«تأشيرة متوقفة».. أطراف أزمة تعليق العمرة: «بيوتنا هتخرب»

أصدرت المملكة العربية السعودية قرارًا بوقف استضافة ضيوف الرحمن خلال موسم العمرة الممتد على مدار العام والسياحة، مؤقتًا، في ظل تفشي فيروس كورونا المميت، خاصة بعد أن تأثرت به دول عربية مؤخرًا، وبدأ يدخل في إطار الوباء المميت الذي ما إن يدخل دولة إلا وتبعته حالة طوارئ.

قرار المملكة كان مفاجئًا لدرجة أن هناك رحلات كانت تتجه من مصر، اليوم، بغرض أداء العمرة، بل يكبد خسائر فادحة، "الدستور" تحقق في تأثيره على شركات السياحة من خلال رأى عدد من المتضررين الذين حجزوا بالفعل، غير أن حجزهم بات الآن كأن شيئًا لم يكن.

سارة: والدتي أجهشت بالبكاء

تحكي سارة السيد، 40 عامًا، من محافظة الجيزة، أنها وعدت والدتها بالعمرة بعد إنجاب أول طفل لها نظرًا لتأخرها في الإنجاب، وبالفعل بعد ولادة "يس" حجزت لأمها فى عمرة شهر شعبان بإحدى الشركات السياحية.

فوجئت سارة بقرار المملكة العربية السعودية بتعليق الدخول لأغراض العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف بسبب تفشي فيروس كورونا، وتقول: "الخبر كان صدمة لوالدتي وخالتي"، مؤكدة أنهما كانتا تستعدان لرحلة طالما حلمتا بها، مضيفة أنها استيقظت على جرس الهاتف من والدتها، وهي تجهش بالبكاء فور قراءتها خبر تعليق العمرة".

وتختم سارة قائلة: "أتفهم قرار المملكة العربية السعودية، وأعي تمامًا أنه لسلامة جميع المواطنين سواءً داخلها أو خارج المملكة، لكنني أتمنى أن يكون مؤقتًا، ويتم اتباع إجراءات مشددة تضمن السلامة لجميع المعتمرين قبل دخولهم للمملكة".

عصام: دفعت نصف المبلغ

عصام أحمد علي، 50 عامًا، كان يتمنى أداء عمرة شهر رجب، وبالفعل دفع ما يقرب من نصف المبلغ إلى إحدى الشركات السياحية، ولكنه فوجئ بقرار السعودية اليوم، وتواصل مع شركة السياحة، التي لم تفده بأي معلومات: "مفيش حد عارف حاجة لحد دلوقتي".

وأكد أنه لا أحد يعلم مصير الأموال التي دفعها المواطنون، لكن القرار السعودي فى مصلحة الجميع، فهو قرار سليم مائة بالمائة، قائلًا: "تهون الخسائر المادية أمام صحة الجميع"، منوهًا بأنه من الممكن أن يذهب أي شخص لأداء العمرة ويعود بإصابة من الممكن أن تكون بداية الوباء.

أمير: نحتاج معلومات دقيقة

أمير حسن، 45 عامًا، موظف بإحدى شركات المبيعات الخاصة، يقول: "ظللت أدّخر لسنوات المبلغ اللازم لسفر والدتي لقضاء عمرة، وعملت في وظيفتين في وقت واحد من أجل توفير هذا المبلغ"، منوهًا: "فور تجميعي إياه ذهبت لإحدى شركات السياحة الموثوق بها لحجز عمرة شهر شعبان المقبل، ناويًا أن أفاجئ والدتي بالتذكرة التي تمنتها، وتدعي يوميًا الله من أجل الحصول عليها".

ويوضح أنه فوجئ بأحد أصدقائه يخبره بقرار السعودية تعليق سفر المعتمرين، مؤكدًا له الخبر، وأنها ليست مجرد إشاعة، وهنا يتابع: "حزني على عدم استطاعتي إدخال السعادة إلى قلب أمي كان أكثر من حزني على الأموال التي ظللت أجمعها، ولا أكاد أذهب إلى بيتي بسبب وظيفتين أهلكتا وقتي وصحتي، أعمل بهما أكثر  من 20 ساعة يوميًا من أجل إسعاد والدتي بالزيارة المباركة لبيت الله الحرام".

