رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحمد الطاهرى يكتب: لماذا لم يستجب حكام الولايات لنداء ترامب؟

أحمد الطاهرى
أحمد الطاهرى


كما كان متوقعًا.. فشل حظر التجوال فى احتواء نيران الغضب والفوضى التى اندلعت فى نحو ٧٥ مدينة أمريكية، حسب تقديرات التقارير الإعلامية الأمريكية، وبذلك يكون حادث مقتل جورج فلويد قد شكل خارطة غير مسبوقة من الاحتجاجات الفوضوية من الساحل الشرقى إلى الساحل الغربى، ومن العاصمة السياسية إلى أهم المدن الاقتصادية والسياحية، وواقع الأمر أن الاحتجاجات، وإن كانت تمثل حلقة جديدة لسلسلة قديمة ومتكررة، فإن توقيتها وتزامنها مع عدد من الملفات السياسية فى الداخل الأمريكى وتشابكها مع أولويات أمريكية على المسرح الدولى جعل لها عناصر حاكمة فى قراءة المشهد، منذ اللحظة الأولى أشرنا لبعضها، أمس، وأضيف إليها اليوم مستجدات تمضى فى السياق ذاته.
أولًا: حصار ترامب
كنا قد أشرنا، أمس، هنا على صفحات «الدستور» أن نجاح حظر التجوال فى مدن الفوضى مرهون بتعاون حكام الولايات- ومعظمهم ينتمون إلى الحزب الديمقراطى- مع نداء الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بكبح جماح الفوضى.. وتقول مشاهد أمس إن المعركة السياسية لها دور كبير فى تأجيج الوضع، حيث لم يقم باستدعاء الحرس الوطنى إلا حكام ست ولايات فقط.
وهذا ما دفع دونالد ترامب إلى الاشتباك من خلال مواقع التواصل الاجتماعى مع حكام الولايات المنتمين إلى الحزب الديمقراطى، قائلًا: «لماذا لا تستدعون الحرس الوطنى الآن؟ هؤلاء ليسوا متظاهرين ولكنهم أناركيون، العالم يشاهدكم ويضحك عليكم أنتم وجو النايم- فى إشارة إلى خصمه الانتخابى جو بايدن- ثم تساءل: هل هذه أمريكا التى تريدونها؟».
لم يكن ترامب بمُخرف عندما قال ذلك.. عمدة نيويورك خرج، أمس، وأشار إلى عناصر تتعمد التخريب والسرقة والنهب، وأن المظاهرات ليست بريئة.
ثانيًا: أنتيفا والكتلة الحرجة من مشردى كورونا
اتهم الرئيس الأمريكى حركة «أنتيفا» بالتورط فى سلب ونهب المؤسسات المالية وتنظيم أعمال عنف، وكان لافتًا ربط دونالد ترامب حركة «أنتيفا» بـ«الأناركية»، متوعدًا بتصنيفها حركة إرهابية.
والأناركية فى تبسيطها السياسى تعنى «غياب الحكم» أو «غياب السلطة» وغياب الهيمنة والتسلسل الهرمى، وهى أخطر أنواع الفوضى المنظمة.. وهو ما تعرضت له مصر والدول العربية على يد تنظيمات وجماعات مشابهة، فيما سمى كذبًا بالربيع العربى، ولذلك كان أول ما لفت المشاهد المصرى والعربى هو تشابه عمليات السرقة والتخريب فى أمريكا بما جرى لأوطانهم.
وكان متوقعًا نشاط «أنتيفا»، التى تشكل معاداة صريحة للرأسمالية بعد الكوارث الاجتماعية التى خلفتها جائحة كورونا داخل الولايات المتحدة، وتضاعف أعداد المشردين فى شوارع أمريكا، فضلًا عن فقدان ٤٠ مليون أمريكى وظائفهم.. وهى المعركة الاستراتيجية للولايات المتحدة، كما حددها سلفًا هنرى كيسنجر فى نظرته لعالم ما بعد كورونا، وأنه على أمريكا حماية النموذج الليبرالى فى الخارطة العالمية الجديدة.
اشتباك ترامب مع حركة «أنتيفا» كان خطوة غير متوقعة، لكنها تتسم بقدر من الذكاء.. كان المتوقع أن يخرج ترامب بخطاب موجه للشعب الأمريكى مثلما فعل كل رؤساء أمريكا فى أحداث مشابهة، لكنه أراد تغيير صفة وتسمية ما يجرى من احتجاجات قبل أن يتحدث هذا من جهة، ومن جهة أخرى يعطى قدرًا أكبر من المشروعية لسلطات الحرس الوطنى للسيطرة على الشارع، فهم لا يواجهون متظاهرين سلميين، ولكن جماعة تسعى للفوضى المنظمة.
ثالثًا: تحركات بايدن وتحركات قطر
ظهر بايدن، نائب الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما والمرشح عن الحزب الديمقراطى فى انتخابات نوفمبر المقبل الرئاسية- فى المشهد المتفجر.. نزل بايدن ليسير على حطام المتاجر المنهوبة دون أن يلتفت، فقط كان يريد لقطة مصورة مع المتظاهرين ليعلن دعمه الكامل لهم، محملًا المشهد برمته لسوء الإدارة السياسية، وهو المعنى الذى تنسجه الماكينة الإعلامية المعادية لترامب.. وكان من الطبيعى أن تنشط قطر فى الماء السياسى العكر.
ليس سرًا التحالف القديم بين إدارة أوباما والحكم فى قطر، فقد قدمت الدوحة ٢٠ مليون دولار لحملة هيلارى كلينتون أملًا فى مد أجل هذه التركيبة السياسية داخل البيت الأبيض، وبدا واضحًا فى اليومين الماضيين رهان قطر على إزاحة ترامب الذى ضيّق عليها كثيرًا تارة بتحذيرها صراحة من الاستمرار فى تمويل الإرهاب، وتارة أخرى بعدم الاستجابة لمطالبها بكسر المقاطعة العربية لها، فضلًا عن الطامة الكبرى بضرب مشروع الإسلام السياسى فى المنطقة.
تحركت قطر فى الأحداث من خلال تغطية منحازة لقناة الجزيرة، وفتحت المجال لنشطاء من داخل واشنطن معروف توجههم وانتماؤهم الفكرى لجماعة الإخوان الإرهابية، وشنوا هجومًا بالغًا على إعلان ترامب منظمة «أنتيفا» منظمة إرهابية، وهو أمر له دلالة واضحة.. ثم من خلال مقال هش فى نيويورك تايمز يستهدف متانة العلاقة بين الإدارة الأمريكية والإدارة المصرية.. وغدًا نكمل.