رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«ذكراه الأولى».. نضال ممدوح تكتب عن عمدة المترجمين بشير السباعي

بشير السباعي
بشير السباعي

لم تربطني به سوي صداقة عبر موقع التواصل الإجتماعي فيس بوك٬ وقبل ثلاثة أعوام كان المستشرق والمؤرخ الفرنسي هنري لورنس Henry Laurens أستاذ كرسي التاريخ المعاصر للعالم العربي بالكوليج دي فرانس، ضيفًا على القاهرة٬ وهي الفرصة التي لا يمكن لصحفي أن يضيعها. بالفعل نسقت مع القسم الإعلامي بالمركز الثقافي الفرنسي٬ الذي استضاف محاضرة "لورنس" وأجريت معها حوارا.

كان علي بعد أن انتهيت من تفريع الحوار وتنقيحه أن أراجعه مع عمدة المترجمين المصريين٬ فهو لم يكن فقط مجرد مترجم ينقل من لغة لأخرى٬ بل كان مثقفًا كبيرًا فقدته الثقافة العربية قبل المصرية٬ إنه بشير السباعي٬ والذي تمر اليوم الذكري الأولي لرحيله عن عالمنا.

أرسلت عبر الخاص للأستاذ بشير السباعي٬ النسخة النهائية من حواري مع "هنري لورنس" وطلبت منه أن يراجعه حتي لا أكون قد جانبني الصواب في نقل ما أراده٬ أو حتي ما فهمته المترجمة التي كانت تترجم الحوار بيني وبين لورنس. وبالفعل ما أن راجع "السباعي" الحوار حتي وجد هناك بعض الأخطاء اللغوية والنحوية٬ والتي لا يمكن تصحيحها عبر الهاتف. ودعاني لزيارته في "مدينتي" حيث يعيش.

في اليوم التالي مباشرة كنت علي موعدي معه٬ حيث أستقبلي بكل ود وترحاب في أحد النوادي الرياضية الكائنة في تلك المدينة الجديدة. ومن فنجان قهوة لنسكافية مضي الوقت سريعا٬ وكان قد صحح ما وقعت فيه من أخطاء لغوية٬ أو حتي معاني لم يقصدها لورونس. وخلال الثلاث ساعات التي قضيتها في حضرته تكشف لي موسوعيته التي تنم عن مثقف كبير حقيقي٬ لا يجري وراء أضواء أو شهرة٬ كاتب حقيقي له موقف من الحياة والسياسة العالمية.

تجشم "السباعي" وهو في سنه الكبير مشقة أن يصطحبني حتي موقف الأتوبيس ليطمئن علي سلامتي.خلال تلك الخطوات التي سرناها معا تكشف لي كم تواضعه وحيويته٬ وحبه للحياة حتي آخر رمق فيها٬ وعندما قلت ملاحظة عن جمال تخطيط تلك المدينة التي يسكنها ولكنها تبدو بلا روح. صدق "السباعي" علي كلامي وأخبرني بأن هذه المدن"أمكنة بلاستيكية لكنه مضطر للعيش فيها٬ فقط أوصاه الطبيب بأن ينقل سكناه لمكان خارج القاهرة٬ وبعيدا عن تلوثها الذي يؤذي صحته وبالتحديد رئتيه".

غادرت المكان وكلي فخر بهذا المثقف الكبير الذي ينتمي لمصر٬ ولعصر عشت فيه٬ لم تربطني به أية مصلحة أو عائد قد يعود عليه عندما دعاني لزيارته ليصحح ما وقعت فيه من أخطاء٬ لهذا الحد وصل إتقانه ورغبته في أن تكون الأشياء وكل الأمور بهذا الإتقان٬ بعيدا عن الفهلوة والإستسهال٬ وهو ما تشهد عليه ترجماته التي أنجزها٬ وعلي رأسها "مسألة فلسطين" لــ هنري لورنس٬ والتي أصدرها المجلس القومي للترجمة في خمس مجلدات٬ أي أن "السباعي" اختار أن تخرج هذه السلسة للنور عبر جهة نشر حكومية حتي تكون أسعارها في متناول الجميع٬ فسلام لروحه في ذكراه الأولي التي مرت مرور الكرام.