رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كتاب يحسم معركة علي جمعة وزاهي حواس حول النبي إدريس

علي جمعة وزاهي حواس
علي جمعة وزاهي حواس

تسببت تصريحات الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية الأسبق عن بناء الأهرامات، والتي رجح فيها أن النبي إدريس هو من بدأ البناء وأن تمثال أبو الهول الشهير تجسيد له، وفور إذاعة هذه الحلقة، شن عالم الآثار الدكتور زاهي حواس، هجومًا شرسًا على ما صرَّح به الدكتور علي جمعة، وأصدر بيانًا صحفيًا، قال فيه: "ليس هناك أي داعٍ لأن يتحدث رجل فقيه في الآثار؛ خصوصًا أنه تحدث بمعلومات عن الآثار لا تمت إلى العلم بصلة، بل هي معلومات رددها الكثيرون من مهووسي الآثار دون علم أو دراسة، ولا يمكن للشيخ علي جمعة أن يأتي في حديث تليفزيوني ويفتي في أشياء ليست من تخصصه، وهو لم يكتب مقالًا علميًّا واحدًا في علم الآثار".

تصريحات "جمعة" وبيانات "حواس" حول النبى إدريس بين الحقيقة والأسطورة، يحسمها كتاب "تأملات بين العلم والدين والحضارة" للدكتور محمد فتحي عبد العال، والصادر عن دار ميدان خلال العام الجارى 2020، حيث يقول مؤلفه:"حينما نتحدث عن النبي ادريس عليه السلام فنحن أمام معالم شخصية فريدة يصعب معها الفصل بين الحقيقة والأسطورة لندرة الثوابت فيها، وترك العنان للمؤرخين والمفسرين في سد ثغرات القصة قليلة المحتوى عبر تصورات وآراء ونظريات متنوعة.

وفي البداية نتوقف عند اسم هذا النبي والذي يشهد تباينا بين الأديان والحضارات المختلفة إلا أن اتفاقا حول طبيعة الدور المؤثر الذي لعبه عبر التاريخ الإنساني جعله مخلدا بصرف النظر عن الاسم الحقيقي لهذا النبي الحكيم فهو هرمس الهرامسه وأوزوريس عند قدماء المصريين واخنوخ في الانجيل والتوراه وإدريس عليه السلام في القرآن الكريم، ويقول المؤرخون إنه ينتسب إلى أمة "السريان" أقدم الأمم، وملتهم هي ملة الصابئين ويعتقد أنه دنانوخ الوارد ذكره في كتاب الصابئة المقدس وهي ديانة الله الأولى التي أنزلت على نبيه ورسوله آدم ولهم كتابهم المنزل الذي يسمى جنزاربا (أي الكنز العظيم)، ويعتبر النبي "دنانوخ ادريس" رابع أنبياء الصابئة. كما يذهب البعض الي كونه إله الحكمة عند المصريين والذي يسمى بالإله " تحوت " أو" توت " كما ينسب إليه مجموعة من النصوص تسمى متون هرمس وهي تنطق بالوحدانية لله، وتنفي عنه صفة الألوهية وتثبت أن المصريين القدماء عرفوا التوحيد في العصور الأولى.

