رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وانقلب السحر فى القمة الأوروبية


الولايات المتحدة الأمريكية وأجهزة استخباراتها تتجسس على ملايين البشر لا فى أوروبا وحدها، بل فى جميع أنحاء العالم، فالواقع أن حاجة الولايات المتحدة إلى معلومات عن أوروبا عن طريق التجسس هى أقل الحاجات

اجتمعت فى الأسبوع الماضى فى بروكسل العاصمة البلجيكية قمة الاتحاد الأوروبى، وكان على جدول أعمالها عدة موضوعات قليلة، ولكنها خطيرة، وقد يكون مهما أن ندرس كيف عالجت هذه القمة قضايا جدول الأعمال، وما توصلت إليه، علنا نستطيع أن نجد فائدة تنفع دولا عربية، ولا أقول الدول العربية، فللأسف إن الدول العربية لم تعد تجتمع على شىء، وجامعة الدول العربية لم تعد تشكل منظمة قومية أو إقليمية يعمل لها حساب، أو تستطيع أن تدافع عن مصالح أعضائها، ولكن يبقى أمل أو تصور باحتمال أن تعود الدول العربية إلى التعاون أو التضامن، وهو ما آمنا زمنا ليس بالقصير بحتميته، خاصة أن هذا الاجتماع لقمة يبرز عدة حقائق من أهمها أن الارتباطات طويلة المدى تشكل عبئا على أطرافها، كما أن الإنجازات التكنولوجية تفرض بصمتها على الواقع بما يجعله أحيانا حقيقة تفرض نفسها ولا تسمح بالفكاك منها، وأخيرا فإن ما تتصور الدول بأنها تستطيع أن تتحكم فيه يصبح عصيا عليها ولا تستطيع أن تتحمل نتائجه!

كان جدول أعمال القمة يشتمل على قضيتين أساسيتين، وقضية تتوارى خلف الكواليس فلا هى اختفت تماما، ولا هى فرضت نفسها على الحاضرين. أما القضايا الأساسية فهى اكتشاف أن وكالة الأمن القومى للولايات المتحدة الأمريكية تتجسس على قيادات دول الاتحاد، أى أنها تتجسس على اتصالاتهم الشخصية، وهو الأمر الذى كشفه موظف الاستخبارات الأمريكية الذى لجأ إلى روسيا ويعيش فيها بينما تطالب الولايات المتحدة بتسليمه إليها، وإذا كان سنودن قد اكتشف أو كشف تجسس الاستخبارات الأمريكية على خمس وثلاثين شخصية قيادية أوروبية فإنه يعنى فى نفس الوقت أن الولايات المتحدة الأمريكية وأجهزة استخباراتها تتجسس على ملايين البشر لا فى أوروبا وحدها، بل فى جميع أنحاء العالم، فالواقع أن حاجة الولايات المتحدة إلى معلومات عن أوروبا عن طريق التجسس هى أقل الحاجات حيث يمكنها الحصول على المعلومة بطلبها مباشرة من مصدرها، لكن هذا لم يكفها، خاصة أنها تبحث عن معلومات اقتصادية فى ظل أزمة اقتصادية طاحنة، وفى ظروف ينمو فيها الاقتصاد الألمانى بأفضل من نمو الاقتصاد الأمريكى، وعن معلومات شخصية لا تنفع إلا فى حالات الابتزاز.

غضب القادة الأوروبيون من هذه المعلومات عن التجسس عليهم، ولكن اختلف تعبيرهم عن هذا الغضب، حيث ظل الغضب مكتوما وربما محبوسا فى الصدور، بينما لم تنكر الولايات المتحدة واقعة أو وقائع التجسس، ولكن لم يتجرأ أحد على تقديم اقتراح لمعالجة القضية وتناثر الحديث عن محاولة الوصول إلى اتفاق حول منع التجسس بين الحلفاء، وهو اتفاق مازال غامضا ولا نعرف تفاصيله، وخاصة فيما يتعلق بما يمكن أن يحدث فى حال مخالفة الطرف المتجسس وهو الولايات المتحدة لشروط الاتفاق، خاصة أن الولايات المتحدة من جهة تشير إلى أنها تعمل على الحفاظ على أمنها، ومن جهة أخرى يبدو أنها حصلت على التكنولوجيا التى تمكنها من ذلك، وإذا كانت تستطيع أن تفعل ذلك فمن يستطيع أن يمنعها؟ وكيف له أن يمنعها؟!

القضية الثانية هى مكافحة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا وهى قضية تقلق أوروبا كثيرا منذ زمن طويل، لكنها لم تصل إلى ما وصلت إليه فى ظل الأزمة السورية التى دفعت بمئات الآلاف من المهاجرين إلى خارج سوريا فى حين أن قضايا فلسطين والعراق وليبيا سبق أن دفعت بالكثير إلى الهجرة واللجوء، وقد ساهمت أوروبا بشكل أو بآخر فى كل هذه القضايا، وينطبق عليها المثل المصرى القائل، «جاءت تكحلها عمتها»، والهجرة تفرض أعباء على الدول الأوروبية التى تستقبل المهاجرين وهى دول جنوب أوروبا ، بل وعلى باقى دول أوروبا الغربية حيث يحاول المهاجرون الاتجاه إلى شمال أوروبا.

