رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خالد الطوخى يكتب: التعاون العلمى الدولى فى مواجهة «كورونا»

خالد الطوخى
خالد الطوخى

وسط عتمة الأزمة يخرج بصيص النور ليبدد الظلام ويمحو تلك الآثار التى ترتبت على ظهور فيروس كورونا الذى تواجهه الدولة بجميع مؤسساتها، ومما يدعو للشعور بالتفاؤل والأمل فيما هو قادم، التصريح شديد الأهمية الذى أعلن عنه الدكتور خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالى والبحث العلمى، بأن الوزارة قد استطاعت التواصل مع الجهات المسئولة عن تصنيع دواء «أفيجان» فى اليابان الذى أثبت نجاحات كبيرة على عينة من مرضى فيروس كورونا.
والذى يدعو للمزيد من الشعور بالتفاؤل، أن هذا التعاون يتم منذ أكثر من شهر لتدخل مصر فى عملية بحثية مع اليابان بعد أن‫ تم اتخاذ إجراء تجارب سريرية معملية على هذا العقار، وذلك بدراسة تأثير الدواء من خلال أساتذة وعلماء ومعامل فيروسات متطورة جدًا فى المركز القومى للبحوث مجهزة على أعلى مستوى من التقنيات الحديثة.
وهنا أود الإشارة إلى مسألة فى منتهى الأهمية، وهى أن الأساتذة والباحثين المصريين قد اختاروا الانحياز للمصلحة العامة منذ بداية الأزمة، حيث اختاروا البقاء فى معاملهم بعد أن تم توفير أماكن إقامة لهم حتى يستطيعوا إنجاز العمل بشكل مستمر حتى فى أثناء ساعات الحظر، وذلك انطلاقًا من شغفهم ورغبتهم الصادقة فى أن يقدموا شيئًا مفيدًا ليس لمصر وحسب بل للبشرية جمعاء، لأن هذا الفيروس اللعين يجتاح العالم بلا هوادة ولا يفرق بين دولة متقدمة وأخرى نامية، ولا بين غنى ولا فقير، فالكل سواسية فى مواجهة الفيروس.‬
‫أما بالنسبة لعقار «أفيجان» نفسه الذى قد يكون فى القريب العاجل أحد أهم وأبرز أسلحة الدولة المصرية فى معركتها مع فيروس كورونا، فهو عبارة عن دواء ضد الفيروسات ويجرى استخدامه بالفعل منذ فترة طويلة، وحسب ما يشير إليه العلماء والباحثون فإنه يؤثر على عملية انقسام الفيروس ويختلف تمامًا عن الأدوية الأخرى التى تم الإعلان عن أنها قادرة على القضاء على فيروس كورونا، ومنها دواء الهيدروكسى كلوروكين الذى يستخدم ضد الملاريا والأمراض الروماتيزمية.
وبالطبع فإنه فى حالة التأكد من فعالية العقار، سوف يتم التصنيع على الفور، وذلك حسب تصريحات الدكتور خالد عبدالغفار، بحيث يتم هذا التصنيع بالتعاون مع الجانب الصينى الذى يقوم بتصنيع المادة الخام، ولكن هذه الخطوة سوف تتم بعد الحصول على الموافقات اللازمة من الجانب اليابانى للقيام بتصنيع كمية تكفى لتلبية احتياجات السوق المحلية، وذلك من خلال أحد مصانع الأدوية المصرية.
‫ومن خلال متابعتى لهذا الأمر، فإننى على يقين تام من أن هناك العديد من البروتوكولات العلاجية لدى وزارة التعليم العالى والبحث العلمى يتم استخدامها ودراسة تأثيرها على فيروس كورونا المستجد، وعلى الرغم من ذلك فإنه من المبكر جدًا أن نقوم الآن بتقييم نتائج الدواء اليابانى «أفيجان»، وتأثيره على فيروس كورونا، خاصة أنه يجب مراقبة الحالات من خلال الأشعات والتحاليل اللازمة، حتى يمكن نشر نتائج محققة واعتمادها، خاصة أن هناك تطويرًا مستمرًا لطرق الدواء من أجل تعظيم تأثيره، وهناك جهد كبير يتم فى الوقت الراهن فى هذا الاتجاه، خاصة أن اليابان قد بدأت الترويج لعقار «أفيجان» الذى أنتجته شركة «فوجى فيلم»، كأحد العلاجات لمرض «كوفيد- ١٩» المسبب له فيروس كورونا المستجد، فى حين أن هذا العقار فى الأساس مصنوع لعلاج الإنفلونزا، ويعتقد الباحثون أنه ربما قد يكون له نفس التأثير على الفيروسات الأخرى ومنها كورونا المستجد، خاصة بعدما حقق العقار نجاحًا فى أول جولتين من الاختبارات السريرية، ما دفع الشركة المصنعة لزيادة الإنتاج، تحسبًا لأن يكون أول علاج فعال وآمن لفيروس كورونا المستجد.‬
‫وفى تقديرى الشخصى فإن هذه الخطوة المهمة بل شديدة الأهمية من جانب وزارة التعليم العالى والبحث العلمى، تضع أيدينا وبشكل لافت للنظر على الدور المهم الذى تقوم به المراكز البحثية المصرية من أجل خدمة المجتمع وتقديم حلول للأزمة الراهنة التى تسبب فيها تفشى فيروس كورونا، حيث يعتبر البحث العلمى فى أى مجتمع من الأسباب الأساسية والمهمة للتقدم العلمى والتنمية المستدامة لما له من مشاركة فعالة فى التنمية بجميع جوانبها المختلفة الاقتصادية والصناعية والزراعية.
