رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التقارب الروسى نجاح للدبلوماسية المصرية !!


زيارة الوفد الروسى عالى المستوى لمصر مؤخراً يؤكد أن هناك تطورا نوعيا مهما فى السياسة الخارجية المصرية ويتمثل هذا التطور فى الانفتاح على روسيا بما يؤكد أن مقولة 99 بالمئة من أوراق اللعبة لم تعد فى أيدى الولايات المتحدة كما كان يؤكد الرئيس الراحل أنور السادات وقد ظللنا نعيش أكثر من 40 عاما وفق هذا التصور الذى قيد حركة الدبلوماسية المصرية وربط قرارات مصر المتعلقة بالعلاقات الدولية بما يريده القابع فى البيت الأبيض.

وربما كان اعتقاد السادات فى هذه المقولة حينئذ لأنه كان يعد لحرب أكتوبر 73 وكان يرغب فى أن يحقق نصرا مصريا وعربيا وعندما تدخلت الولايات المتحدة فى الحرب لتغيير مسار العمليات الحربية لصالح إسرائيل وافق على وقف إطلاق النار وتولد لديه اقتناع بأن أمريكا بيدها كل خيوط اللعبة فى الشرق الأوسط.

ما نقوله اليوم أصبح تاريخا منذ أكثر من أربعة عقود وخلال هذه السنوات تغيرت المحددات التى تحكم العلاقات الدولية ففى نحو ستين عاما اعتمد النظام الدولى أكثر من ميزان للقوى فى البداية وفى ظل الحرب الباردة كان ما يسمى القطبية الثنائية أى وجود قوتين فقط تديران النظام الدولى وهما الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى والطريف أن الرئيس السادات أطلق مقولته الشهيرة بشأن أمريكا قبل 17 سنة من انهيار الاتحاد السوفيتى ولا أعتقد أن هذا لم يكن استشرافا للمستقبل بقدر ما كان محاولة للاستفادة من الولايات المتحدة بغرض تقليل تأثير الانحياز التقليدى الأمريكى لإسرائيل.

بعد انهيار الاتحاد السوفيتى وتفككه إلى مايسمى دول الكومنولث الجديد ظهر فى العلاقات الدولية نظام القطب الواحد أى سيطرة الولايات المتحدة على الجماعة الدولية ولا سيما الأمم المتحدة وذلك فى أواخر إدارة كلينتون مرورا بإدارتى بوش الأب والابن لكن السياسة الخارجية الأمريكية قوبلت فى العالم كله باستهجان واسع النطاق خاصة بعد فشلها فى الصومال وأفغانستان والعراق وكان لابد من إعادة ترتيب الأوراق ليسود نظام مختلف عن النظام أحادى الجانب الذى يعتمد على قوة أو دولة عظمى واحدة تتحكم فى مقدرات العالم والنظام الدولى الجديد هو نظام متعدد الأقطاب المعروف باسم نظام الثريا وبالفعل كان من العبث تجاهل روسيا وريث الاتحاد السوفيتى والصين واليابان وبالطبع الاتحاد الأوروبى الذى يعتبر قوة فاعلة رغم تناغم سياسته مع السياسة الأمريكية خاصة فى الشرق الأوسط لكن هذا لايمنع أن هناك استقلالية أوروبية بصورة أو بأخرى عن السياسة الأمريكية ظهرت مؤخرا بعد اكتشاف قضايا تجسس وتنصت امريكية على شئون بعض الدول الأوربية.

إذن نحن اليوم أمام نظام دولى متعدد يفرض على أى دولة إلا تربط نفسها ومصالحها بدولة واحدة فقط وهو ما أدركته الديبلوماسية المصرية مؤخراً لأن التنوع فى التعامل الدولى يفقد تأثير أى ضغوط سياسية أو اقتصادية أو عسكرية إذا مورست من دولة على دولة أخرى تابعة لها.

إن هذا التنوع فى العلاقات يصب فى صالح الدولة التى تنوع علاقاتها وهو ما فعلته مصر مع روسيا وهو ما يجعل واشنطن تعيد النظر فى حساباتها تجاه مصر ولم تكن هرولة جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى إلى مصر إلا تعبيراً عن التخوف الأمريكى من التوجة الجديد للسياسة الخارجية المصرية مما أدى إلى نجاح زيارة الوفد الروسى للقاهرة وذلك من خلال الاتصال الذى تم بين الرئيس الروسى فلاديمير بوتين مع الرئيس المصرى عدلى منصور وبحثا نتائج مباحثات وزيرى الخارجية والدفاع الروسيين سيرجى لافروف وسيرجى شويجو مع نظيريهما المصريين نبيل فهمى وعبدالفتاح السيسى التى جرت فى القاهرة الأسبوع الماضى

حيث أكدت الخارجية الروسية إن الجانبين ثمنا نتائج المباحثات مشيرة إلى الحرص المتبادل على توسيع التعاون الثنائى بين موسكو والقاهرة.

خلاصة القول: إن التعاون المصرى - الروسى لابد أن يكون مقدمة لتعاون أوسع مع دول أخرى فى المنظومة الدولية بما فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى ويبقى المعيار الحاكم فى النهاية هو مصلحة مصر.