وتابع: "ما يصدمه في القرار أنه غير محدد المدة، فلا يعرف أحد متى سيتم فتح باب العمرة مرة ثانية؟"، مناشدًا وزارة السياحة تحديد معلومات دقيقة أكثر عن هذا القرار المفاجئ حتى يقرر الآلاف من الراغبين في أداء مناسك العمرة في شهري رجب وشعبان، مدى إمكانية سفرهم هذا العام أو العدول عن القرار وعدم التفكير فيه.

شركات سياحية: خسائر فادحة

"الدستور" خاضت جولة ميدانية فى عدد من شركات السياحة، وجاءت ردودها بأن القرار صادم، وهناك شركات عادت من المطار اليوم، بعد إقصاء حجوزاتها، منوهة بأن "القرار خراب بيوت"، حسب تأكيد بعضها.

في ميدان التحرير بمنطقة وسط البلد، عدد هائل من شركات السياحة؛ سواء العامة التي تخصص جانبًا من نشاطها للسياحة الدينية أو الشركات المتخصصة في هذا النوع بالكامل، وكلاهما يعملان  على تنظيم رحلات العمرة والحج في مواسم تنظيمها، ضمن تلك الشركات توجهنا إلى "تراڤيل للسياحة"، التي بدأ الارتباك فيها مع الساعات الأولى من صباح اليوم، وذلك بسبب قرار تعليق العمرة الصادر من الجانب السعودي مساء أمس، على حسب ما ذكره محمد فاروق، مسئول قسم السياحة الدينية بالشركة.

يوضح فاروق، لـ"الدستور"، سر الارتباك بما حدث لفوجه السياحي الذي كان من المفترض أن يتوجه لمدينة جدة في رحلة تقلع من مطار القاهرة في الثامنة صباحًا، لكن ورد إليه اتصال هاتفي من عدد من المعتمرين يشتكون له المنع من الصعود على متن الطائرة، فلم يكن هناك حل أمامه غير اللجوء لبعض الحيل التي ما زالت تعمل، حيث إنه بعد اتصالاته التي قام بها، اكتشف أن مطار المدينة المنورة ما زال مفتوحًا أمام الزوار سواء لأداء مناسك العمرة أو لأغراض أخرى.

يكمل أنه سريعًا بدأ في التفاوض مع شركة مصر للطيران لتبديل التذاكر والحجوزات كي يتمكن زبائنه من اللحاق بأولى رحلات عمرة موسم شهر رجب، لكن ترتب على الأمر تكاليف مادية، بدأت بتغيير التذكرة التي كلفت 7250 جنيهًا للواحدة، ولكن النزيف المادي لم ينته عند هذا الأمر فحجوزات الفنادق سيتم تغييرها بالكامل، فبدلًا من المبيت في جدة سيتم الحجز بالمدينة التي ترتفع قيمتها نظرًا لقربها من الحرم المدني، حيث تبدأ المناسك.

ويوضح أنه لم يتم إخطارهم من قبل أي جهة رسمية مصرية بهذا الأمر كي يتخذوا أي إجراءات احترازية، فقرار التعليق علمه من الوكلاء أمس، لكنه شك في صحته، وتيقنوا منه عند رفض الموظفين بالمطار السماح للمعتمرين بالسفر، لكن إن استمر الوضع على هذا الحال ستتكبد الشركات خسائر فادحة، خاصة أن أول رد يصدره المعتمر للشركة أنه ليس له ذنب في هذا الشأن، وليس له إلا إتمام رحلته بعد حصوله على التأشيرة، وهو ما  يكفله له القانون، متابعًا: "أن شركته تعاقدت على 108 رحلات، وفي مواسم رجب وشعبان ورمضان حصلت شركته على 56 فردًا".

