رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مرحلة من الانضباط إلى الانطلاق


ترجع أهمية نجاح الدولة فى تأمين محاكمة المتهمين من جماعة الإخوان وعلى رأسهم الدكتور محمد مرسى فى أن الدولة بدت قادرة على فرض النظام، واستطاعت أن تضع خطة وتنجح فى تنفيذها، بينما فشل الطرف الآخر فى تحقيق أهدافه وخططه


دخلت مصر مرحلة جديدة ومهمة خلال الأسبوع الأول من نوفمبر وهى مرحلة سبق أن أشرنا إليها ولكن الأطراف لم تكن منتبهة إليها، فحين هددت الولايات المتحدة الأمريكية بقطع المعونة عن مصر أشرنا إلى أن الولايات المتحدة هى المستفيد الحقيقى والأول من هذه المساعدات، وكنا نتصور أن الإدارة الأمريكية قادرة على التنبه إلى أن تصرفاتها يمكن أن تفقدها الكثير مما تمتعت به فترة طويلة سابقة، كما دعونا إلى توسيع مجالات المناورة المصرية بتوثيق العلاقات مع الدول الأخرى، فى نفس الوقت فإن الدولة استطاعت أن تفرض النظام والقانون فى مواجهة محاولة حشد ليس محليا فقط، وإنما دوليا، وإذا كان الجانب الآخر لم يتمكن من الحشد الذى كان يهدف إلى تحقيقه نتيجة لأسلوب تأمين المحاكمة والدولة، فتحول إلى انتقاد خطة الدولة للتأمين، فإن المؤكد أن هذا يشير إلى تطور فى قدرات قوات الأمن لمواجهة التهديدات الموجهة إليه.

لست أريد أن أركز على المحاكمة وسيرها وتأمينها ومكان الحبس وموعد إعادة نظر القضية. وأتمنى أن تتجه أنظارنا إلى المستقبل حيث ليست هناك فرصة للحديث عن الماضى، فقد تعطلنا كثيرا بينما العالم يتقدم نحو أهدافه. أعتقد أن زيارة جون كيرى وزير خارجية الولايات المتحدة لمصر من أهم ما حدث فى الأسبوع الأول من نوفمبر، ولا ترجع أهمية الزيارة إلى أنه وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية فقط، وإنما الأهم هو أنه جاء إلى مصر يحاول استرضاءها بعد فترة حاولوا فيها أن يتخذوا فيها صورة «المُعلم» الذى يراقبنا ويصحح سلوكنا ومسارنا بل ويوقع العقوبات علينا، ويحدد ما يجب عمله ومالا يجب، صحيح أنه حاول أن يخفف من لهجته، إلا أنه كان متمسكا بصورة المعلم، بل والتلويح بالعصا، أقصد العقوبات. هذه المرة جاء الوزير يستعطف، ويكاد يستغفر، ومن الواضح أنه شعر بأن الأمور تفلت من يده باتساع مجالات المناورة أمام مصر سواء عربيا باتساع مجال التأييد والمعاونة متمثلا أساسا فى زيارات المسئولين لدولتى الإمارت والكويت وما صاحبها من اتفاقات، بالإضافة إلى علاقات قوية مع المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول العربية، وعالميا بتطور نوعى فى العلاقات مع الاتحاد الروسى، وكثير من الدول الأفريقية. كان من المهم أن تدرك الولايات المتحدة أنها لا يجوز أن تتعامل مع مصر بطريقة العقوبات، وهو ما حدث وما يجب أن يكون فى زيارة أعضاء الكونجرس القادمين قريبا. لكن من المهم أن ننبه إلى أن الوزير الأمريكى حاول أن يربط تراجع بلاده بالتقدم فى تحقيق خريطة المستقبل، وهو ما يجب تنبيهه إلى خطئه، حيث إن هذا شأن مصرى داخلى ليس من حق أحد التدخل فيه. وربما كان من المهم التنبيه إلى هذه النقطة ونحن نتوقع زيارة مسئولين أمريكيين آخرين من الحكومة والكونجرس. هنا لا بد من استغلال الزمن بأقصى درجة، ومن اللافت للنظر أن الحكومة اتجهت إلى معالجة قضية العشوائيات وهى قضية صعبة وخطيرة، بل وتمثل امتحانا للحكومة، بل للحكومة والشعب فى آن واحد. كذلك فإن تنويع مجالات الحصول على الاحتياجات يجب أن يسير بحذر حتى لا ننزلق إلى التحول من اتجاه إلى آخر.

ترجع أهمية نجاح الدولة فى تأمين محاكمة المتهمين من جماعة الإخوان وعلى رأسهم الدكتور محمد مرسى فى أن الدولة بدت قادرة على فرض النظام، واستطاعت أن تضع خطة وتنجح فى تنفيذها، بينما فشل الطرف الآخر فى تحقيق أهدافه وخططه، ويأتى هذا التطور بعد أن تدخلت الشرطة لفرض النظام فى الجامعات على إثر محاولات الإرهاب وبث الفوضى والتخريب فى أغلب الجامعات، كما صاحب ذلك محاسبة الطلبة المسئولين عن هذه الأعمال وتوقيع العقوبات عليهم، حيث يعنى ذلك أن يد القانون عادت لتفرض نفسها وتضبط الشارع المصرى الذى عانى طويلا الفوضى وعدم الانضباط، وهكذا نستطيع أن نأمل فى أن تتحقق الخطط وأن نحافظ على ما أنجزناه، إذ إن الفوضى وعدم الانضباط كثيرا ما تعوق تحقيق الخطط، بل وتؤدى إلى إحباط وإفساد ما يتحقق، والأمن هو أول ما تتطلبه التنمية حتى تحقق أهدافها، ولكنه مطلب صعب، والمحافظة عليه حتى بعد تحقيقه أصعب.

أرجو أن تكون سمات الأسبوع الأول من نوفمبر دليلا على قدرتنا، حكومة وشعبا على معالجة قضايانا، وأن ننطلق إلى المستقبل بعد أن استوعبنا دروس الماضى، ودون أن نتجاهل نتائجه، فقد أصبح الكثير منها واقعا، وأرجو ألا ننسى معالجة قضية المبانى التى أقيمت على الأرض الزراعية، والعمارات التى بنيت مخالفة للمواصفات.

■ خبير سياسى واستراتيجى