رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

استمرار الاحتجاجات فى فرنسا.. ومأزق يهدد ماكرون وحكومته

جريدة الدستور

تشهد الشوارع الفرنسية اليوم الخميس خروج موجة جديدة من المظاهرات، تضم مختلف القطاعات المهنية، بناء على دعوة النقابات العمالية احتجاجا على إصلاحات أنظمة التقاعد المقترحة من الحكومة الفرنسية، في الوقت الذي يدخل فيه إضراب وسائل النقل يومه الـ 36 على التوالي، في أطول موجة تظاهرات تعرفها فرنسا منذ عقود.

يأتي هذا التحرك بعد يومين من انطلاق جولة جديدة من المفاوضات بين الحكومة الفرنسية والنقابات وأصحاب العمل، والتي أعلن رئيس الوزراء الفرنسي، إدوار فيليب، خلالها أن الشركاء سيجتمعون اعتبارا من الجمعة القادمة للبحث في الأوجه المالية لمشروع قانون التقاعد.

وكانت حركة الإضراب قد بدأت في 5 ديسمبر الماضي، واندلعت معها مظاهرات حاشدة شارك فيها نحو 800 ألف شخص اعتراضا على مشروع القانون الجديد لنظام التقاعد الذي تقترحه حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والهادف إلى تغيير نظام التقاعد المكون من 42 خطة منفصلة بامتيازات مختلفة، ليحل محله نظام واحد قائم على أساس النقاط، يتمتع فيه جميع المتقاعدين بحقوق متساوية، إضافة إلى رفع سن التقاعد تدريجيا من 62 إلى 64 عاما.

وأثار هذا المشروع جدلا واسعا على الساحة الفرنسية. ففي الوقت الذي ترى فيه الحكومة أن نظام التقاعد المقترح "أكثر عدلا"، يرى المعارضون له أن هذه الإصلاحات، والتي من شأنها إلغاء عشرات الخطط المنفصلة لعمال القطاع العام، بها قدر كبير من عدم الأمان وعدم المساواة فهي تعمل على التمييز بين الموظفين والعمال، وتحرم العاملين من العديد من الامتيازات التي تعد من أفضل مزايا أنظمة التقاعد في العالم، فضلا عن أنها تجبر ملايين الأشخاص في القطاعين العام والخاص على العمل لسنوات بعد سن التقاعد وهو 62 عاما.

وفي خطابه للتهنئة بالعام الجديد، دافع الرئيس ماكرون عن مشروعه لإصلاح أنظمة التقاعد، مؤكدا أنه "سيتم في وقته"، وطالب رئيس الحكومة إدوار فيليب بالتوصل إلى "تسوية سريعة" مع المنظمات والنقابات التي ترغب في ذلك، وهو ما لم يجد قبولا من قبل النقابات التي ترفض بشكل قاطع قبول هذه الإصلاحات.

وكان الأمين العام لنقابة "سي جي تي"، فيليب مارتينيز، قد جدد مطالبته بسحب مشروع الإصلاح الحكومي، معتبرا أن التعبئة المعارضة للمشروع "حركة قوية، ولا يزال الرأي العام يؤيدها".

وتؤكد استطلاعات الرأي أنه على الرغم من معاناة المواطنين والظروف الصعبة التي يعيشونها جراء الإضرابات واضطرابات وسائل النقل إلا أن هذه الحركة الاحتجاجية لاتزال تحظى بدعم وتأييد الفرنسيين، حيث أظهرت آخر الاستطلاعات، التي أجرتها مراكز "إيفوب" و"هاريس انتراكتيف"، أن ما بين 44% و60% من الفرنسيين لا يزالون متضامنين مع الحركة رغم تراجع نسبة التأييد بعد عطلة الأعياد. كما أن أعداد المشاركين في المظاهرات تعتبر كبيرة، وتحطم في بعض الأحيان أرقاما قياسية، وهو ما يعكس دعم شرائح واسعة من الفرنسيين لهذه الحركة.

ويبدو المشهد الفرنسي حاليا ملبدا بالغيوم في ظل استمرار الإضرابات الرافضة لإصلاح نظام التقاعد دون أي حل في الأفق مع تشبث الطرفين، الحكومة والنقابات، بموقفيهما تجاه هذا الملف، وهو ما يطرح تحديا صعبا أمام الرئيس ماكرون الذي وضع إصلاح أنظمة التقاعد في صلب حملته الانتخابية عام 2017، مؤكدا أنها ستكون أكثر شفافية وإنصافا، خاصة بالنسبة للنساء وذوي الدخل المنخفض.

ويؤكد المراقبون أن حسم هذه المعركة لن يكون سهلا. فمن ناحية ترغب النقابات الفرنسية في إثبات أنها لاتزال قادرة على تلبية المطالب الشعبية والقيام بدورها في الدفاع عن مكتسبات الفرنسيين ومصالحهم ونموذجهم الاجتماعي، لذلك لايبدو من السهل أن تتراجع عن موقفها إزاء الإصلاحات المقترحة، لاسيما وأن موضوع التقاعد من أكثر الملفات الحساسة والشائكة على الساحة الفرنسية.

من ناحية أخرى، من المستبعد أن يرضخ ماكرون أمام مطالب النقابات ويتراجع عن خططه الإصلاحية التي يولي لها اهتماما أوليا في برنامج حكومته، ويصمم على المضي قدما في تنفيذها دون تقديم أي تنازلات.

في ضوء ذلك.. يرى المراقبون أهمية استمرار الحوار بين الحكومة والنقابات في محاولة للتوصل لنقاط مشتركة قد تكون بداية لحل توافقي يرضي جميع الأطراف، مؤكدين أن استمرار حالة الاحتقان والتوتر في الشارع الفرنسي على هذا النحو لا تصب في مصلحة الرئيس ماكرون الذي سيخوض حزبه "الجمهورية إلى الأمام" معركة الانتخابات المحلية في مارس القادم ويتطلع إلى تحقيق نتائج جيدة تعزز موقفه على الساحة، وتؤهله لخوض السباق الرئاسي في 2022.