رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الخالة أم هاني».. كلنا في الهم شرقيات عربيات

ربيعة ريحان
ربيعة ريحان

تخلد الروائية المغربية٬ ربيعة ريحان٬ حكاية لواحدة من نساء الشرق٬ وتحديدا واحدة من نساء المغرب٬ في روايتها "الخالة أم هاني" والصادرة مؤخرا عن دار العين للنشر.

خمس أزواج٬ وخمس حكايات عن رجال لم تخترهم "أم هاني" بل فرضوا عليها تباعا٬ من وقت كانت طفلة صغيرة يتيمة٬ وما أن بدأت ملامح الأنوثة تلونها٬ حتي حرضت إحدى قريباتها زوجها الذي كان يكفلها لتزويجها من أول طارق باب. ذاك العملاق الذي كرهت الخالة أم هاني رائحته٬ هي البنت النظيفة التي تهتم بكل تفاصيل الحياة٬ سواء في عنايتها بنفسها وجسدها ــ على غير عادة المحيطين بها ــ أو ترتيب المنزل وتجميله وتزيينه.

الرجال الأزواج الخمس في حياة أم هاني لم تختر يوما واحدا منهم٬ بل فرضتهم عليها التقاليد والعادات التي لا ترى في المرأة سوي العار والعورة٬ حتى أنها بعدما هرمت وفارقت عهد الأنوثة٬ تأففت النساء وتندر عليها ورأين أنه من غير اللائق أنها ترتاد الحمام العمومي وهي في مثل هذا السن٬ بل ورأت نساء عائلتها أنها بهذا الفعل ألحقت العار بالعائلة٬ ومجرد ارتيادها للحمام لهو فضيحة كبري ستظل تلاحق العائلة ولن تمحي من تاريخها. وما كان منهم في النهاية حتي يتفادوا هذه الفضيحة إلا أن يتهمنها بالجنون!

وعلى لسان الراوية وهي هنا ابنة شقيقة أم هاني٬ رصد لتشابه الممارسات القمعية ضد المرأة٬ والتي لا تختلف من بلد عربي عن الآخر. ففي إحدى مشاهد الرواية يدور الحوار بين أم هاني و"شيماء" ابنة شقيقتها٬ وهي الوحيدة من أفراد العائلة التي تتعاطف مع أم هاني حتى أنها من شدة تعلقها بها٬ اختارت أن تقيم معها دوما بعيدا عن أمها وأخوتها. تدافع شيماء عن أم هاني دوما٬ تدخل في شجارات مع نساء العائلة وكل من يشكك في عقل الخالة. وعندما تواتيها فرصة العمل في الصحافة٬ تري أن لا أحد غير الخالة أم هاني جدير بأن يكون بطلا لأول أعمالها الصحفية.

ومن هذه المشاهد التي تحقر من الأنثي وتستبيح خصوصيتها٬ بل أخص خصوصياتها٬ مشهد "الدخلة البلدي" وهو المشهد الذي ما زال يتكرر في بعض القري والأحياء الشعبية العشوائية في مصر. تقول الخالة: "وفي بعض الليالي صحوت مذعورة على خبط مجنون لدفوف كثيرة٬ نساء يغادرن العرس بحماس كبير٬ ويخرجن إلي الأزقة (ليلعبن بالسروال). هكذا تكون بنات الرجال المحروسة !! هاهو أحمر.

وفي موضع آخر تقول:"حررت يديها من كل ذلك٬ وشرعت توضح أنهم كانوا يستحثون عيسي بأن يرمي لهم (السروال)..بقعة الدم تلك٬ أنت تعرفين٬ ويا ويل التي تكون قد فرطت فيها٬ و(فرشت) أهلها تلك الليلة."

علي أن هذه المجتمعات التي تتشدد في الحفاظ علي البكارة كونها صك الشرف٬ تمتهن أجساد النساء وتصنف الأعلي تحرشا بهن بين دول العالم. حتي أن المرأة لا تسلم من التحرش حتي وهي تؤدي طقسا يكاد يكون مقدسا٬ مثل زيارة أضرحة الله الصالحين. تحكي أم هاني لشيماء٬ عن واقعة زيارتها هي وجارتها لإحدي هذه الأضرحة وكيف تحرش بها الرجال وأنتهكوا جسدها بعيونهم قبل أصابعهم وأيديهم.

عاشت أم هاني حياتها كلها غصبا دون إرادتها في كل ما يخصها٬ رضخت مرغمة علي كل زوج زوجوها إياه٬ وفي المرة الوحيدة التي اختارت فيه رجلها٬ أو ظنت ذلك كان ذاك الشاب الصغير الذي حفظت حكايته في قلبها٬ هو الوحيد الذي تفتح له جسدها وشعرت معه بأنوثته٬ وحتي هذا كان بتدبير أمه٬ أي أنه لم يكن اختيارا حرا بالكامل٬ كانت هناك أنثي مثلها استغلتها لتفك عقدة ابنها!.

يبقي الإشارة أن "ربيعة ريحان" نجحت في رصد عالم المرأة برهافة شديدة٬ وعقل واعٍ متفهم لتعقيدات هذا العالم، المليء بالسحر والأحلام والرغبة في الانطلاق للعالم والحياة، رغم القيود التى تكبله، من عادات وتقاليد أو منظور دينى ذكوري للمرأة واختزالها في مجرد أداة غواية وإغواء، والتعامل معها فقط كعورة وجسد ماعون يلبى متطلبات الرجل ويحفظ نسله.