رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هالة أمين تكتب: عندما بكى أخى على مبارك

هالة أمين
هالة أمين

هناك ذكريات لا تنسى مهما مر عليها الزمن، وتأتي أحداث لتوقظها من جديد، وتمر كشريط سينمائي أمام أعيننا فجأة، ولعل وفاة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك أثارت بعضا منها، فأطلت برأسها العاري فارتسمت صورة أخي وهو يبكي على القائد الأعلى للقوات المسلحة آنذاك.

أسابيع طويلة في بداية عام 2011، لم أر فيها أخي الذي كان رائدا بالجيش المصري بسلاح المشاة، فقد كان ضمن القوات التي تؤمن ثوار 25 يناير في ميدان التحرير، وعندما استطاع أن يحصل على يوم ليطمئن عائلته، استقبلته أمي وكانت أول جملة قالتها له لم تكن لتطمئن عليه هو، بل باغتته قائلة "أوعى تكون بتضرب نار على الولاد في التحرير"، رد محمد بكل حزم وعزة وكرامة "واخدين أوامر يا ماما الرئيس مبارك قال محدش يضرب نار على الثوار، قوات الجيش لتأمينهم".

كنت أقف على بُعد خطوات من أخي الذي طالت غيبته لآخذ دوري وأحظى بقبلة أو حضن، لكني ظللت صامتة أراقب حواره مع أمي، شعرت وقتها بالسعادة والفخر بما قاله وحينها، شعرت أيضا بالشفقة على مبارك، فلم يكن هو الشخص الرهيب الذي صورته وكالات الأنباء، وصور الثوار في الميدان وهي تلعنه.

وفي أواخر فبراير 2011، ظهر أخي مرة أخرى في زيارة خاطفة، كان قد تنحى مبارك، ووجدته ليلا يروي لأمي وهو يبكي قائلا: "دخلت على قائد سلاح المشاة يا ماما ووجدته لا يزال محتفظا بصورة مبارك بكيت وقولتله متشيلهاش يا فندم، قالي مش هشيلها يا محمد"، عندما بكى أخي وقتها، بكيت على مبارك أيضا وسألته "فعلا قولت كده، قالي آه كان قائدا عظيما".

وظل بكاء أخي على مبارك وكلامه عنه محفورا في ذاكرتي طيلة 9 سنوات، حتى وفاة مبارك في نفس الشهر الذي تنحى به وحقن دماء المصريين حتى لا تسقط مصر وتتحول إلى دولة فاشلة كنظيراتها؛ مما اندلعت فيها ثورات الربيع العربي، ومات مبارك بمصر، كما طلبها، فالوطن باقٍ والأشخاص زائلون.