ومن "ترافيل" إلى "رمسيس للسياحة" التي شهدت وضعًا مغايرًا، تواجد بها عدد من الزبائن الذين استوفوا إجراءات الحجز لرحلة العمرة وحصلوا على التأشيرة الإلكترونية، هذه المرة لم يتوافدوا عليها لتقديم أي مستند أو السؤال عن موعد السفر، بل لإلغاء حجزهم، خاصة مع علمهم أن أول رحلة لفوجهم ستنطلق في الثامن عشر من مارس، لأداء مناسك العمرة في الرحلة المعروفة بالإسراء والمعراج التي تبدأ في الثلث الأخير من رجب حتى نهاية شعبان.

يذكر محمد سامي، مدير قطاع السياحة الدينية بالشركة، أن الساعات الأولى شهدت توافد عدد كبير من المعتمرين لإلغاء الحجز الخاص بهم، الأمر انطبق على الحاجزين من القاهرة والمحافظات، الذين لم تمنعهم المسافة من التواجد بوسط القاهرة في الساعات الأولى من اليوم، فمخاوفهم ليست مادية فقط، لكن للاطمئنان على صحتهم، والخوف من أن يصيبهم الفيروس، لكن كان للشركة بروتوكول في التعامل مع الموقف اعتمد على أسلوبين في الحل، فالمسافر المُصر على الإلغاء بدأت في تنفيذ رغبته على الفور مع وعد زمني في استرداد كافة مستحقاته المالية بعد عقد اجتماع مع الإدارة.

أما من وجدوا لديه القابلية للسفر المشروط بعد الاطمئنان، وعدته إدارة "رمسيس" بالسفر سالمًا بعد أن تُنهي المملكة السعودية تجهيز الحجر الصحي وإجراءات السلامة والأمان، حسب ما أوضحته وزارة الحج السعودية ووكلاؤها المتعاقدون مع دول العالم، مكملًا أنهم إن لم يتأكدوا من تحقيق هذا سيستردون أموالهم تطبيقًا للقرار السيادي الذي اتخذته السعودية.

وتابع "محمد" أن شركته حصلت على 218 رحلة موزعة على العام كله، 56 رحلة في رمضان، كاملة الحجوزات مع بداية الموسم في ديسمبر الحالي، لذا يتوقع أن تتكبد الشركة خسارة فادحة تقدر بالملايين إن لم يتم إنهاء تجهيز الحجر الصحي والتأكد من سلامة المتوجدين على الأراضي المقدسة، خاصة أن الموسم فُتح بعد عناء ودفع أموال كثيرة لاشتراك الشركات في البصمة والعمرة الإلكترونية المطبقة هذا العام لأول مرة.

شركات المنوفية: سنلجأ للإلغاء

من القاهرة إلى شركة الراشدين للسياحة الدينية بمدينة قويسنا محافظة المنوفية،  لم يختلف الأمر هنا كثيرًا، لكنه أكثر ارتباكًا وحيرة، فالمواطنون بدأوا يعلمون عن تعليق موسم العمرة منذ مساء أمس، ورغم أن رحلتهم في الثاني عشر من مارس المقبل، إلا أن عدم ورود أي اتصال هاتفي إليهم من مسئولي الشركة يُعلمهم  إن كانوا سيلحقون بالموسم أو ستُلغى رحلتهم- أثار ريبتهم كثيرًا.

وأوضح مصطفى عبدالسلام، مدير عام الشركة، أن المعتمرين بدأوا في التواجد من الصباح الباكر ظنًا منهم أن الشركة تتحايل عليهم، فبعد أن تنتهي مدة الخمسة عشرة يومًا المخصصة بالسماح للدخول لأداء المناسك لن يحصلوا على قيمة تذاكر السفر أو حجوزات الفنادق والتنقل هناك.
عمارى عبدالعظيم: قرار مؤقت

عماري عبدالعظيم، الخبير السياحي، ورئيس شعبة شركات السياحة والطيران المدني الأسبق، يقول إن المملكة العربية السعودية أكدت أن القرار مؤقت، وأنه ربما أن يتغير الوضع بعد عدة أيام قليلة، وهو ما لم يترتب عليه أي تأثير سلبي سواء على الشركات أو على المعتمرين الحاجزين، أما إذا طالت المدة عن ذلك فربما تقع بعض الخسائر التي لا يمكن تحديدها الآن.

