رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أ.د الهلالي الشربيني الهلالي يكتب: حروب الصمت.. وتحديات الأمن القومي العربي

الهلالي الشربيني
الهلالي الشربيني الهلالي

يقصد بحروب الصمت حروب الجيلين الرابع والخامس، و"حروب الجيل الرابع " مصطلح وضعه فريق أمريكي برئاسة ويليام لاند عام 1989، ويقصد به تلك الحروب التي تعتمد على زعزعة أمن الدولة المستهدفة واستقرارها بغرض إفشالها وفرض واقع جديد عليها، وذلك من خلال تفتيتها من الداخل وتقسيم جيشها إلى فرق وميليشيات والوقيعة بينه وبين الشعب.

ويتم التركيز فى هذه الحروب على توظيف تكنولوجيا المعلومات فى نقل الحرب إلى منطقة ضبابية تقع بين العمل العسكري والعمل السياسي ويقوم بالحرب فيها مقاتلون أو سياسيون أو كلاهما معًا، وتستخدم فيها وسائل الإعلام والتعليم ومنظمات المجتمع المدني والمعارضة السياسية، وغالبًا ما تدار بواسطة المعارضين في دولهم، وتستخدم فيها تكتيكات مختلفة استنادًا على قاعدة غير وطنية أو عبر الأوطان.

وتتميز هذه الحروب بعدم وجود تسلسل هرمي مُقنن لمن يقومون بتنفيذها، فهي تدار بشكل لامركزي، وتطبق فيها أحدث نظريات علم النفس بهدف التلاعب بنظم ووسائل التعليم والإعلام، كما تُستخدم فيها جميع الضغوط المتاحة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وعسكريًا، وتعتمد على أساليب التمرد وحروب العصابات، ويتميز من يقومون بتنفيذها بالمثابرة والمرونة والعمل بعيدًا عن الأضواء عند الحاجة، وصغر حجم عناصرهم، وقد يلجأون لتكتيكات مسلحة أو أعمال إرهابية ضد البنية التحتية للدولة المُستهدفة.

وقد ظهر مفهوم "حروب الجيل الخامس" للوجود فى عام 2010 عندما اجتمعت مجموعة من المفكرين الأمريكيين المهتمين بموضوع الأمن القومي، تضم دبلوماسيين وعسكريين، وقانونيين، وضباط مخابرات، وخبراء إنترنت وتواصل اجتماعي، وعلماء نفس واجتماع، ومتخصصين فى العلوم السياسية، واتفقوا على أن حروب القرن الواحد والعشرين، وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، تتطلب نظرة مختلفة عما كان يحدث في حروب الماضي.

وتعرف هذه الحروب بأنها حروب أفكار، وتدار بأسلوب تدمير الخصم معنويًا ونفسيًا، عن طريق نشر مشاعر الخوف، وفقدان الثقة لدى أفراد المجتمع بالنفس من ناحية وتجاه قادته السياسيين والعسكريين من ناحية أخرى، من خلال بث معلومات مجهزة بشكل مسبق على شبكة الانترنت، وخلق مجال تواصل افتراضي يسمح بإضافة معلومات من جانب المستخدمين حتى يكتمل التأثير العام، مع إيجاد شبكة متقاربة مع بعضها من المتابعين لهذه العملية للسيطرة على تدفق أي معلومات مضادة لما يتم نشره.

وتدار هذه الحروب بقيادة خبراء متخصصين متعددي المهارات والمعارف والخبرات، على المستويات العسكرية والمدنية، ولديهم قدرات فائقة على النفاذ إلى وسائل التواصل الاجتماعي باحترافية عالية، وزرع أفكار تستهوي بعض من يستخدمون هذه الوسائل ويتأثرون بخطابها، بهدف السطو على عقولهم وتحويلهم إلى جبهة داخلية معارضة في بلادهم تعمل على إدخال دولهم فى حروب أشباح صغيرة ومتوسطة تستنزف طاقاتها داخليًا وخارجيًا.

وفى ضوء ما تقدم يتضح أن حروب الجيلين الرابع والخامس هي حروب تتم من خلال الفضاء الإليكتروني ويسعى فيها العدو لاحتلال العقول بدلًا من احتلال الأرض أو البحر أو الجو، وبعد أن يتمكن من احتلال عقلك بدلًا من احتلال أرضك، يبدأ فى توجيهك لتتكفل أنت بتنفيذ باقي المطلوب، من خلال دفعك للدخول فى معارك لا تعرف فيها خصمك الحقيقي، تطلق فيها النار في كل اتجاه لكنك لا تصيب عدوك الحقيقي، إنها حروب تستخدمك أنت في تدمير أهلك ووطنك بالوكالة لصالح طرف ثالث في مكان آخر خارج الميدان يشاهد عمليات التدمير التي تتم والانتحار الجماعي الذي يحدث ويضحك ساخرًا منك ومن أمثالك، وهذا ما يحدث بالضبط في ميادين الحرب الموجودة بطول المنطقة العربية وعرضها حاليًا.

ومع وجود كل هذه التحديات يشير الواقع إلى أن العرب – للأسف - لم يتفقوا يومًا على مفهوم الأمن القومي العربي الشامل؛ حيث إن كل بلد عربي يحدد ملامح الأمن القومي العربي وعلاقته بأمنه الوطني حسب مفهومه واحتياجاته وتحالفاته، الأمر الذى يترتب عليه حالة من الغموض والضبابية لدى الجميع؛ فالكل لا يعلم بالتحديد من أين يبدأ الأمن القومي العربي وأين ينتهي، ومتى يبدأ أمن كل دولة منفردة ومتى ينتهي، وكيف ومتى وأين يتم الانحياز لأحدهم على حساب الآخر ولماذا، يحدث كل هذا في وقت بات فيه لكل الدول ولجميع التكتلات والتحالفات في العالم مفاهيم واضحة المعالم والحدود لأمنها القومي، وفى ظل هذا الوضع لم يتم بناء نظام تعليمي أو إعلامي قوى وتوظيفه لإحداث حالة مستقرة ودائمة من الضبط الاجتماعي تكون أساسًا متينًا لتثبيت دعائم الأمن القومي العربي الشامل.

- وزير التربية والتعليم والتعليم الفني السابق