رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف وصف «ستانلي لين بول» بائع السوبيا والعرقسوس بالقاهرة؟

ستانلي لين بول
ستانلي لين بول

رصد المستشرق الإنجليزي"ستانلي لين بول" في كتابه الصادر 1902 "سيرة القاهرة" حكايات القاهرة بشقيها الأوروبي والعربي المصري القديم.



يفتتح لين بول حديثه عن هذا التناقض بقوله: هناك قاهرتان مختلفتان تتميز إحداهما عن الأخرى٬ ولو أنهما لا تختلفان كثيرا في الموقع٬ أما الأولى فهي القاهرة الأوروبية أما الثانية فهي القاهرة المصرية وكانت هذه الأخيرة قاهرة أي منتصرة في يوم من الأيام٬ وضع أساسها عند مطلع كوكب المريخ٬ أما الآن فإن انتصارها قد قل كثيرا بل لقد أصبحت بلا ريب مغلوبة على أمرها إلى حد أنها صارت لا تعرف إلا بالأحياء الوطنية أو بالأسواق حسب الطريقة الهندية٬ والقاهرة الأوروبية في الواقع تكاد لا تعرف شيئا عن أختها القاهرة المصرية مدينة العصور الوسطي.

يرصد لين بول ملامح تلك الأخيرة مواصلا: فأنت إذ تطل من نافذة غرفتك في الفندق الذي تقيم فيه٬ تشاهد رجلا جائلا ينشد على ربابته أنشودة٬ ويحمل إليك أنغام البلد الأصيلة٬ ثم لا تلبث أن تسمع أصواتا أخرى كأصوات الأطفال الرضع تنبعث من صنوج "الشربتلي" الجوال الذي يحمل على جنبه إناء زجاجي كبير يصب منه شرابا من الأرز "السوبيا" أو من عصير البرتقال والعرقسوس٬ في تلك الأوعية النحاسية٬ التي لا ينفك يوقع عليها بين لحظة وأخرى بدون ملل أجراسا وأنغاما تسترعي أسماع المارة.

كما رصد ستانلي من أصوات القاهرة القديمة مظاهر الاحتفال بالزواج وختان الأطفال٬ والتي كانت تستدعي صخبا يشارك فيه الجميع نظرا لإجتماع حفلات الزواج والختان سويا مراعاة للإقتصاد:"نجد موكبا حافلا تتقدمه علامة الحلاق الذي يقوم بعملية الختان٬ وهي عبارة عن إطار خشبي مرفوع إلي أعلي يتبعه أثنان أو ثلاثة من الجمال المحملة بأبهي الأشياء وأحسنها٬ والتي تستأجر في مثل هذه المناسبات٬ ويجلس علي كل من هذه الجمال طبال٬ هذه الجمال من شأنها أن تمهد الطريق لما يتبعها من عربات مملوءة بصغار الأولاد كل واحد منهم ممسك بمنديل نظيف ناصع البياض وضعه علي فمه ليقيه من الشيطان ويحفظه من العين الشريرة٬ ثم تأتي عربة منفصلة مغطاة من كل جانب بشال كبير مصنوع من الكشمير٬ يمسك به من أسفل ويعمل علي إحكامه أخوات العروس المحبوسة وغيرهم من الأقارب٬ ويتبع ذلك عربات أخري تحمل سائر جمهور المشاركين في الفرح والسرور.وقد يحدث في بعض الأحيان أن تحمل العروس في هودج مغطي بشال كشمير ومحمل علي جملين يسير أحدهما خلف الآخر٬ وتكون رقبة الجمل الخلفي تحت الهودج".

لم يكن للمرأة المصرية مكانا في المجال العام وإذا خرجت من منزل زوجها فإلي بيت أهلها أو إلي الحمام العام علي العكس من الرجل وما يتمتع به من حريات جمة وهو ما لاحظه المستشرق الإنجليزي:"فبينما يستطيع الزوج أن يسعي وراء سعادته هنا وهناك٬ إذا بالمرأة لا تغادر المنزل أو تنحرف عنه بل تعيش عيشة مملة علي وتيرة واحدة. حقيقة إنه قد يحدث في بعض الأحيان أن تجتمع النساء في الحمام العام ويأخذن في الضحك والمرح وإن الصيحات التي تنبعث في أثناء الضحك تحمل الدليل علي روح المرح التي تتميز بها الفتاة المصرية. 

وقد تخرج السيدة أحيانا في جلال وأبهة لتزور بعض صديقاتها فتركب حمارا كبيرا وترتدي ملاءة واسعة من الحرير الأسود وتحجب وجهها وعيناها بحجاب أبيض اللون وهي تسير برفقة خادم أمين٬ هذه الزيارات التي تتبادلها الحريم هي كل ما تظفر به المرأة القاهرية من مباهج وسرور٬ ولقد سألت إمرأة إنجليزية إحدي المصريات كيف تمضي وقتها فأجابت: إني أجلس علي هذه الأريكة فإذا إنتابني الملل أو التعب نهضت لأجلس علي تلك. 

ويلاحظ علي المرأة المصرية أنها في العادة أو علي الأقل حينما تظهر في المجتمعات٬ فهي تختلس نظرة إلي الغريب في سرعة سحرية حتي ولو بدا للجميع أنها تنظر إلي الناحية الأخري من الطريق٬ وفي الحال نجدها تحكم وضع النقاب علي فمها وأنفها٬ وإذا ما أتيح لها أن تلقاك وجها لوجه٬ فإنها لا تسبل عينيها الواسعتين كما تفعل الغربيات٬ وإنما تحولهما عنك في بطء يأخذ بمجامع القلوب.