رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هؤلاء هم الإخوان 2

على أمين يكتب: لو لم تهتز يد محمود عبداللطيف

على أمين
على أمين

نحتاج دائمًا للعودة إلى الوراء، فمن لم يقتنع بالحاضر علّه يجد العبرة فى الماضى، ومن يقف متشككًا علّه يجد ما يحسم به شكوكه.
فصول هذه القصة تعود إلى عام ١٩٥٤، حين حاولت جماعة الإخوان الإرهابية اغتيال الزعيم جمال عبدالناصر، وكان يشغل وقتها منصب رئيس مجلس الوزراء، وذلك أثناء إلقاء خطاب فى ميدان المنشية بالإسكندرية.
عقب ذلك تشكلت «محكمة الشعب» برئاسة جمال سالم، وعضوية أنور السادات وحسين الشافعى، وأصدرت عدة أحكام كان من أشهرها الحكم بالإعدام على محمود عبداللطيف، المتهم الرئيسى فى الحادث، ويوسف طلعت وهنداوى دوير ومحمد فرغلى وعبدالقادر عودة وحسن الهضيبى، مرشد الجماعة وقتها، الذى خفف عنه الحكم لاحقًا إلى الأشغال الشاقة المؤبدة. ومع انتهاء فصول هذه القضية صدر كتاب «هؤلاء.. هم الإخوان»، الذى ضم مقالات متنوعة لطه حسين ومحمد التابعى وعلى أمين وكامل الشناوى وناصر الدين النشاشيبى وجلال الدين الحمامصى، وهو كتاب يقدم مواقف هؤلاء «الكبار» من الحادث.