ويستطرد قائلًا ننتقل إلى تساؤل هام: هل من المعقول أن رمزا للحكمة والمعرفة كأدريس عليه السلام عاش في عصر الفراعنة ولا يخلد بأثر باق ؟!!.. يذكر غير واحد من المؤرخين الإسلاميين ومنهم جلال الدين السيوطي في كتابه تحفة الكِرام في أخبار الأهرام أن إدريس عليه السلام، استدل من أحوال الكواكب على كون الطوفان، فأمر ببناء الأهرام، وإيداعها الأموال، وصحائف العلوم، وما يُخاف عليه من الذهاب والدثور وهو ما ذهب اليه ابن النديم في الفهرست " إنه كان أحد السبعة السدنة الذين رتبوا لحفظ البيوت السبعة، وإنه كان إليه بيت عطارد، وباسمه يسمى فإن عطارد باللغة الكلدانية هرمس. وقيل إنه انتقل إلى أرض مصر بأسباب، وأنه ملكها.
وكان له أولاد عدة منهم طاطا وصا وأشمن وأثريب وقفط وأنه كان حكيم زمانه. ولما توفي دفن في البناء الذي يعرف بمدينة مصر بأبي هرمس ويعرفه العامة بالهرمين، فإن أحدهما قبره والآخر قبر زوجته وقيل قبر ابنه الذي خلفه بعد موته" والصابئة تزعم أنّ أحد الهرمين قبر شيت، والأخر قبر هرمس، والملون قبر صاب بن هرمس، وإليه تنسب الصابئة، وهم يحجون إليها، ويذبحون عندها الديكة والعجول السود، ويبخرون بدخن. ومن مجمل هذه الأدلة يمكننا أن نربط شخصيتنا بالأهرام بشكل أو آخر.

ويتابع: "نرى أن أبا الهول هو الأثر الخالد لادريس عليه السلام ويمكننا أن ننظر الي أبي الهول بصورة مغايرة لوصفه كأسد برأس إنسان وكأنها من المسلمات مع أنها فرضية ضمن فرضيات عدة فالصخرة الصماء خلت من أية نقوش أو كتابات تتحدث عن التمثال وطبيعة دوره وتركت للنظر فقط تحديد ماهية التمثال فلما لا ننظر إليه بصورته الطبيعية الواضحة كأنسان كامل يديه تخطان على الرمال، وفي مشهور الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك ) وكان ادريس عليه السلام يخط على الرمال وعلاقة أبو الهول بالرمال علاقة وطيدة ترافقت مع التمثال عبر تاريخه بل الطريف أن النقش الوحيد على التمثال كان تتويجا لهذه العلاقة فلوحة الحلم وهي لوحة تذكارية أمر بوضعها الفرعون تحتمس الرابع بين اليدين الممتدتين لتمثال أبو الهول، تخليدا لحلم حلم به هذا الفرعون قبل أن يعتلي عرش مصر في عام 1401 قبل الميلاد عندما كان أميرا شابا وكان يقوم ذات يوم بالصيد على هضبة الجيزة. وعندما أصابه التعب لجأ إلى أبي الهول الذي كانت قد غطته رمال الصحراء ولا يظهر منه سوى رأسه، وغلب الأمير النوم. وراوده الحلم بأبي الهول في المنام واعدا أياه بتبوء عرش مصر، وطالبا منه أن يزيل ما تراكم عليه من رمال. وهو ما تحقق بعد عدة سنوات من اعتلاء الأمير عرش مصر ثم وفائه بوعده للأبي الهول وازالة الرمال من حوله، ولا يمكننا أن نتجاهل البعد الدعائي في هذه القصة.

ويوضح أن الباحثون يعتقدون أن بناء (أبي الهول) تزامن مع بناء هرم خفرع وأنه يرمز لخفرع نفسه، ولكن الباحثون تواجههم عقبتين تمنعهم من تمرير هذه الفرضية واعتبارها حقيقة مسلما بها: أولًا، عدم وجود كتابات نصيه تشير إلى ذلك، ولا حتى معلومة واحدة تتحدث عن أسباب وظروف بنائه. ثانيًا، علامات التآكل التي تظهر على سطح التمثال تختلف عن علامات هرم خفرع، فتلك على جسد (أبي الهول) تظهر كعلامات عوامل التعرية بسبب وجود مياه والتي لا تظهر مثلها على الهرم، فمن غير المنطقي أن تكون هناك سحابة صغيرة فوقه تمطر عليه فقط.أضافة الي ذلك عدم وجود شبه بين أبي الهول وتماثيل خفرع!.

