رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أغاني المهرجانات.. هتاف للصامتين أم ركوب للموجة؟

أغاني المهرجانات
أغاني المهرجانات

بين آراء تذهب إلي أن أغاني المهرجانات ظاهرة أشبه بما وصفه الباحث الاجتماعي في الستينيات سيد عويس بـ"هتاف الصامتين"، وأخري تري أن الظاهرة مجرد تقليد لنجاح أول أغنية، مما شجع كثيرين علي ركوب الموجة فذاعت الظاهرة وانتشرت في أوساط اجتماعية كثيرة.

ويرصد كتاب "وش غضب" الصادر حديثًا عن دار روافد للنشر والتوزيع، للكاتب محمد حسن الصيفي، ظاهرة أغاني المهرجانات، ويحلل بوادر ظهورها وأسبابها، ممهدًا بفصل يشبه "النوستالجيا" عن المناخ العام وما كان يشغل شباب الألفية الجديدة.

يقول "الصيفي": قبل عشر سنوات كنا في حالٍ وأصبحنا في حال، عقاربُ الساعةِ لا تعود إلى الوراء، الكل يركض للأمام ولا أحد يعود للخلف، حالة من التسابق، من الجنون، سهولة الوصول، ولكنه ذهاب سريع بلا عودة!

قبل عِقد من الآن كُنّا نتابع مصير معركة محبي الهضبة وتامر وشيرين، معركة الأبيض والأحمر على جدو، وكيف تجرأ حسن شحاتة على اختيار الفتى السكندري على حساب ميدو "العالمي" الذي تألق في ملاعب إنجلترا!

سبع مباريات لمنتخب مصر على المقهى كانت كفيلة بالتتويج بالبطولة الإفريقية الثالثة على التوالي، أحضان المشجعين وكركرة الجوزة وأدخنة السجائر التي تمنحك ساعتين من السعال المتواصل بعد نهاية كل مباراة، أحضان وصرخات، وأجولة دقيق تُهرّب من الأفران تزامنًا مع نزول جدو لأرض الملعب في الربع ساعة الأخير من كل مباراة!

يحتضني "العم أنور" للمرة الرابعة، بينما أتضرعُ إلى الله أن يتوقف سيل الأهداف و"يكفي ما مضى من أحضان"! كان الدفء يفوق التعبير، وعلى المقهى عملية شحن للهوية غير مسبوقة، لو طُلب منَّا وقتها تحرير فلسطين لذهبنا سيرًا على الأقدام من قلب شوارع المطرية إلى القدس!

كان الجو في الشتاء أقل برودة، وكان القلب أكثر دفئًا من الآن، كنا نلهو بالوقت كقطع العجين التي يقذفها الطاهي في الهواء بحركاته البهلوانية المبهرة! كان الوقت لينًا بحق، ولم يكن ملحوظًا، كان يسير بهدوء وخفة، أشبه بصوت فيروز "الوحيدة التي لا تشوش أفكارك وحبر قلمك يلتهم الأوراق"!

يعرج المؤلف إلي أغاني "الأندرجراوند"، وكيف أن خطابها كان قاصرًا علي فئة بعينها من الشباب، وفي موضع آخر يقول: أصبح الأندرجراوند بمرور الوقت محصورًا على الفئات الشبابية المثقفة أو المدعية التي تردد "أعل هُبل" حول تمثال طلعت الحرب وقهوة البورصة أو حتى على كورنيش الإسكندرية تحت زخات المطر في أوج مشاهد الثقافة عُمقًا ورومانسية!

كان خفوت وهج الأندرجراوند مساحة ليصعد نجم أغاني المهرجانات ومؤديها، يوضح الصيفي: ألقى الانحسار والانكسار الثوري بظلاله أكثر فأكثر؛ فخفتت روح الأندرجراوند وتراجعت من الساحة، وأصبحت تلعب دورًا صغيرًا على خشبة المسرح، تعيد وتزيد وتلوك كلمات الحب والحنين والحرية والحنجورية والتحريض على التحرر والعلم ومجابهة الجهل، بينما يحلب أصحابها بقرة الإعلانات، آلاف الجنيهات من شركات المحمول والمشروبات الغازية والشوكولاتة، واحد منهم يحدثك في كليباته عن القحط وغلاء الأسعار والرأسمالية، بينما يذهب إلى شركة الشوكولاتة ليطربنا عن السعادة والفرحة والبهجة، يروِّج لسلعة سعر الواحدة منها يتطلب أن تكون على درجة سفير في قنصلية مصر بالأرجنتين!

المهرجانات الآن في "تنجيد" العروس، ليلة الحنة، قاعات الأفراح، تخرج في مد عنيف من شوارع وحارات المطرية والأميرية لقياس مدى قوتها؛ فإذا بها مكتسحة، ووجدت النار في كل بيتٍ عبوة مباركة من البنزين!

ومن أوكا وأورتيجا في قلب الأميرية إلى الدخلاوية في قلب الإسكندرية، زحف رهيب ومجنون على مدار عدة أشهر، امتداد مشتعل في ربوع المحروسة، وكان أول اعتراف بغازات انتفاخ المجتمع في فيلم الألماني 2012 بمهرجان "حارة عجيبة" الذي بدأه شحتة كاريكا بتحية للمنحرفين قبل أن يصرخ "الصوت يا عالم بالراحة ياما نفسي أدوق طعم الراحة، ياما نفسي أعزّل بصراحة"!
قبل أن يتواصل الزحف السرطاني بأوكا وأورتيجا وشحتة مع رمضان الشريك المخلص في فيلم عبده موتة 2014 "يا عم الشاويش كفاية فينا تلطيش، وأنت جاي لي زيارة كلمني بالنضارة، السجن بقى بيتي بسيجارة خربت بيتي"!

وينتقل بنا الأندرجراوند إلى المهرجانات، وصدى "صوت الحرية" أصبح "مفيش حد صالح كله بتاع مصالح" بفضل الموجة الجديدة التي شجعها رائد الواقعية وماركيز السينما المصرية محمد رمضان!