رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دعاء الفتح فى مشروعات الحياة «١-٢»


القرآن ملىء بالأدعية التى تحتوى على الكثير من أسرار، لأن من بين ملايين الدعوات التى دعت بها البشرية منذ خلق آدم، وحتى يوم القيامة، اختار الله سبحانه وتعالى حوالى خمسين دعاءً، خلدها فى كتابه العظيم، كأنه يقول لنا: ادعونى بهذه الدعوات، لأن فيها سر الإجابة.
لماذا ذلك؟ لأن كل نبى دعا بهذه الأدعية فى لحظة صعبة من حياته، أصعب من أى لحظة نمر بها فى حياتنا، وفيها من التنوع بحسب الاحتياجات المختلفة، فمن يبحث عن إجابة دعوة ما، يدعو بما يناسب احتياجاته، خاصة أن بعض الدعوات لم يقلها النبى، صلى الله عليه وسلم، بل إن الله تعالى هو من ألهمه إياها ليدعو بها.
ومن هذه الأدعية القرآنية، قوله تعالى: «وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِى مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِى مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا» (الإسراء: ٨٠).
قالها النبى، صلى الله عليه وسلم، وهو مقبل على الهجرة، أعظم حدث فى تاريخ الإسلام الذى مثّل علامة فارقة فى تاريخ الدعوة الإسلامية، وانتقل بها من مرحلة كانت تواجه فيها التضييق والعنت إلى مرحلة التوسع والانتشار، لم يكن حدثًا عشوائيًا جرى فى يوم وليلة، بل كان مرتبًا ومعدًا له، حتى تأتى اللحظة التى يأذن الله لنبيه بالهجرة من مكة إلى المدينة.
النبى يلتمس من الله بهذا الدعاء أن ييسر سبيله، وأن يجنبه المخاطر، لإيصال دعوته إلى أهل الأرض قاطبة، طالبًا منه العون فى هذه الخطوة المصيرية من تاريخ الدعوة، مبتغيًا الدعم والتأييد من الله، فلا تصل إليه قريش التى أجمعت على قتله، حتى تقضى على الإسلام فى مهده.
وهذا الدعاء دعا به النبى وكل مسلم من بعده مقبل على خطوة جديدة فى حياته، فهو دعاء الفتح فى المشروعات الكبيرة، ودعاء فتح أبواب التوفيق عندما تكون مقبلًا على مشروع كبير فى حياتك، وتخشى أن تتوه فى دهاليز الحياة، وتعانى من التعقيدات فى أمر ما، عليك بهذا الدعاء يفتح الله لك به كل أبواب الخير.
لماذا هذا الدعاء على وجه التحديد؟ لأن النبى، صلى الله عليه وسلم، قاله وهو مهاجر من مكة إلى المدينة، ومعه صاحبه أبوبكر الصديق، بينما تبحث عنه قريش كلها، وكأنها رسالة اطمئنان لما قد يعترى نفسه فى هذا الوقت العصيب.
لم يجر الدعاء على لسانه، بل إن من أمره به الله سبحانه وتعالى، فظل النبى، صلى الله عليه وسلم، يردده حتى دخل المدينة.
لقد علّمه ربه ما يقوله ويناجيه به، متلمسًا صدق المدخل إلى المدينة، وصدق المخرج من مكة، والصدق هو سر الإخلاص فى العمل، فلا يبارك الله فى عمل يفتقد إلى صدق الإخلاص والتوجه، فما بالك، إن كان هذا العمل يقترن بأجل وأعظم مهمة يقوم بها إنسان على وجه الأرض، ألا وهى إيصال دعوة الله الحق إلى البشرية.
وهكذا كل مسلم يتقلد بنبيه، صلى الله عليه وسلم، ويلتمس خطاه، يدعو مثلما يدعو به، ويرجو من الله التيسير إلى ما يرضى به، مع ما يأخذ به من الأسباب فى حياته، حتى لا يغيب عنه التوفيق فى كل أمره، صغيره وكبيره، ويقرن ذلك بصدق التوجه إلى الله، فيكتب له المثوبة والأجر، فضلًا عن أن يرزقه البصيرة، فلا يتعثر فى خطوة يخطوها، ولا يمضى فى طريق يغضب الله.