رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«حن يا ماضي».. حكايات «مراجيح العيد» تعيد ذكريات الزمن الجميل (فيديو)

حكايات مراجيح العيد
حكايات مراجيح العيد

«ياه لما الحنين بياخدنا لمرجيحة بتحلى بيها دنيتنا تاخدنا لفوق وبتسعدنا».. هذا كان الحلم الذي طالما جال في ذهن الأطفال بمختلف العصور، خلال رحلتهم الباحثة عن السعادة، تشبثت أيديهم بحبال بالية، متدلية من قطع خشبية يلاطفها الهواء صعودا وهبوطا.

تبدأ الحكاية من العصر الفرعوني، عندما كانت تساعد المرأة زوجها في أعمال الزراعة تضع طفلها على قطعة قماشية مربوطة بين شجرتين، وإذا بكى هزتها لتتعالى ضحكاته، هذا ما كشفته مني صبح مدير عام التنمية الثقافية والتربية المتحفية بوزارة الآثار، في عام 2015.

بعد أن استجاب الأطفال وأحبوا هذا الاختراع، وتطورت أعمارهم بحث القدماء المصريون عن سبيل أخر؛ ليتحمل قدر اكبر من الثقل، فأخذوا جذوع الأشجار وقلمها، ثم رسخوا في الأرض على هيئة الرمز (×) في جهتين متوازيين، واوصلوا بينهما بجذع أخر تدلت منه عدة خيوط جمعت معا في نهايتها بمقعد بسيط تنوع ما بين الجلد والقماش والخشب.

ظلت هذه الهيئة التي تظهر عليها "المراجيح" حتى أواخر القرن 19، فكان الشكل الذي صنعه العصر الفرعوني هو السائد في محافظات وقري مصر، بل أن الأمر امتد لعدد من الدول المجاورة التي كانت تبحث عن سبيل سعادة لأطفالها.

حتى بدأت تلك الهيئة في الاندثار مع الثورة الصناعية؛ ليتم استبدالها بالحديد، التي أخدت نفس التصميم الهندسي لكنها صنعت قاعدة قوية بدلًا من الأرض ليتم نقلها من مكان لمكان، على حد تعبير عم جمال محمود، مالك أحد "المراجيح" الحديدية.

" احنا مغيرناش حاجة في الشكل بس استخدمنا الحديد بدل الخشب"، هكذا أوضح جمال التغيير الذي حدث، معللا سببه بأن الحديد أكثر أمانا من الخشب الذي كان يتسبب في المئات من الحوادث يوميا.

ظلت "المراجيح" الحديدية محافظة على مكانتها في الأعياد والموالد الشعبية، حتى نافسها على الساحة خامة "الفيبر جلاس" التي غزت سوق صناعة "المراجيح".

جابت "الدستور" أحد مصانع "مراجيح" الأطفال في قرية قلما، محافظة القليوبية، بدت هناك أكثر أمانا، وجمالًا وراحة.

"الفيبر جلاس" هو ألياف زجاجية يتم تسخينها وتسييحها على درجة حرارة عالية، وتصب في قوالب لتأخذ الأشكال المطلوبة ويمكن التحكم في سمكها وقوتها من خلال عدد الطبقات الموضوعة في القوالب، بعد ذلك تخضع لعملية تبريد، وهذه تسمى مرحلة الإعداد، على حد تعبير محمد عشري، عامل في المصنع.

وينتقل الشكل إلى الورشة التي تكمن مهمتها في وضع اللمسات الأخيرة على اللعبة، فتدخل مرحلة الصنفرة وسد الفراغات الصغيرة بالمعجون أو ما يسمى بـ " البطانة" - عند عمال المصنع- لتأتي المرحلة الأخيرة وهي الطلاء والتلوين ومن ثم يتم تجهيزه ليركب في الحديد الذي يجمع هذه الأطراف جميعا في "مرجيحة" واحدة.

ارتبطت "المراجيح" في أذهان الجميع بالعديد من الذكريات والحكايات التي لا يمكن نسيانها حتى مع التقدم في العمر، فلم يغب يوما عن بال محاسن خطاب، ذات 75 عاما، التي تتذكر استعدادات الذهاب لـ "مراجيح" العيد.

"للعيد في الماضي على المرجيحة الخشبية مذاق آخر"، هكذا بدأ أحمد شوقي، صاحب الـ 80 عاما، فالعيد في الماضي كان مختلفا، فقد اعتاد في طفولته الذهاب مع أولاد عمومته لامتطاء المراجيح في المولد المجاور لهم.

ويستعيد الرجل الثمانيني ذكرياته مع قدوم العيد عندما سقط مغشيا عليه تحت الأرجوحة الحديدية التي كادت أن تنهي حياته، ولكن شاء القدر أن يقوم صاحب الأرجوحة بتعطيلها، وربط قدمه اليسرى التي نزفت الدماء، ولكن هذا الموقف لم يمنعه من الذهاب مرة أخرى.

حتى حينما أصبح جدا لا يزال يذهب مع أحفاده إلى الملاهي للترفيه عليهم والتنزه، وقضاء وقت ممتع وسط حالة من البهجة والفرح، والجلوس أمام المراجيح لمتابعتهم أثناء اللعب خوفا عليهم.

وتستمر الأراجيح في نسخ الملايين من الحكايات في ذاكرة الأجيال التي لهم نبراسا للسعادة.