لو لم تهتز يد محمود عبداللطيف
ماذا كان يحدث لمصر لو لم تهتز يد محمود عبداللطيف «المتهم الرئيسى فى حادث المنشية الذى أطلق الرصاص على عبدالناصر»؟
كانت الخطة الموضوعة هى قتل جميع أعضاء مجلس قيادة الثورة والتخلص من ١٦٠ ضابطًا بالقتل أو الخطف ثم تأليف وزارة تأتمر بأمر الإخوان لتمهيد الطريق لحكومة من الإخوان.
فماذا كان يحدث لو تولى الإخوان الحكم؟
سيملأ الهضيبى ١٢ وزارة خالية باثنى عشر عضوًا من مكتب الإرشاد.
وسيغضب مائة عضو لم يجد لهم وزارات وسيقول السمكرى محمود عبداللطيف إنه صاحب الانقلاب وسيطالب بوزارة! وسيقول المحامى هنداوى دوير إنه العقل وراء الانقلاب لأنه اختار السمكرى ويطالب بوزارة، وسيقول عبدالقادر عودة إنه هو الذى اختار المحامى الذى اختار السمكرى وسيطالب بوزارة لنفسه أيضًا!
وسيقبض الهضيبى على السمكرى ومحامى السمكرى ومحامى محامى السمكرى ويضعهم فى السجن!
ويجتمع المائة عضو الذين خرجوا من المولد بلا حمص ويؤلفون جهازًا سريًا للخلاص من الهضيبى.
وتنطلق ٨ رصاصات أخرى وإذا طاشت فسيقبض الهضيبى على المائة عضو، وإذا أصابت فسينفذ أعضاء الجهاز السرى الجدد الخطة الموضوعة ويقتلون جميع وزراء الهضيبى ويتخلصون من ١٦٠ من أنصاره بالقتل أو الخطف ثم يتولون الوزارة!
وتمتلئ ١٢ وزارة باثنى عشر عضوًا من مكتب الإرشاد ويغضب الباقى.
وتنطلق ٨ رصاصات أخرى وتتكرر الانقلابات!
ولكن ماذا سيحدث لمصر خلال هذه الفترة؟
إن الأستاذ الهضيبى يرى أن الفائدة التى تتقاضاها البنوك تتنافى مع الإسلام، ولذلك سيمنع البنوك من أن تتقاضى فوائد من المدينين، ولما كانت البنوك ليست جمعيات خيرية فسترفض أن تقرض أحدًا، ولما كانت كل الشركات والمصانع لا تستطيع أن تعيش بغير تمويل البنوك فستقفل كل المصانع أبوابها ولا يبقى فى مصر إلا باعة الترمس والفول السودانى، لأنهم لا يعتمدون فى تجارتهم على البنوك!
وستغلق كل الشركات الأجنبية أبوابها وتسرح عمالها وموظفيها، لأنها لا يمكن أن تتعامل إلا على أساس القانون المدنى الحديث، وحكومة الإخوان ستطبق القانون الذى كان متبعًا منذ ألف عام، وستمتلئ الشوارع بالعمال العاطلين، والبطالة ستشجع الإجرام فتتألف عصابات لقطع الطريق وسلب المارة.
وستغلق حكومة الإخوان المسارح والملاهى وتمنع بيع الخمور وسينقطع على الفور مورد السياحة، فالسائح لا يمكن أن يزور بلدًا لا مسارح فيه ولا ملاهى، وستستأنف عصابات لتهريب الخمور إلى داخل القطر، فتضيع من الدولة ملايين الجنيهات التى تتقاضاها من رسوم الجمارك وتدخل فى جيوب المهربين!
وستلزم حكومة الإخوان المرأة المصرية بأن تلتزم بيتها، وإذا خرجت منه فلن تخرج إلا وعلى وجهها برقع كثيف! وستمنع دخول أدوات الزينة والتواليت، لأنها تزيف الملامح التى خلقها الله، وستغلق المحال التجارية أبوابها وستضيع من الدولة ملايين أخرى كانت تتقاضاها من رسوم الجمارك على أدوات الزينة.
وستواجه الدولة بسبب هذه الإجراءات بنقص ضخم فى ميزانيتها يصل إلى حوالى المائة مليون جنيه فى العام، فتبدأ فى فصل الموظفين وتخفيض عددهم إلى النصف ثم تضطر إلى تخفيض مرتبات الباقين إلى النصف.
وستقف المشروعات وسيبقى القطن مكدسًا فى مزارع الفلاحين، لأن معظم مستوردى القطن سيرفضون التعامل مع حكومة من المتعصبين.
وستلغى اللغات الأجنبية وتفرض الكتب العربية القديمة على المدارس والجامعات، فلا يدرس طلبة الطب إلا كتاب ابن سينا، ولا يدرس طلبة الطيران إلا مخاطرات ابن فرناس الذى حاول أن يطير منذ ألف سنة فى الجو بجناحى طائر فسقط قتيلًا!
وسيغلق الحلاقون محالهم لأنه سيصدر قانون يلزم كل الرجال بإطلاق ذقونهم!
وستختفى السيارات وتحل محلها العربات الكارو!
وستختفى البنطلونات وتحل محلها الجلابيب والقفاطين!
وسيغلق أطباء العيون والآذان عياداتهم، لأن السعداء فى عهد الإخوان هم الذين لا يبصرون ولا يسمعون.
ولهذا شاءت رحمة الله بمصر وشعب مصر أن يهتز المسدس فى يد عبداللطيف.