كما أنه يقوم بدور محورى حيث يساعد على إيجاد الحلول للمشاكل التى تواجهها القطاعات الإنتاجية، ويساعد فى تحسين الأداء وزيادة الإنتاج والحصول على جودة عالية للمنتجات والخدمات، وبالطبع فإنه فى هذه الحالة تعتبر الجامعات معقلًا للعمل والبحث العلمى. فهى التى تربط العلم بالمجتمع وتنسق الجهود العلمية بهدف تقدم المعرفة الإنسانية من جهة، ولجعل العلم فى تنمية المجتمع ونهضته من جهة أخرى، فتقوم الجامعات بدور مهم فى تنمية المعرفة وتطويرها من خلال ما تقدمه من بحوث تتناول مشكلات المجتمع المختلفة، وما تصل إليه هذه البحوث من حلول علمية فى مختلف التخصصات وميادين المعرفة المختلفة، بهدف تطوير المجتمع والنهوض به إلى مستوى تكنولوجى واقتصادى وصحى وثقافى واجتماعى أفضل.
كما أن الطاقة الكامنة فى البحث العلمى الجامعى إذا تم استخدامها الاستخدام الأمثل، فإنها فى هذه الحالة سوف تكون قادرة على إحداث نقلة نوعية وتغير اجتماعى ملحوظ نحو التقدم والرفاهية وهما هدفا أى خطط للتنمية، وذلك لسبب بسيط وهو أن نتائج البحوث العلمية قادرة على تنفيذ أهداف خطط التنمية الشاملة وتقويم الحلول العلمية التى تحقق أهداف هذه الخطط بكفاءة وفاعلية، وبالتالى القضاء على الأمراض كما هى الحال بالنسبة لفيروس كورونا.
ومن هنا تبرز أهمية دعم وتطوير المراكز البحثية المتخصصة ذات الأهداف المحددة وفقًا لتوجهاتها واهتماماتها لتحوى كل نشاط الجامعات البحثى، فضلًا عن كونها تمثل بيت الخبرة الجامعى الذى يستمد منه صانعو القرار معلوماتهم لحل المشكلات، كما تلعب هذه المراكز دورًا مهمًا فى تكوين خطط بحثية تستقطب لها العلماء الزائرين والباحثين المتفرغين وأعضاء هيئة التدريس المتخصصين وطلبة الدراسات العليا، ويكون كل مركز متعدد المجالات البحثية أو يكون متخصصًا فى نوع محدد من البحوث فى قطاع معين حسب الأولويات الوطنية، وهذه المراكز البحثية تكون مزودة بالتجهيزات المتطورة والخدمات اللازمة للبحث، وتكون قادرة على تنفيذ نتائج البحوث فى وحدات ريادية.
نحن بالفعل أمام طفرة حقيقية وملحوظة فى مجال البحث العلمى، بما يبرز أهمية الجهود البحثية التى تقوم بها المراكز والمعاهد والهيئات البحثية سواء التابعة لوزارة البحث العلمى أو التابعة للجامعات المصرية لمواجهة فيروس كورونا المستجد، وهو ما يتطلب أيضًا بناء القدرات البحثية البشرية ذات الكفاءة العالية باعتبارها شرطًا رئيسيًا لنجاح الاستراتيجيات البحثية والخطط والبرامج المنبثقة عنها.
واللافت للنظر فى هذا الأمر أن مصر تعد قوة ضاربة من حيث عدد المشتغلين بالبحث العلمى فى المنطقة العربية، وهو ما يتطلب الاستمرار فى الارتقاء بجودة أدائهم ومواكبتهم التوجهات العلمية الحديثة، وتوفير كل الإمكانيات والأدوات لهم، من أجل إتاحة مناخ يسمح لهم بتفعيل منظومة البحث العلمى فى مواجهة هذه الأزمة، فالبحث العلمى فى العصر المعرفى بالألفية الثالثة يتطلب بنية بحثية حديثة مثل مراكز التطوير التكنولوجى ومراكز التميز البحثى المستقلة وشبكات البحث العلمى الافتراضية التكنولوجية.