رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نظرة على زيارة وزراء روسيا لمصر!


تعتبر زيارة كل من وزيرى الخارجية والدفاع لروسيا الاتحادى لمصر أمرا استثنائيا ليس فى سياسة الاتحاد الروسى فقط، بل وفى السياسة العالمية، فالمعتاد فى العلاقات الدولية أن العلاقات العسكرية هى آخر ما يتم تأسيسه وأول ما يتم إلغاؤه،

بينما العلاقات الدبلوماسية يمكن أن تكون من أوائل العلاقات التى تقام، وقد لا تنقطع رغم ما يمكن أن يكون قد شاب العلاقات من تدهور، بل إن لدينا أمثلة لعلاقات استمرت بين دول نشبت بينهم حروب، أذكر منها العلاقات بين العراق وإيران الحرب العراقية - الإيرانية 197-1988 إذ لم تنقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلا فى عام 1987 أى فى العام قبل نهاية الحرب، كذلك لم تنقطع العلاقات الدبلوماسية بين مصر وبريطانيا العظمى أثناء مشاركة بريطانيا فى العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 نتيجة للمظاهرات الشعبية البريطانية ضد الحرب.

نعود إلى زيارة وزيرى الخارجية والدفاع الروسيين ونقول إن الطبيعى أن تجرى الزيارة لكل وزير منفصلة وأن تسبق زيارة وزير الخارجية زيارة وزير الدفاع، لكننا يجب أن نلاحظ أن الزيارة تجرى بمبادرة من الاتحاد الروسى حيث يأتى الوزيرين إلى مصر بما يعنى اهتمام روسيا بالزيارة، وأن برنامج الزيارة يشتمل على اجتماع كل وزير بنظيره، ثم اجتماع الوزيرين بنظيريهما أى 2+2، وفى رأيى أن هذا يعكس اهتماما استثنائيا من الاتحاد الروسى بالزيارة وتقديره لما يمكن أن يلعبه التعاون المصرى - الروسى فى الفترة القريبة المقبلة، وهذا يعنى أن الاتحاد الروسى فى عجلة من أمره فاتجه إلى اختصار المراحل أو ما يسمى فى البحوث السياسية والاستراتيجية بـ «حرق المراحل».

يرجع هذا التعجل الروسى فى رأيى إلى أهمية المرحلة التى يمر بها العالم فى الوقت الحاضر والمستقبل القريب، وبالطبع فإن ذلك يتأثر بما يحدث وسيحدث فى المنطقة، سمها كما تريد، الوطن العربى، أو الشرق الأوسط، أو الشرق الأدنى، أو البحر المتوسط، وفى الحقيقة هى كذلك، هى الوطن العربى خاصة فى سوريا، وما يتبع ذلك من مؤتمر «جنيف 2» المزمع عقده، ويبدو أن هناك رغبة شديدة لعقده فى ديسمبر المقبل حيث لا يستطيع العالم تحمل استمرار نتائج الصراع، والذى يبدو أن الاتحاد الروسى يرى أهمية إيقاف النزاع المسلح فيه، وسيتعلق هذا بدرجة ما بموقف مصر منه، وهو الشرق الأوسط بلغة حلف شمال الأطلسى، والشرق الأدنى بلغة الاتحاد الروسى مع حسبان الدور الإيرانى فى النزاع فى سوريا، وكذا فى معالجة البرنامج النووى الإيرانى فى مفاوضات 5+1 التى تجرى بين الدول الخمس الكبرى دائمة العضوية فى مجلس الأمن زائدة ألمانيا مع إيران والتى تراقبها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتشعر روسيا أن مصر القوية تخدم أهداف روسيا فى المنطقة والتى يهمها أن تكون علاقات دول المنطقة بها بعيدة عن الانحياز وقريبة من المبادئ والمصالح المشتركة.

يساهم فيما سبق ما يجرى من تنافس بين روسيا وحلف شمال الأطلسى فى البحر المتوسط، وقد كسب الاتحاد الروسى قاعدة له فى شرق البحر المتوسط متمثلة فى قاعدة طرطوس فى سوريا، وهو له علاقات طيبة مع الجزائر فى جنوب غرب المتوسط، ومجرد أن يحصل الأسطول الروسى على تسهيلات فى موانئ مصر تتمثل فى القدرة على استخدام تسهيلات الميناء من التموين بالماء والوقود والغذاء وإمكان نزول الجنود إلى الشاطئ للراحة والاستجمام مفيد لروسيا التى تستعيد مكانتها بقوة فى السياسة العالمية ولكن على أساس المنافسة وليس الصراع.

يرتبط بما سبق التنافس على المستوى العالمى حيث يستعيد الاتحاد الروسى مكانته فى السياسة العالمية بقوة، وقد بدا ذلك واضحا فى اجتماع قمة العشرين فى بطرسبرج وما تمخض عنه الاتفاق على معالجة موضوع الأسلحة الكيميائية الروسية، فى حين أن من الواضح أن روسيا قد استعادت عافية اقتصادها فى وقت يعانى فيه الغرب من أزمات اقتصادية تكبل أيديه فى معالجة كثير من القضايا، ولاشك أن علاقات روسيا مع مصر تزيد من ثقلها السياسى العالمى، كما تفتح أبوابا كثيرة أمامها خاصة فى العالم العربى وفى أفريقيا.

لا يعنى ما سبق أن المزايا تذهب كلها إلى روسيا فالفائدة المتوقعة لمصر ربما تكون أكبر، لكن روسيا تستغل لحظة مناسبة وقبل أن يفيق الغرب من غلطته ويسعى إلى ترميم علاقاته مع مصر، ولكن مصر ينتظر أن تستفيد من الزيارة والعلاقات مع روسيا عموما خاصة فى مجال الحصول على القمح، وفى مجال البترول والسياحة وكذا فى مجال العلوم، وأخيرا فى الحصول على احتياجاتها من الأسلحة والمعدات العسكرية!

■ خبير سياسى واستراتيجى