وتابع: تعليق السفر هو إجراء مؤقت لاتباع سبل وقائية احترازية مشددة لضمان سلامة المعتمرين الوافدين إلى المملكة، وضمان خلو أي وافد من الإصابة بفيروس"كورونا"، مؤكدًا أنه في هذه الحالة لا بد أن تعمل المملكة على إيقاف "السيستم" لاتخاذ هذه الإجراءات ثم إعادته مرة ثانية، ولا يعني هذا إيقافه بشكل دائم.

وأضاف أن قرار المملكة العربية السعودية يأتي بالنهاية لمصلحة جميع المواطنين من جميع الجنسيات المختلفة، كما أن قرارها يعتبر قرارًا سياديًا لا يمكن التدخل به، بل يجب احترامه والامتثال له، فهو قد يغني أفردًا كثيرين عن إصابتهم بوباء عصيب مثل "كورونا".

وقال نائب رئيس غرفة شركات السياحة، باسل السيسي، إن السعودية تعمل على توعية المعتمرين دومًا، وتتخذ إجراءاتها الاحترازية من المطارات، ومتابِعة بشكل دقيق جميع الحالات قبل دخول للمملكة، لحماية المواطنين على أراضيهم.

وتابع "السيسي" أن إيقاف منح تأشيرات العمرة يأتي لحين تجهيز الحجر الصحي بجميع منافذ الدخول للمملكة، بناءً على تعليمات وزارة الصحة السعودية بسبب "كورونا"، بجانب أن التعليمات الصادرة من المديرية العامة للجوازات بوزارة الداخلية السعودية تضمنت تعليق دخول غير السعوديين للمملكة مؤقتًا لأغراض العمرة والزيارة، وإيقاف إصدار أي تأشيرات لهذا الغرض.

وأكد أنّ قرار المملكة العربية السعودية تضمّن تعليق دخول المملكة بالتأشيرات السياحية من الدول التي يشكل انتشار فيروس كورونا الجديد خطرًا داخلها، وهي "الصين، إيران، إيطاليا، كوريا، اليابان، تايلند، ماليزيا، إندونيسيا، باكستان، أفغانستان، العراق، الفلبين، سنغافورة، الهند، لبنان، سوريا، اليمن، أذربيجان، كازخستان، أوزبكستان، الصومال، فيتنام"، أو من غيرها من الدول التي يرتفع فيها انتشار الفيروس.

مصدر مسئول: القرار سعودي ولا تملك دولة التدخل

في الوقت نفسه أكد مصدر مسئول بالبرلمان، أن القرار برمته خاص بالمملكة العربية السعودية، ولا تملك أي دولة التدخل به، موضحًا أنه كما للدولة المصرية الحق بإصدار قوانين وقرارات من شأنها حماية الوطن وأفراده وليس من شأن أخرى حق التدخل بتلك القرارات كذلك الحال مع المملكة العربية السعودية.

وأضاف أنه سيتم عقد اجتماعات عاجلة بغرفة السياحة مع عدد من شركات السياحة وبعض المسئولين بالقطاع، للتوصل إلى حلول وسطية ترضي جميع الأطراف الذين من الممكن أن يصابوا بضرر، أما عن مدة تعليق السفر فأكد أيضًا أن تحديدها يرجع إلى السعودية، ولا تعلم المصادر السياحية بمصر متى ستنتهي هذه المدة.
اجتماع عاجل لوزير السياحة

من المقرر أن يعقد الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار، اجتماعًا عاجلًا، اليوم، مع المسئولين عن بوابة العمرة المصرية وغرفة شركات السياحة وقطاع الشركات بالوزارة، لبحث تداعيات القرار، لحين اتخاذ إجراءات احترازية ضد انتشار فيروس كورونا، ومن المقرر أن يتم الحديث حول مدة توقف الرحلات على الأراضي السعودية، وكيف يتم التعامل مع تلك الأزمة، بجانب الحفاظ على حقوق المعتمرين الذين حصلوا على تأشيرة، والشركات التي دفعت للفنادق وشركات الطيران.