رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإهدار القومى لأعمار المصريين


لا تعرض الحكومة علينا أى برنامج لحل أزمة المرور.. أيضاً فإن برامج الأحزاب السياسية لا تتضمن إشارة لأزمة المرور وكيفية حلها.. على ما يبدو هى قضية خارج اهتمام الدولة والحكومة والمعارضة.. وهذا يعنى أن المواطن المصرى خارج اهتمام الدولة والحكومة والمعارضة معاً..

والذين يقولون إن النهوض الاقتصادى هو حجر الأساس فى التطور، والذين يقولون إنه الدستور الضامن للمواطنة والديمقراطية، والذين ينادون بثقافة التنوير أو تعميم العدل والمساواة، كل أولئك لا يقولون لنا: ماقيمة أى شىء أو جدواه إن كنا نقوم بإهدار قومى لحياة المصريين بفعل أزمة مرور تلتهم أعمارهم وأوقاتهم التى يمكن أو ينبغى أن تنصرف للإنتاج وللإبداع؟. الوقت هو أثمن ما فى الحضارة الإنسانية. فهل يمكن لنا أن نحقق شيئا أى شيء ونحن نهدر الوقت بل الوقت كله؟. بالنسبة لى أصبح حل أزمة المرور هو المؤشر الحاسم على أية نوايا حقيقية للإصلاح فى مصر، سواء أكان ذلك من جانب الأحزاب أو القادة أو الحكومة أو أولئك الذين يشمرون أكمامهم استعدادا لسباق الرئاسة.

فى أزمة المرور تتبلور أزمة مصر كلها كما تتبلور فى قطرة من بحر كل خواص البحر، فهى شاهد على غياب التخطيط وعلى تغييب دور العلم والعلماء، وهى شاهد على التفاوت الاقتصادى ممثلاً فى الفارق بين ركاب السيارات الخاصة وركاب الميكروباصات العتيقة، أما العبارات والعلامات المتضاربة المرسومة على زجاج السيارات فهى شاهد على غياب مشروع وطنى جامع، أخيرا فإن الأزمة شاهد أيضا على التغيرات التى طرأت على أخلاقيات المصرى.

وعندى أن حل أزمة المرور مؤشر على جدية أى طرف فى التعامل مع الواقع المصرى، ذلك أن مصر- وليس السيارات- حبيسة الازدحام، ومصر- وليس السيارات – هى العاجزة عن الحركة والتقدم بسبب تلك الأزمة.. وما من شىء سينفع بشرا تنفد أعمارهم فى الشوارع المسدودة، لا دستور، ولا ثقافة، ولا غير ذلك. الناس بحاجة إلى أعمارها أولاً.. ذلك أن أخطبوط الأزمة لا يلتهم أوقاتنا فحسب، بل يلتهمنا بالمعنى المباشر بعد أن أصبحت مصر تحتل المركز الأول عالميا فى حوادث الطرق بمعدل أكثر من ستة عشر قتيلاً يومياً، وثمانين مصاباً بمختلف الإصابات الخطرة. أى أننا نفقد يوميا نحو مئة كفاءة عقلية وروحية. المضحك أن الإدارة العامة لمرور القاهرة بدأت من 9 نوفمبر حملة «للتوعية بآداب وقوانين المرور» تستمر حتى 20 نوفمبر.. الحملة تحت شعار «المصرى يقدر»! الحملة مضحكة لسبب واحد على الأقل أنها تنطلق من أن جذر المشكلة هو عدم الوعى الكافى بآداب المرور! وليس أن المشكلة فى الطرق المسدودة، والمطبات، والشوارع غير المسفلتة، وغياب شرطة المرور، وعدم البحث عن حل جاد للأزمة. ذات مرة وقف بنا الأتوبيس فى الطريق، فأخذت أحسب أننى أفقد فى المواصلات أربع ساعات يوميا، أى شهراً ونصف الشهر سنوياً.. هذا معناه - إذا كان متوسط الأعمار ستين عاماً - أن كل منا يفقد نحو ثمانية أعوام من عمره! تحذف الحكومة من أعمارنا تلك السنوات بسبب البلادة وانعدام الخيال والضمير.

■ كاتب وأديب