«المسخ» رواية «كافكا» المأساوية
إن أشد ما يعانيه الإنسان فى حياته هو الاغتراب الداخلي، لذا كان جريجور متألما بسبب ما يعانيه من ويلات التعب الذى وضعه فيها أبوه المدين بعد خسارة تجارته، مما اضطره للعمل بائعا متجولا يطوف المدن والقرى كل يوم، حاملا بقجته الثقيلة على كتفه، دق المنبه فأخرج ضجيجا أيقظ جريجور من نومه فى تمام السادسة صباحا، غير أنه لم يقدر على النهوض أو حتى على فتح عينيه، سكت المنبه ثم رن مرة أخرى فى تمام السادسة والنصف، إلا أن جريجور تجاهله بنفس الطريقة
ولم يستيقظ، وفى السابعة كرر المنبه إزعاجه دون هوادة فتطابق رنينه مع صوت الأم فى الخارج: قم يا جريجو لقد تأخرت لساعة كاملة.
فتح جريجور عينيه فإذا به يجد نفسه تحول إلى دودة كبيرة، فزع لما رآه وقال فى نفسه: يا إلهى كيف للإنسان أن يتحول إلى دودة. نظر إلى سيقانه الكثيرة التي ترتعش دون توقف ورأسه التي تشبه رأس الفراشة، وجسده الطرى فتمتم بكلمات فوجد أن صوته أصبح صفيرا وزقزقة.
فكر جريجور فى أسرته التعيسة من سيقضي الدين عن والده المسن. ومن سيدخل أخته جريتا معهد الكونسيرفاتوار؟ وكيف سيكون وقع الصدمة على أمه المريضة؟. حاول القيام لكنه لم يقدر. دوى صرير الباب الخارجى فسمع صوت الباشكاتب الذي جاء ليوبخ سامسا بسبب تأخر ابنه جريجور لساعة كاملة، نادى الأب والأم وجريتا عليه فقال في وهن: سأخرج. غير أنه لم يقدر فخرجت جريتا تنادي حداد الكوالين ليتمكن من فتح الباب، زحف جريجور بجسده الرخو نحو الباب ووضع المفتاح بين فكيه، الخاليان من الأسنان وضغط على المفتاح فانفرجت ضلفة باب الغرفة فظهر المسخ دوان مواربة، سقطت الأم مغشيا عليها، أما الأب فوضع كفيه على وجهه من هول الصدمة، وأما الباشكاتب فولى ولم يعقب.
فى اليوم التالى فتحت شقيقته الباب بحذر، ثم وضعت كوب الحليب وأغلقت الباب من الخارج، لم يرق له شراب اللبن الذى كان يحبه قبل أن يصبح مسخا، تداركت جريتا الأمر فى اليوم التالى فوضعت له بقايا جبن فالتهمها.
مر أسبوع وجريجور يعانى ويلات العذاب داخل غرفته ممددًا تحت السرير. يلتهم ما تلقى له شقيقته من فتات الطعام. لذا قرر أن يخرج إلى أمه زحف نحو باب الحجرة بصعوبة بالغة معتمدا على سيقانه الكثيرة والهشه ولما خرج رأته أمه فسقطت على الأرض، فقام والده بركله وقذفه بحبات التفاح واحدة تلو الأخرى فسكنت إحداها فى ظهره فآلمته.
بعد أسبوعين من التحول إلى مسخ ملت جريتا خدمة أخيها جريجور وتركت عاملة النظافة تدخل عليه فكانت تعنفه وتسخر منه. كان جريجور وهو داخل هذه الحشرة يشعر بكل شئ. حتى الثلاثة الذين استأجروا إحدى الغرف في البيت كان يعرف من هم. واغتاظ أيما غيظ حينما كانت جريتا تعزف لهم على الكمان، بينما هم يثرثرون ولا ينتبهون إليها، فقرر الخروج إليهم إشفاقا على شقيقته ولما أطل برأسه فزع الثلاثة ولاذوا بالفرار، أما والدته فسقطت على الأرض كعادتها، بينما تسمر والده فى مكانه، فقالت جريتا فى حزم: لابد وأن نتخلص من هذا المسخ لابد لجريجور أن يموت. انسحب جريجور ببطء شديد إلى غرفته ومات، وفى المساء خرج سامسا وزوجته وابنته إلى إحدى المتنزهات لينعموا بيوم جميل.