رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

3 حكايات لـ«الاكتئاب الليلي».. «أسماء» تنهار باكية على أحداث لم تقع

الاكتئاب الليلي
الاكتئاب الليلي

هل هناك أسباب للاكتئاب الليلي؟ سؤال يشغل بال كثيرين خصوصًا من يعانون الأرق وصعوبات النوم.

وفي ظل التفشي الهائل لفيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19) الجائحة التي لم يشهد العالم مثلها في التاريخ الحديث، فإنَّ هذه المشكلات تزايدت بصورة كبيرة.

قلق وبكاء

في الثانية عشرة بعد منتصف الليل، تتقلب يمينًا ويسارًا بحثًا عن موضع لنوم جيد، فهي خلدت للنوم منذ حوالي ساعتين، وتوالت عليها الأفكار وأمور تتوهم أنها حدثت وتبكي من أجلها وفي الواقع لم تحدث بعد، إنها ليلة تمر بها أسماء عيد (28 عامًا) بشكل يومي فالقلق والاكتئاب يصاحباها بمجرد أن تخلد للنوم.

تقول «أسماء»: «لا أنكر أن القلق يساورني خلال النهار ولكنى ومع كل الأحداث التي أمر بها في ساعات نهاري أستطيع التغلب عليه، لكن خلال الليل أشعر وكأني فريسة تحت يد القلق يتمكن مني ولا أستطيع أن أحاربه فكل أسلحتي استخدمتها خلال اليوم وطاقتي فرغت فلا أجد أمامي سوى الاستسلام».

وتضيف: «أُعاني من هذا الشعور منذ 5 سنوات، ولم يحدث لي شيء جديد بحياتي كي أعلق عليه سبب حدوث القلق الليلي، ولكني فكرت في استخدام المنوم ولكن راجعت نفسي حتى لا أدمنه، ولكن بالفعل ساعات الليل لا تمر أنظر للساعة كل 5 دقائق ولكنها لا تزال كما هي، أتلهف بشكل كبير لسطوع الشمس كي أبدأ نهارًا جديدًا وأبعد عن أكثر وقت يؤلمني وهو الليل وما زلت أعاني للأسف».

البكاء دون سبب

وتذكر «أسماء» الأفكار التى تراودها قائلة: «أتخيل أن خطيبي على الرغم من أني لست مرتبطة خانني وتركني، وأظل أبكي كثيرًا وفي الحقيقة هذا لم يحدث، وتارة أتخيل أني في جنازة أبي أو أمي، أو أنني أحضر مشهدًا تمثيليًّا به بكاء شديد، وأقوم بأدائه بحرفية شديدة مما يجعلني أستنزف قوتي بالفعل ولا أقوى على معاودة نهاري كما يجب».

«فكرت في تغيير ديكور الغرفة، والذهاب لإحدى صديقاتي والنوم عندها، وأن أستعين بوالدتي للنوم معي، أشغل نفسي خلال النهار بشكل أكبر، كل الأمور السابقة فعلتها ولكن دون جدوى».

التركيز على الأحداث السلبية

لم تكن «أسماء» وحدها التي تعاني من القلق والاكتئاب الليلي، بل شاركها في ذلك شريف خالد (20 عامًا) الطالب في جامعة القاهرة، ولكن الأمر لدى شريف مختلف فهو يقضي الليل يتأمل في الأحداث ونوايا البشر وفي كل شخص قابله طوال النهار، والتركيز بشكل أكبر على الأحداث السلبية دون الإيجابية، ودائمًا ما يشعر بالوحدة على الرغم من وجود إخوته ووالده ووالدته بجواره في كل مكان- هكذا وصف شريف حالته.

ويضيف «شريف» أن «الرغبة في العزلة والشعور باليأس وعدم القدرة على النوم بالليل ترافقني دائمًا، ما يجعلني طوال الوقت عصبيًّا، وأحيانًا أشعر بضيق في التنفس وأرجع السبب لمعاناتي من عدم النوم».

ويضيف: «لاحظت أمى هذا الأمر وأصبحت موضع الاتهام على الفور فوجهت لي اللوم بالنظر إلى هاتفي طوال النهار، والكمبيوتر وغيرها من الأجهزة التكنولوجية التي يمكنها أن تسبب ذلك، ومنعتني منها طوال النهار ولكن دون جدوى، فرأت أن الحل الأنسب الذهاب للطبيب لمعرفة السبب الحقيقي وراء ذلك، وبالفعل ذهبت ولكني ما زلت في أولى مراحل العلاج».

كابوس ليلي

لم يكن القلق والاكتئاب وحدهما ما يمنع الشخص من التمتع بليلة نوم مريحة للأعصاب، بل شره الطعام والجوع الليلي من شأنه أن يحول دون هذا الهدف، وذلك ما سردته لنا شيماء حافظ (30 عامًا) ربة منزل.

