رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أمريكا.. إلى متى القوة العظمى الوحيدة؟



يتساءل الكثيرون الآن عن موقف أمريكا، خاصة بعد أزمة وباء كورونا، وما مستقبلها بعد ذلك، فى حين لا يزال البعض يخطب ود أمريكا واقعًا تحت الوهم القديم أن ٩٩٪ من أوراق اللعبة فى يد أمريكا!
ولا يتابع هؤلاء جميعًا المتغيرات التى تطرأ على السياسة الأمريكية لا سيما فى العقود الأخيرة. فأمريكا التى خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية غير أمريكا أثناء الحرب الباردة، أو حتى بعد انتهاء الحرب الباردة وتفرد أمريكا بزعامة العالم وانتشار الزعم الأمريكى بنهاية التاريخ.
فمنذ التسعينيات من القرن العشرين طرأت على أمريكا متغيرات عديدة، حيث أصبحت أمريكا بالفعل فى مفترق الطرق، وأصبحت أمريكا تفكر فى الغد القادم حتمًا عندما لا تصبح أمريكا هى القوة العظمى الوحيدة وتتعدد الأقطاب فى العالم. ويُلخص الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون هذا الاتجاه، قائلًا: «كنا نعتقد أنه ينبغى على الولايات المتحدة التقدم بطريقة ينبغى أن تخدم مصالحنا ليس فى الحاضر فحسب، بل كذلك فى مستقبل قد لا نكون فيه القوة العظمى الاقتصادية والسياسية والعسكرية الوحيدة».
وتوضح نانسى سودربرج فى كتابها المهم «خرافة القوة العظمى: استخدام القوة الأمريكية وسوء استخدامها»، وهى التى عملت إلى جانب كلينتون فى السياسة الخارجية، مدى حرص كلينتون على دحض خرافتين تتعلقان بالدور الأمريكى وهما النزعة الانعزالية، أى انحصار تفكير أمريكا فى الداخل، بالإضافة إلى دورها فى الأمريكتين، أو النزعة تجاه لعب دور «الشرطى العالمى»، إذ شعر بعض الأمريكيين بعد الانتصار فى الحرب الباردة أنه يمكنهم الانسحاب بأمان من العالم، وشعر البعض الآخر أن تفوق القوة الأمريكية جعل مشكلات العالم مسئولية أمريكية.
إذ حاول كلينتون دائمًا الاتجاه إلى أشكال جديدة من المشاركة باستخدام القوة بحكمة والدبلوماسية بفاعلية لتعزيز الاستقرار والديمقراطية، فضلًا عن عدم تورط أمريكا بشكلٍ مبالغ فيه فى السياسات الخارجية.
وفى بداية حكم بوش الابن كانت هناك حرب علنية بين معسكرى الواقعيين «سياسة كلينتون» والمهيمنين الذين يرون ضرورة لعب دور الشرطى العالمى، لكن أحداث الحادى عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١ أدت إلى هزيمة الجناح الواقعى فى مقابل جناح الصقور. وأصبح من الواضح أن أمريكا لا تحتاج إلى حلفاء أو حتى للأمم المتحدة لمواجهة تحديات الوقت الراهن.
ومع وصول أوباما إلى الحكم كان قد اتضح تمامًا فشل السياسة الخارجية لبوش، إذ طرحت دوائر الخارجية الأمريكية تساؤلات عديدة حول الدور الأمريكى فى المستقبل، مثل أنه ربما من المؤكد أن أمريكا يمكنها البقاء معتمدة على نفسها فى لعب هذا الدور، إلا أن المسألة الخطيرة هى «ما ثمن ذلك؟» هل نواصل سياسة بوش الأحادية والقائمة على الهيمنة فى المقام الأول، أم العودة إلى السياسة الأقوى الخاصة بالمشاركة مع حلفاء آخرين والتى سوف نحث دولًا أخرى على اتباعها؟
لذلك ترى نانسى سودربرج أن السياسة المثلى التى رأتها أمريكا تتطلب استخدامًا شديد التوازن لموارد أمريكا الاقتصادية والسياسية والعسكرية لقيادة أصدقائنا وإقناع حتى أعدائنا باتباع الولايات المتحدة من أجل تعزيز الأمن والديمقراطية والرخاء.
وهكذا ومع إدراك أمريكا مدى كُلفة دور الشرطى العالمى، غيرت أمريكا من سياستها بالعودة إلى أصدقائها، ومحاولة دفعهم إلى لعب هذا الدور بأنفسهم، أو تحمل تكلفة ذلك عن أمريكا، أو إقامة الجسور مع أعدائها السابقين، ومنهم الإسلام السياسى مثل حركة طالبان، أملًا فى البقاء على الخريطة اليوم، لأن المستقبل هو عالم الأقطاب المتعددة.