رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالرحيم طايع يكتب: ورطة المركز القومى للترجمة



تصريح أخير للسيدة علا عادل، مدير المركز القومى للترجمة، أثار حفيظة الأغلبية من المثقفين المصريين. التصريح يشمل الآليات الجديدة للمكتب الفنى، وما أثار غضب هؤلاء المعتبرين أن الضوابط الجديدة لاختيار الأعمال اشترطت «عدم تعارض الكتاب المختار للترجمة مع الأديان، ولا مع القيم الاجتماعية والأخلاق والأعراف»!!
سطر فضفاض، يمكن أن يفسره ذوو المصالح والأغراض على هواهم، وينافى الحرية المطلوبة مع الترجمة، فكثير من المختارات للترجمة قد لا تتفق معنا من جهة الدين ولا القيم الاجتماعية ولا الأخلاق ولا الأعراف، لكنها تلزمنا تمامًا مع ذلك، من جهة الاحتكاك بالآخرين والتفاعل معهم والاستفادة منهم.
ضمن خطر الضوابط الجديدة أيضًا أنها كما لو كانت تغازل العوام الذين لا يجب أن يؤثروا فى الثقافة مقدار ما يجب أن تقوم هى بالتأثير فيهم، وكما لو كانت تنتصر لليمين المتحفظ، بل للجماعات الدينية المتشددة التى تعادى مغايريها عمومًا.
لقد انفجر السؤال البديهى: لماذا لا نحسن، من البداية، اختيار القيادة الإدارية المناسبة؟!
كتب المترجم التنويرى الكبير سيد إمام على صفحته بـ«فيسبوك» عدة بوستات كطلقات رصاص، واستمر يكتب فى الموضوع المفاجئ الصادم، كان من بين ما كتبه: بيان المركز القومى للترجمة يعنى باختصار مصادرة كانط وهيجل وسارتر وشوبنهاور وديكارت ونيتشه وفرويد وماركس وجان جاك روسو وفولتير، جيمسون وفوكو ودولوز وجوتاروى وإيهاب حسن وليوتار وبودريار.. دى إتش لورانس وجوته وكامو ورامبو وبودلير وجان جينيه وغيرهم ممن صاغوا العقل الحديث.. «كتابة تحت عنوان: ليس بيانًا بل مذبحة»، ووصف سكوت المثقفين على المهزلة، كما أسماها، بالمهزلة الأكبر، وقال إنه يخشى أن تكون الأصولية الدينية قد استولت على آخر مواقع الاستنارة فى الثقافة المصرية الذى هو المركز القومى للترجمة.. ودعا إلى إقالة المديرة.
مباشرة، وجه الشاعر القدير حسن طلب نداءه إلى معالى وزيرة الثقافة، ومما جاء فيه: الشرط الجديد الموضوع للاختيار كفيل بأن يقضى على دور المركز ورسالته التنويرية قضاء مبرمًا.. وإنى لفى عجب من أمر القائمين على المركز، فكأنهم لم يسمعوا قط عن تراثنا الحديث فى الترجمة، ولن أتحدث عن الطهطاوى وتلامذته فى القرن التاسع عشر، بل سأكتفى بأمهات الكتب التى ترجمها أعلامنا الكبار منذ بدايات القرن العشرين، فقد ترجم إسماعيل مظهر كتاب دارون الأساسى: «أصل الأنواع»، وفيه يشرح نظرية التطور التى تتعارض كليًا مع فكرة الخلق المستقل المعروفة فى الأديان الثلاثة المنزلة، كان هذا منذ قرن كامل أو يزيد، وفى حدود هذا الوقت ترجم أحمد لطفى السيد أعمال أرسطو الكبرى القائمة على فكرة الإله المحرك لا الإله الخالق، وترجم الدكتور راشد البراوى عام ١٩٤٧ كتاب ماركس الأساسى: «رأس المال»، وهو ليس أقل تعارضًا مع الدين من كتاب دارون، وبعده ترجم الدكتور عبدالرحمن بدوى كتاب «الوجود والعدم» لجان بول سارتر الذى يعد علمًا على الوجودية الملحدة.. وتطول القائمة لمن يريد أن يستقصى، فهل من المعقول أن تجهل الدكتورة رئيسة المركز هذا التراث الباذخ! أم أنها تعرفه، ولكنها تعده من قبيل الخروج عما هو معلوم من الدين بالضرورة كما يردد المتأسلمون، فهل كان أعلامنا الكبار فى القرن الماضى زنادقة مارقين، ثم نأتى نحن الصغار لكى نصلح ما أفسدوه، ولماذا نمنح جائزة الترجمة باسم رفاعة الطهطاوى، بينما نعمل من جهة أخرى على هدم ما أنجزه هو ومن بعده من أعلامنا الكبار!
ليت وزيرة الثقافة تعير هذا الأمر الخطير اهتمامها بين ما تهتم به من أمور الثقافة وعِللها. انتهى.
كانت استجابة الوزيرة أسرع من توقعات الجميع، فبعد ما أثير حول الموضوع بيوم واحد، صدر القرار الوزارى بندب الدكتورة كرمة محمد سامى مديرًا للمركز خلفًا للدكتورة علا عادل التى اعتذرت عن عدم الاستمرار فى منصبها بعد ترشيحها من قبل وزارة التعليم العالى للعمل كملحق ثقافى لمكتب البعثة التعليمية بدولة النمسا «هكذا كان الخبر بالضبط»، فلعل التغيير خطوة إيجابية على طريق النجاة من ورطة لم يكن لها داعٍ وضعت المركز فى تقديرات خاطئة للأمور قدرتها إدارته السابقة.. ينتظر المثقفون الآن، على أحرّ من الجمر، تعديلًا جوهريًا لضوابط المكتب الفنى، تفيد استعادة المكان المهم لدوره المسلوب ومهابته الغاربة.