_ فهل يمكننا العودة إلى آثار خفرع لمحاولة الوصول إلى علاقة ما تربطه بأبو الهول؟
يجيب مؤلف الكتاب عن السؤال قائلًا:" للأسف خفرع انتهي تماما من الوجود فلم يعد بإمكان جثمانه أو أثاره أن تبوح بأسرارها بعد غرق السفينة "بياتريس" عام 1838 أمام مدينة "قرطاجنة" التاريخية، حيث كانت السفينة تقل التابوت الخاص بالملك "خفرع" وهو التابوت المصنوع من البازلت بالأضافة الي كنوز أثرية أخري خاصة بالملك الراحل في رحلة من مصر إلى إنجلترا لإجراء بعض الدراسات العلمية عليه لتصبح ذكري الملك أثرا بعد عين.

ويتابع، والحقيقة البارزة أن أبا الهول كان سابقا علي الأهرامات في منطقة الجيزة - وهو الرأي الذي يمكن استنتاجه من اللوحة الكبيرة من الحجر الجيري التي أنشئها امنحتب الثاني وهو ما ذهب اليه بليني عالم الطبيعيات الروماني وكذلك رأي عالم الأثار الالماني هنري بروكش والذي بناه علي أن خوفو رأي ابا الهول وبالتالي فلابد وأنه كان موجودا قبل عهده وهو رأي عالم الأثار الفرنسي جاستون ماسبيرو أيضا وفي ظننا أن وجود أبي الهول في هذه المنطقة كان السبب الذي حدا بملوك الدولة القديمة الي بناء أهراماتهم حوله أو أن صخرة التمثال كانت بمكان أخر وتم جلبها الي هذا المكان ودليلنا أن أحدا من المؤرخين القدامي أمثال المؤرخ هيرودت (المتوفى سنة 430 قبل الميلاد) وديودور الصقلي اللذين زارا هذه المنطقة لم يشرا الي أبي الهول مع أفاضتهم في الحديث عن بناء الاهرامات وهو ما يضعنا أمام فرضيات ثلاث: الاولي أن أبا الهول شيد في مرحلة لاحقة علي بناء الاهرام وهو أمر مستبعد تماما أو انه أمر واقع وسابق بكثير علي شهود بناء الاهرام والتسجيل الكتابي بحيث لا يمكن تتبعه أو الوقوف علي شواهد حوله وهي الفرضية التي يدعمها أن تاريخ أبي الهول كان مجهولا حتي علي ملوك الدولة الحديثة أنفسهم!!! كما أن تعدد مسميات أبو الهول دون مسمي محدد فهو «روتي» رمز الحماية والحراسة في عصر الدولة القديمة وهو «شسب عنخ» تعني الصورة الحية نسبة للوحة الحلم السابق ذكرها في عهد الدولة الوسطي وهو «حور إم أخت» بمعنى حورس (الصقر) في الأفق في عهد الدولة الحديثة وهو «حورونا» نسبة إلى الإله الكنعاني «حورونا»، وهو إله الحماية الذي دخل مصر مع الأجانب الذين استوطنوا بجوار أبو الهول وهو أيضا بر حول أو بو حول بمعنى مكان أو بيت أو ملاذ حورس ثم انتهاءا بأبو الهول (الفزع) عند العرب يوضح أن ماهية التمثال كانت خافية علي مدار التاريخ الفرعوني المدون وما يمكن استخلاصه هو أن ابا الهول كان رمزا لشخص كان نقطة الأنطلاق نحو التدوين ذاته.والدليل علي أن أبا الهول كان رمزا لشخص مؤثر في جميع العصور وليس مجرد صورة لملك معين سواء أكان خفرع أو خوفو من أن الهكسوس المحتلين أنفسهم اتخذوا تماثيل لابو الهول مع عدائهم مع مصر الفرعونية فهل كانوا بذلك يخلدون ذكري خفرع !!! اللافت أيضا أن اخناتون الذي محا أسماء سائر الالهة وانتصر للتوحيد وجد بين حطام معبده بالكرنك قطعه عليها صورة اخناتون في هيئة أبو الهول كما أن تماثيل أبي الهول منتشرة في بابل وفينيقيا واسيا وبلاد اليونان وهو ما نراه علي خط متوازي مع حركة التنوير التي قام بها النبي أدريس بدءا من بابل مسقط رأسه ومرورا بمصر وأنه أسهم في تخطيط مئات المدن.