رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مشروب مختلف عليه.. «البوظة» بين العادات والتسمم وخلاف الفقهاء

مشروب البوظة
مشروب البوظة

" البوظة" مشروب شعبي يقبل عليه البعض كغيره من المشروبات الموسمية أو كأحد العادات المتوارثة عبر الأجيال في بعض المحافظات والأماكن، رغم الاختلاف بين عدد من الفقهاء على جواز شربها أو معاملتها معاملة المسكرات، إلا أنها زادت عن المشروبات الأخرى المعروفة في الشارع المصري، بارتباطها أيضًا بالعديد من حالات التسمم في المحافظات المختلفة، والتي كان آخرها ما حدث منذ أيام من تسمم 18 شخصًا نتيجة تناول "البوظة" بمنطقة العسيرات بمحافظة سوهاج.

وشنت الأجهزة المعنية حملة مكبرة لضبط البائع المسؤول عن بيع هذه "البوظة"، وتمكنت من ضبط 5 أطنان منها كانت معبأة داخل براميل بلاستيك زرقاء اللون تخص الصبغات والمواد الكيماوية، وأيضا مصنعة داخل أوعية من الألومنيوم الردئ، وبفحصها ظاهريًا تبين عدم صلاحيتها للاستهلاك الآدمي لوجود ذباب متساقط بداخلها وفي حالة تخمر وتنبعث منها رائحة كريهة، ومصنعة في أماكن غير مرخصة، وغير مستوفية لأدنى الشروط الصحية الواجب توافرها، وتعتبر مجهولة المصدر.

و"البوظة" عبارة عن دقيق أو شعير، وسكر، وماء يقلب الخليط على النار، ويضاف إليه الخميرة، والبعض يضع ماء الورد عليها ثم توضع فى الثلاجة فترة، لتشرب مثلجة أو تترك فتخمر وتصبح من المسكرات.

وحسبما قال عصام محمد - أحد تجار البوظة بمحافظة سوهاج- فقد دخلها الغش فاستبدل البعض الدقيق بالخبز الجاف بعد بله بالماء وتصفيته، وأحيانًا قد يتسبب الحر الشديد في فسادها فتسبب حالات قيء شديد وإسهال يصل أحيانا لتسمم إذا لم يجد المريض العناية الطبية اللازمة.

وأوضح عصام أنه يجهزها في بيته ويخصص لها الدور الأرضي والذي يكون كله عبارة عن سيراميك بالحوائط والأرضيات، ومراوح كهربائية حتى يكون الجو رطبًا ودرجة الحرارة معتدلة فلا تتغير خواصها وتصبح من المسكرات، مشيرا إلى أن لها ماكينة مخصصة لخلطها ومزج مكوناتها وهي ماكينة شبيهه بماكينة الكنافة بالضبط، ولا يدخل هذا المكان سوى من يعمل عليها فقط ويرتدي القفازات وواقيا بالقدمين".

وتباع "البوظة" المصرية في محلات العصير وعلى الكباري والطرق والأسواق الشعبية، الأمر الذي غالبًا ما يجعلها خارج سيطرة الأجهزة الصحية، ويطلق عليها السوهاجية "مشروب الغلابة"، تشرب من البلاص أو من "الجركن" أو من الزير المصنوع من الفخار وهي كتجارة تعتمد عليها الكثير من الأسر في دخلها ومصدر رزقها، ومنها ما يباع محلى بالسكر أو سادة ليقوم الزبون بوضع السكر المناسب له.

ويضيف أنها تُصنع من الدقيق الفاخر الذي يصنع منه الخبز "الفينو"، ويوضع بالماكينة ويضاف له الماء الساخن ويترك لمدة ساعة والنصف تقريبًا حتى يتم خلطها جيدا ثم يتم تفريغها في إناء كبير ويغطى ويترك حتى اليوم الثاني، وبعد ذلك يتم تصفيتها من الشوائب وتعبئتها في براميل وجراكن بلاستيكية، كما يتم تحليتها حسب الطلب أثناء بيعها للزبائن في وقتها.


وأكد "عصام" أن مشروب البوظة بحد ذاته ليس له أي أضرار مطلقًا إلا في حال عدم حفظه جيدًا، الأمر الذي يتسبب بالتسمم للبعض، موضحًا أنه يعمل بمهنة تجارة البوظة منذ عدة سنوات عديدة وتوارثها عن والده الذي توارثها بدوره عن والده، ويشرب منها الأطفال والشباب والكبار والشيوخ ولم يصاب أحد بأذى ممن قدمهها لهم.

و يتفق معه صابر أحمد - تاجر أخر للبوظة بمحافظة الإسكندرية-، موضحًا أن مشروب البوظة إذا صناعتها مع اتخاذ احتياطات النظافة، والحفظ الجيد فلا خطر على ممن يشربها ومثله في ذلك مثل جميع المشروبات والمأكولات على حد وصفه.

موضحًا أن صناعة البوظة تطورت كثيرًا عن الماضي وأصبحت تستخدم الماكينات في عمليات التصنيع بدلًا من الطريقة اليدوية القديمة الأمر الذى يزيد من عملية النقاء والنظافة والأمان، متابعا أنه وعلى الرغم الهجوم الشديد من قبل البعض وخاصة مراقبة الأغذية على تجار البوظة "فأننا نحمل شهادات صحية ولنا أماكن تصنيع معروفة للجميع والإقبال علينا كبير".

ويذكر أنه قد اختلف الفقهاء حول شراب البوظة، وحرمها كثير منهم، فعلى الرغم من أن البُوظة شراب يصنع من القمح، إلا أن شرب كمياتٍ منه يسكر، فهى خمر وإن سمّاها الناسُ بغير ذلك، وقد روى أحمد عن النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "لَيَستَحِلَّنَّ طائفة مِن أُمَّتِى الخمرَ؛ يُسَمُّونها بغير اسمها".

وقد روى جابر بن عبد الله رضى الله تعالى عنهما أن رجلا قَدِم من جَيشانَ-وجيشان من اليمن- فسأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن شَراب يشربونه بأرضهم من الذُّرة يقال له: المُزر، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "أَو مُسكِر هو؟ "قال: نعم، قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "كل مسكر حرام، وإن عند الله عَهدا لَمَن يَشرَبُ المُسكِرَ أن يَسقِيَه مِن طِينة الخَبالِ"، قالوا: وما طينة الخبال؟ قال: "عَرقُ أَهلِ النارِ" أو: "عُصارة أَهل النار" رواه مسلم والنسائي.