحمق أو خفيف العقل، ويقال جاء بعبط، أى بكذبٍ مختلق. والمعانى الثلاثة تجسدت فى نقاش عبثى عن الإرهاب والإسلام، جرى على شبكة تويتر، أو الكوكب الأزرق، بين المدعو محمد البرادعى، المقيم فى العاصمة النمساوية فيينا، والإرهابى طارق الزمر، القيادى بالجماعة الإسلامية، المقيم فى تركيا.
السلطات النمساوية صادرت، الإثنين الماضى، ٢٥ مليون يورو، عدًا ونقدًا، خلال مداهمات استهدفت ٦٠ منزلًا وجمعية ومقرًا تجاريًا، تابعة لجماعة الإخوان «المسلمين» ولحركة حماس، التى توصف بأنها حركة المقاومة «الإسلامية». كما تم اعتقال ٣٠ شخصًا على خلفية اتهامهم بالانتماء لمنظمات إرهابية، تمويل الإرهاب، غسل الأموال والقيام بأنشطة معادية للدولة. ووفقًا لمكتب المدعى العام، فإن تلك المداهمات جاءت بعد تحقيقات مكثفة استمرت أكثر من سنة، ولا علاقة لها بالهجوم الإرهابى، الذى نفذه داعشى، الإثنين قبل الماضى، وأسفر عن مقتل أربعة وإصابة أكثر من عشرين.
الادعاء العام النمساوى، بالتحديد مكتب المدعى العام فى مدينة جراتس، أكد أن هذه الإجراءات ليست موجهة ضد المسلمين، لكنها تهدف إلى حماية المسلمين «الذين يتم استغلالهم لنشر أيديولوجيات مناهضة للدستور». والأربعاء الماضى، وافق مجلس الوزراء النمساوى برئاسة المستشار سيباستيان كورتس، على مجموعة من الإجراءات التى تهدف إلى سد الثغرات الأمنية، من بينها استحداث جريمة جنائية تسمى «الإسلام السياسى»، لتمكين السلطات من اتخاذ إجراءات ضد الذين يخلقون أرضية خصبة للإرهاب، حتى لو لم يكونوا إرهابيين.
مع ذلك، ومع أن الكلام كله، أو التصريحات كلها، عن «الإسلام السياسى» وعن المتطرفين والإرهابيين، الذين يسيئون للإسلام، إلا أن محمد البرادعى اتفق مع الإرهابى طارق الزمر على ضرورة «تحليل ووصم السياسات المغرضة التى تبحث عن أى شىء منسوب للعالم الإسلامى كى تسميه إرهابًا إسلاميًا، رغم إدانته من كل الهيئات الرسمية والمدنية».
لو أحسنت الظن به، لن يكون أمامك غير التسليم بأن البرادعى عبيط أو بـ«يستعبط». خاصة لو عرفت أن ما كتبه الزمر، جاء ردًا على تغريدة، هذا نصها: «من الضرورى أن ننتفض جميعًا بقوة دون قيد أو شرط عندما تتكرر حوادث القتل والإرهاب على يد من يدعون أنهم يقومون بها باسم الإسلام مهما كانت المبررات. لا بد أن يرى العالم بالقول والفعل أن هذا ليس الدين، وأن هؤلاء ليسوا مسلمين، إذا أردنا تجنب الانطباع الخاطئ عن الإسلام، كما هو الحال الآن».
وجود عدة شقق دعارة فى عمارة البرادعى، مثلًا، لا يعنى قطعًا أن العمارة كلها عاهرة. لكن العُهر بعينه هو أن يتولى الدفاع عن سمعة تلك العمارة صاحب أشهر وأقدم شقق الدعارة فيها، ومن يجلب له، ولباقى الشقق، الزبائن. وسيكون العهر مضاعفًا، لو طالب أحدهما سكان العمارة بأن ينتفضوا جميعًا بقوة، دون قيد أو شرط، لمجرد أن عاهرة أعلنت عن مقر إقامتها بعد إلقاء القبض عليها. وبكل تأكيد، ستضرب كفًا بكف لو وجدت الاثنين يتهمان شرطة مكافحة جرائم الآداب بأنها مغرضة وتبحث عن أى شىء منسوب للعمارة كى تسميه دعارة برادعاوية!.
باسم الإسلام، أو الجهاد الإسلامى، شارك طارق عبدالموجود إبراهيم الزمر، سنة ١٩٨١ مع ابن عمه عبود الزمر، فى اغتيال الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، وحوكم وأدين وتم سجنه لمدة ٢٩ سنة، وبعد إطلاق سراحه فى مارس ٢٠١١، أسس وترأس حزب «البناء والتنمية»، ليكون الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، أو التى توصف بأنها كذلك مع أنها إرهابية. وبعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، هرب إلى قطر ثم إلى تركيا، ومنهما، واصل التحريض على العنف والإرهاب. وفى سبتمبر ٢٠١٨، أصدرت محكمة جنايات جنوب القاهرة حكمًا غيابيًا بإعدامه. وأيدت محكمة النقض، فى يناير ٢٠١٩، قرار إدراجه على قوائم الإرهاب.
يترأس طارق الرمز، الآن، مركزًا للدراسات السياسية والاستراتيجية بإسطنبول. وكنا قد أشرنا، فى مقال سابق، إلى أن انتماء منفذ هجوم النمسا، الذى سقط قتيلًا، إلى تنظيم «داعش»، يربطه أيضًا بتركيا، التى لم يعد خافيًا على أحد أن رئيسها، رجب طيب أردوغان، لعب دورًا كبيرًا فى رعاية ودعم ذلك التنظيم وغيره من التنظيمات الإرهابية، ومنح الإرهابيين مساحة تنفس كافية وحرية تنقل، مكنتهم من التخطيط والانطلاق لشن هجمات فى أوروبا.
.. وتبقى الإشارة إلى أن البرلمان النمساوى سيناقش، بداية ديسمبر المقبل، تعديلات قانونية تجرّم التطرف السياسى بدوافع دينية، وتسمح باستمرار حبس المتطرفين بعد انقضاء فترة عقوبتهم، وتفرض على السجناء السابقين، ارتداء أشرطة إلكترونية لتسهيل مراقبتهم. كما ستتيح سحب الجنسية منهم، وحرمانهم من المساعدات الاجتماعية، و... و... وغيرها من الإجراءات، التى كان البرادعى وأمثاله سيملأون الكوكب الأزرق نواحًا وعويلًا، لو اتخذتها مصر.