تقول شيماء: «دائمًا ما أعاني من كوابيس طوال الليل ولا أستطيع النوم بعدها، إلى أن أدركت السبب وهو عدم مرور ليلة واحدة دون التلذذ بالطعام في فترة الليل بالأخص، وهذا ما فسره لي الطبيب النفسي عندما ذهبت له بعد معاناتي من عدم النوم ليلًا، ووصف حالتي بـ(النَّهِم) أي اضطراب الجوع الليلي».

ووصفت «شيماء» مرور الليل عليها: «لا أستطيع التحكم في رغبتي في تناول المزيد من الطعام غير الصحي خاصة بعد منتصف الليل، بالفعل أنا زائدة في الوزن ولكن ليس لدي رغبة في إنقاص وزني فأميل إلى الحلويات والمياه الغازية والبطاطس المحمرة وتصفتها»، قائلة: «دي عشقي».

واستكملت: «أشعر بالجوع بعد الاستيقاظ بساعات متعددة وأتناول وجبة الإفطار بعد العصر، ثم أتناول العشاء وأنتظر لتناول الطعام ليلًا، وكنت أعاني من اضطرابات في النوم وكوابيس باستمرار، وبمجرد استمراري في الحديث مع الطبيب الأمر في طريقه للزوال».

دراسة توضح مستويات القلق

ووفقًا لموقع healthline الطبي تعد مشاكل النوم والقلق تصاحب بعضهما البعض، ويمكن أن يكون قلة النوم سببًا للقلق، بينما يمكن أن يؤدي القلق أيضًا إلى قلة النوم.

وبحسب جمعية القلق والاكتئاب الأمريكية (ADAA)، أكثر من 50% من البالغين تؤثر مستويات القلق لديهم تؤثر على قدرتهم على النوم ليلًا.

قد يشعر الشخص بأن عقله يتسابق، ولا يمكنك إيقاف الأفكار، ودائمًا ما يركز على مخاوف اليوم أو توقع الأشياء في قائمة المهام الخاصة بك لليوم التالي، مما يؤدي هذا "الإجهاد" المتصور إلى أن يعاني الجسم من اندفاع الأدرينالين، ومن ثم صعوبة في النوم.

وفقًا لـADAA، تظهر الأبحاث أن اضطرابات النوم تحدث في جميع الاضطرابات النفسية تقريبًا.

في دراسة صغيرة عام 2015، درس الباحثون العلاقة بين العلاج السلوكي المعرفي (CBT) وجودة النوم لدى الأشخاص الذين يعانون من القلق، وجد الباحثون أن كلًّا من جودة النوم وكمون النوم (الوقت الذي يستغرقه النوم) تحسن في المشاركين الذين استجابوا للعلاج المعرفي السلوكي.

رأي الطب النفسي

يقول الدكتور محمد مهدي، أستاذ الطب النفسي، إن الاكتئاب الليلي هو نوع من الاضطرابات المصحوبة بأعراض عاطفية وبدنية ونفسية تؤثر سلبيًّا على الحياة اليومية، وأكدت الإحصائيات وصول عدد البالغين المصابين بالاكتئاب إلى 300 مليون شخص حول العالم، وهناك أشخاص يعانون من هذا النوع ليلًا، وهناك من يعانون بالنهار وتزداد الأعراض في الليل.

ويضيف أن هناك بعض الخطوات الواجب فعلها بحزم للتخلص من هذا الأمر، وإذا لم تفلح ضرورى التوجه للطبيب كي لا يتفاقم الأمر، مؤكدًا أن الأمر لا يقتصر على البالغين فهو ليس له عمر معين.

ويتابع: «ومن بين هذه الحلول التفكير في الأشياء الإيجابية، قراءة رواية مسلية، الكتابة، الرسم، الذهاب للصلاة، إطفاء الأنوار حتى تعطي فرصة لإفراز المخ هرمون السيروتونين وهو هرمون المزاج، بالإضافة إلى إيقاف تشغيل الشاشات والأجهزة الإلكترونية حولك قبل النوم بساعتين على الأقل، وممارسة بعض التمارين التى يمكن من خلالها الحصول على الاسترخاء كاليوجا».

أسباب اضطراب الجوع الليلي

وعلق الدكتور محمد مهدي أن السبب وراء اضطراب الجوع الليلي من الممكن أن يكون وراثيًّا، أو بسبب تفاعلات الهرمونات بالجسم ونقص هرمون «الميلاتونين»، وهو هرمون يتم إفرازه في الظلام ويساعد الإنسان على النوم، أو نقص في هرمون اللبتين أو الغريلين وكلاهما له دور في تنظيم الشهية.

ويختتم تصريحاته قائلًا «إن أغلب المرضى قد يكونون تعرضوا خلال الطفولة لسوء معاملة نفسية أو عاطفية من أشخاص حولهم، أو لإهمال جسدي خلال الطفولة».