إرهاب بالجملة
اعترف الإخوان بأنهم هم الذين قتلوا النقراشى، رئيس الوزراء، والخازندار، رئيس المحكمة، وحاولوا نسف محكمة الاستئناف ودور السينما والمنشآت العامة، واعترف الهضيبى أن رئيس الجهاز السرى استأذنه أخيرًا فى عمل مظاهرات مسلحة، وأنكر الهضيبى أنه استؤذن فى اغتيال جمال عبدالناصر، فإذا كان هذا صحيحًا فمعنى ذلك أن الجهاز السرى اعتبر أن اغتيال رئيس وزراء مصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة و١٦٠ ضابطًا وعشرات من المدنيين المصريين من المظاهر البسيطة للمظاهرات المسلحة، وأن لا داعى لاستئذان المرشد العام فى هذه المسائل الصغيرة!
وهذا الاعتراف من أخطر الاعترافات التى أذيعت فى تاريخ الجماعات والأفراد، فقد تعودنا أن يتبرأ الزعماء من أعمال الإرهاب التى اشترك فيها بعض أنصارهم بل يتبرأون من هؤلاء الأنصار ويقسمون إنهم اندسوا خلسة فى صفوفهم، ولكن الهضيبى اعترف هذا الأسبوع بأن كل جرائم الاغتيالات والنسف التى حدثت فى تاريخ مصر الحديث كانت من تدبير الإخوان وتنفيذهم.
وخطورة هذا الاعتراف أن الاغتيال السياسى عادة هو حماقة يرتكبها شاب مجنون.. ولكن حين يصبح هذا الاغتيال سياسة مرسومة لجماعة من الناس يختلف الوضع ويتطلب الأمر علاجًا سريعًا حاسمًا.
فهذا الإرهاب لم يعد فكرة للخلاص من حاكم، وإنما أصبح وسيلة سياسية للخلاص من كل إنسان يختلف مع أعضاء الجهاز السرى!
فإذا رأى أعضاء الجهاز السرى أن دخول السينما حرام، فسينسفون دور السينما بمن فيها من سيدات وأطفال، وقد حدث هذا فعلًا فنسفت سينما مترو ونسفت سينما ميامى! وإذا رأى أعضاء الجهاز السرى أن محكمة الاستئناف تطبق القانون المدنى ولا تطبق قانون الجهاز السرى، فمن حق هذا الجهاز أن ينسف المحكمة بمن فيها من مستشارين وقضاة ووكلاء نيابة ومتقاضين وكتبة وشهود.. وقد حاولوا فعلًا نسف المحكمة منذ سنوات.
وإذا اختلف أعضاء الجهاز السرى مع عضو من أعضائه القدماء فمن حقهم أن يقتلوه نسفًا، كما قتلوا السيد فايز ونسفوا معه شقيقه الصغير الذى لم يزد عمره على ثلاث سنوات.
وإذا اختلف أعضاء الجهاز السرى مع رئيس الحكومة فمن حقهم أن يقتلوه.. كما قتلوا أحمد ماهر والنقراشى وحاولوا قتل جمال عبدالناصر!
وإذا رأى الجهاز السرى أن التعليم فى جامعة القاهرة يعتمد على الأبحاث الأجنبية العلمية غير العربية، فمن حقهم أن ينسفوا جامعة القاهرة بمن فيها من طلبة وطالبات وأساتذة.
وإذا رأى الجهاز السرى أن سيدات البيوت يخرجن فى الشارع سافرات وهذا لا يتفق مع تقاليد الجهاز، فمن حقهم أن يقتلوا كل سيدة تسير سافرة فى الطريق العام، وأن ينسفوا دار كل فتاة تطل من النافذة أو تحلق شعرها على طريقة مارلين مونرو!
فالإرهاب لم يعد موجهًا ضد زعيم أو رئيس حكومة، وإنما أصبح موجهًا ضد جميع طبقات الشعب وكميات الجليجنايت والديناميت التى كانت مخبأة، لم تكن معدة لقتل جمال عبدالناصر وحده ولا لقتل زملائه التسعة ولا لقتل ١٦٠ ضابطًا من الضباط الأحرار.. إنما كانت معدة لقتل عشرات الألوف من أفراد الشعب.. معدة لقتلى وقتلك، معدة لقتل ابنك وهو فى السينما وزوجتك وهى تشترى من المحل التجارى، وأخيك وهو يعمل فى المؤسسة، ووالدك وهو يشهد فى المحكمة.
فالمواد الناسفة لا تصوب إلى فرد، وإنما إلى المجموعات المارة فى الشارع.. النائمين فى بيوتهم.. الجالسين على مكاتبهم.
فقضية الإرهاب لم تعد قضية الحاكم، لقد أصبحت قضيتك أنت وقضيتى وقضية أسرتك وأسرتى وقضية شعب بأكمله!
ويوم نقضى على هذا الإرهاب تستطيع أن تخرج من بيتك وأنت واثق أنك ستعود إليه فلا تجده أنقاضًا!