أظهرت أوروبا عجزا آخر فى مواجهة قضية الهجرة غير الشرعية، وهى التى كانت قد أقامت عن طريق برنامج «حوار المتوسط» التابع لحلف شمال الأطلسى «عملية المسعى النشيط» لمكافحتها، ولكن من الواضح أنها لا تستطيع أن تواجه موجات الهجرة العالية والتى سادت مياه البحر المتوسط، وأن ما قامت به أوروبا من أجل تحقيق التغيير عن طريق ما سمته بـ «الفوضى الخلاقة» استطاعت أن تحقق الفوضى، ولم تستطع أن تجعلها خلاقة، وانقلب السحر على الساحر، واتسع الخرق على الراتق!

من المهم للدول العربية ومصر على رأسها أن تدرس اجتماع القمة الأوروبية وما وصل إليه، وأتذكر بصفة خاصة، ماذا نفعل إزاء التجسس الأمريكى علينا؟ وما مدى قدرتنا على مواجهة الضغوط الأمريكية، وكيفية مواجهة موجات الهجرة غير الشرعية سواء إلى مصر، أو منها؟!

حل هندى لإجرام الإخوان

يستحيل الآن التفكير فى إمكانية التصالح مع جماعة الإخوان وإقناعهم بالتعايش السلمى مع باقى المصريين على أساس حقوق المواطنة والدولة المدنية، وحتى لو انتهت حرب الاستنزاف بينهم وبين الدولة فى غير صالحهم فإنهم سوف يلجأون إلى هدنة قصيرة أو طويلة يلتقطون خلالها أنفاسهم، ولكنهم لن يتخلوا إطلاقا عن الطائفية والفاشية والغباء والجمود الفكرى، هذه الجماعة لا تعترف أصلا بالوطن أو الدستور أو قوانين الدولة المدنية، لها أعلام وشعارات ومبادئ ومصالح وأفكار تختلف تماما عن نظائرها لدى كل الآخرين، ولو تصالحت الدولة المصرية مع هذه الجماعة سيتحول الإخوان إلى دولة تعيش داخل دولة أخرى وتتحين الفرص للقضاء عليها وسحق جيشها وشعبها بالقوة أو بالخيانة والتواطؤ مع أى قوى خارجية ولو كانت الصهيونية العالمية أو حتى الشياطين.

النموذج الدولى الذى يتحمل هذا النوع من الطائفية يتمثل فى دولة الهند الشقيقة التى يعيش فيها شعب يعتنق مجموعة من الديانات والعقائد يصل عددها فى بعض المراجع العلمية إلى نحو ثلاثمائة من الأصول والفروع، وإخواننا الهنود يشبهون الإخوان فى الفصل التام بين العلم والعقيدة، حيث تجد منهم علماء على أعلى المستويات فى شتى المعارف والعلوم بينما تسمح ثقافتهم الشخصية بعبادة البقر أو أى دواب أو كائنات أخرى. لو عكف الساسة والمسئولون السياديون المصريون على دراسة الملفين الهندى والإخوانى لتمكنوا من التوصل إلى حل غير تقليدى لأزمة الإخوان، فبين مصر والهند علاقات تاريخية طيبة منذ أيام عبد الناصر وعدم الانحياز والحياد الإيجابى، فضلا عن العلاقات الثقافية الوثيقة التى صنعها شغف الشعب المصرى بالأفلام الهندية والاستقبال الأسطورى للفنان أميتاب باتشان فى زيارته الأولى للقاهرة! بوسعنا الآن استثمار هذه العلاقات الطيبة فى عقد اتفاقية تبادل بشرى مع الهند الشقيقة يتم فيها تصدير كل أعضاء جماعة الإخوان وأنصارها إلى الهند مقابل عدد مماثل من الهنود يتم نقلهم للإقامة والعمل فى مصر.

وحتى لا تكون هذه الاتفاقية مخالفة للقوانين والأعراف الدولية والإنسانية تقوم السلطات المصرية بالتفاوض مع جماعة الإخوان وتخيير أعضائها بين خيارات ثلاثة، إما الهجرة إلى الهند مع الاحتفاظ بعضوية الجماعة، أو التخلى النهائى عن عضوية وأفكار الجماعة والبقاء فى مصر، أو الاعتقال فى أحد السجون المصرية مدى الحياة حال رفض الخيارين الأول والثانى! هذا الحل الهندى قد يبدو غريبا وقد يراه الناس نوعا من السخرية أو الاستظراف، ولكنه أهون بكثير من القاضى الذى يقف أمام الكاميرا ويرفع يده بشعار إخوانى بالغ العبط، أو البطل الرياضى الذى رفض أن يتسلم الميدالية تحت العلم المصرى وفضل أن يحصل عليها لصالح ميدان رابعة العدوية!! الإخوان حالة مصرية عبيطة للغاية.

■ كاتب