رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثورة فى ذمة التاريخ ..!


فى الوقت الذى اختلفت فيه كافة النظم السياسية حول تفسير أسباب الفقر، فقد اتفقت جميعها على ضرورة مواجهته، فدائما ما تُقيم الأنظمة السياسية ليس ببون الحريات الذى تمنحه لشعوبها وإنما بقدرة هذه الأنظمة على مواجهة الفقر. فلم يخلع التاريخ على عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضى الله عنهما صفة العدل، وإنما لقدرتهما على تجاوز الفقر والقضاء عليه.

وفى أعتى النظم السياسية وأكثرها تقدما فى العالم لم يُحَمِّل الفلاسفة والمفكرون النظام الحاكم وحده مسئولية مواجهة الفقر، حتى فى النظام الاسلامى ذاته، وإنما جعلوا الحد من الفقر مسئولية تضامنية وأخلاقية بين الدولة والشعب. فلم تختلف مثلاً التجربة الإسلامية الاندونيسية كثيرا عن التجربة الألمانية أو اليابانية أو الصينية، فجميعهم بنو صروحاً اقتصادية من العدم ، وجميعهم أطلقوا النهضة من رحم الأزمة ، وهنا يقول مالك بن نبي المفكر الاسلامى الأندونوسى فى كتابه المسلم فى عالم الاقتصاد أن نجاح التجربة اليابانية والصينية لم يكن مرهونا بالمليارات الأمريكية مشروع مارشال وإنما كان مرهونا بتوافر ما يسمى بـ الإرادة الحضارية للشعوب. وقدم بن نبي لأند ونسيا مشروعا عملاقا لمجابهة الفقر، يقوم على قاعدتين أساسيتين هما: أن لقمة العيش حق لكل فم و العمل واجب على كل ساعد قادر على العمل وجعل الأولى مسئولية الدولة والثانية هى مسئولية الشعب.

وإذا كان الفقر فى مصر يحتاج إلى معجزة لمواجهته، فالمعجزة إذا لا تتوقف على حقنة مالية من الخليج أو معونة من أمريكا، وإنما تعتمد المعجزة على تعبئة الطاقات الاجتماعية وحشدها للعمل والإنتاج، تلك الطاقات التى سحلتها البطالة وعدم التوظيف المناسب لها، وأنهكتها التظاهرات المطالبة بحق الشعب على الدولة، وكأن الشعب أصبح كسولا بالوراثة، تكمن قدراته فقط فى التظاهر والاحتجاج وليس على العمل والإنتاج..!! ومن ثم تتخلص المشكلة فى مصر فى شعب لا تتوافر لديه إرادة حضارية حقيقية تعينه على الخروج من دائرة الفقر المفرغة، يحمل الدولة المسئولية الكاملة فى كسر هذه الحلقة اللعينة.. ودولة أنهكها الفساد عزلت عن مناصبها الكفاءات ومكنت منها أهل الثقة.. ورغم دور الفساد فى زيادة حدة الفقر، بيد أن الفساد لم يكن فقط سمة لصيقة بالدولة المصرية، فهناك أكثر من 75% من دول العالم تعانى من الفساد .. وتجاوزت تكلفة أثاره حسب تقرير البنك الدولي 2013 م أكثر من 100 مليار دولار سنوياً.. فلم تخلوا الصين صاحبة المعجزة الكبرى فى هذا القرن من الفساد، ولم تراهن على الدين ولا على الدولة فى تجاوز أزماتها وبناء حضارتها.. ولم تعتمد فى بناء السدود والمصانع على الآلات الأمريكية ولا الروسية، وإنما بنت حضارتها بسواعد أبنائها وعلى أكتافهم... ومن ثم فإن استمرت الأوضاع المصرية على ما هى عليه فإننا سوف نكون أمام وطن يمرض وشعب يموت وإن لم تنجح الثورة المصرية فى إخراج الشعب من مصيدة الفقر اللعينة .. فسوف ننعيها فى ذمة التاريخ ..!

استاذ تنمية وتخطيط وكاتب سياسى

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.