رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف تتعامل إسرائيل مع صراعات الغاز فى شرق المتوسط؟

جريدة الدستور


«شرق المتوسط» منطقة لها تاريخ طويل فى التنافس والنزاع، وظهور التحالفات مؤخرًا فى حوض شرق المتوسط لحماية المصالح الاقتصادية كان له العديد من الانعكاسات على الوضع السياسى بالمنطقة. فبعد اكتشاف حقول ضخمة للغاز فى الحوض الشرقى للمتوسط، أمام سواحل إسرائيل ولبنان وقبرص ومصر، ظهر معسكران: الأول يضم مصر وقبرص اليونانية واليونان وإسرائيل، وعقدت اتفاقات لتعيين الحدود وتقاسم «المياه الاقتصادية» التى تحتوى على حقول الغاز الطبيعى، وبدأت مبادرات مشتركة لمد خطوط غاز إلى أوروبا. فى المعسكر المواجه تقف تركيا، وقبرص التركية المحتلة، التى تحاول بكل قوة العمل على خلط الأوراق والاستيلاء على حقوق المعسكر الأول فى الغاز خاصة اليونان وقبرص، وهو ما تجلى فى الاتفاق غير الشرعى مع ما تسمى حكومة الوفاق الليبية، حول الحدود البحرية. وفى هذا الملف تتعامل إسرائيل بحذر شديد.. وفى السطور التالية نستعرض شكل الصراع فى هذه المنطقة الساخنة وكيف تتحرك تل أبيب.


تل أبيب تشكل تحالفًا بجانب اليونان وقبرص بعد تدهور العلاقات مع تركيا فى الفترة الأخيرة


فى تحرك اعتبره كثيرون ردًا على الاتفاق التركى مع ما تسمى حكومة الوفاق المسيطرة على العاصمة الليبية، حول ترسيم حدود بحرية بينهما، توجه بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل المنتهية ولايته، إلى اليونان، حيث وقع على اتفاق ثلاثى لمد خط غاز إلى أوروبا، ما يمثل تطورًا جديدًا فى ملف التوترات التى تسود منطقة شرق المتوسط.
وقال مراقبون إن خطوة «نتنياهو» تأتى فى إطار رغبته فى تعزيز اقتصاد إسرائيل عبر تصدير الغاز من حقول شرق المتوسط إلى أوروبا، عبر قبرص واليونان، وهو ما يعزز موقف الدول الثلاث فى مواجهة الأطماع التركية فى المنطقة، كما ظهرت فى الاتفاق الأخير.
وذكرت دراسة كتبها السفير الإسرائيلى السابق فى الأردن، عوديد عيران، أن خطوة «نتنياهو» تأتى فى إطار رؤية إسرائيلية تعتبر أن توثيق العلاقات مع اليونان وقبرص يوازن إلى حد كبير تراجع العلاقات المستمر مع تركيا.
وقالت الدراسة، التى نشرها معهد دراسات الأمن القومى الإسرائيلى، إن العلاقات المتزايدة بين إسرائيل واليونان فى السنوات الأخيرة جاءت نتيجة تصاعد التوتر بين إسرائيل وتركيا، ما أكسب العلاقات بين تل أبيب وأثينا دعمًا كبيرًا، ظهر فى تدشين استراتيجية جديدة للتعاون بشأن ملف الغاز الطبيعى.
وأشارت إلى أن إسرائيل حاولت إصلاح العلاقات مع تركيا أكثر من مرة، وهو ما ثبتت صعوبته، خاصة فى ظل الرغبة فى تحسين العلاقات مع اليونان وقبرص، منوهة بأن تل أبيب اختارت- على ما يبدو- أن تتحالف مع أثينا ونيقوسيا خلال هذه المرحلة.
الأمر نفسه أكدته دراسة أخرى أعدها الباحثان أوفير وينتر وجاليا ليندينشتراو لمعهد الأمن القومى الإسرائيلى وقالا فيها: «إن تدهور العلاقات الإسرائيلية التركية بدأ منذ عام ٢٠٠٩ وتداعيات حادث (مرمرة) فى مايو ٢٠١٠، هو ما أسهم فى تطوير العلاقات بين اليونان وقبرص وإسرائيل».
وكانت إسرائيل قد هاجمت سفينة «مرمرة» التركية، التى كانت ضمن أسطول صغير من سفن تحمل مواد إغاثة فى طريقها إلى قطاع غزة، وذلك فى محاولة لكسر الحصار الذى تفرضه إسرائيل على الشريط الساحلى.
وذكرت الدراسة أن تدهور العلاقات التركية مع دول شرق المتوسط ظهر فى المحادثات الرسمية حول إنشاء منتدى للغاز يجمع بين دول المنطقة.
وأعلن وزراء الطاقة فى ٧ دول، يناير الماضى، إنشاء المنتدى الاقتصادى، على أن يكون مقره القاهرة.
والدول المشاركة فى إنشاء المنتدى بالإضافة إلى مصر هى: إيطاليا، واليونان، وقبرص، والأردن، وإسرائيل، وفلسطين، على أن تكون العضوية مفتوحة لمن يرغب بذلك.
ولفتت دراسة «الأمن القومى الإسرائيلى» إلى أن اكتشافات الغاز الطبيعى فى شرق البحر المتوسط، خلال السنوات الأخيرة، كشفت للجميع عن الحاجة إلى وجود إطار لتنسيق المواقف تجاه المستهلكين من خارج المنطقة، فى ظل عدم قدرة كل دولة على حدة على تحقيق أهدافها، الأمر الذى تطور إلى التعاون الاقتصادى فى محاولة لتدشين بنية تحتية مشتركة تمكن هذه الدول من نقل الغاز الطبيعى بكفاءة إلى السوق الأوروبية.
ونوهت بأن أهداف هذا المنتدى تتجاوز فكرة الاستفادة من الموارد الطبيعية إلى خلق إطار للاتصال والتنسيق حول السياسات العدوانية التى تنتهجها تركيا فى المنطقة.


نزاع مع لبنان حول الحدود البحرية.. و«حزب الله» يهدد بـ«تدابير لوقف عملية السرقة»


من النقاط الساخنة فى شرق المتوسط، النزاع بين لبنان وإسرائيل حول الحدود البحرية، وتحديدًا حول منطقة تقدر بـ٨٥٠ كيلومترًا، حيث تؤكد لبنان أن جزءًا من المياه الاقتصادية التى يوجد فيها حقل ليفياثان الإسرائيلى، وحقل أفروديت القبرصى، ملك لها.
وسبق أن هدد الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، بأنه لن يتردد فى اتخاذ التدابير اللازمة إذا سرقت إسرائيل الغاز من المياه اللبنانية، وتأخذ إسرائيل هذه التهديدات بمنتهى الجدية، ويبقى أن حركت ٤ قطع بحرية للدفاع عن منصات الغاز الإسرائيلية ضد أى هجمات من البحر والجو.
ومنذ سنوات، تحاول الولايات المتحدة التوسط بين إسرائيل ولبنان بشأن المياه الاقتصادية، لكنها لم تحقق نتائج حتى الآن، وقد بدأت إسرائيل التنقيب عن الغاز منذ أكثر من عشرين عامًا، وتدفق الغاز عام ٢٠٠٣ من البحر، لكن الطفرة كانت عام ٢٠١٠، عندما أعلن اتحاد من الشركات عن اكتشاف الغاز فى حقل ليفياثان، وعلى الفور وقعت إسرائيل وقبرص اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بينهما، إذ إن المسافة بين البلدين تقل عن ٤٠٠ ميل بحرى، فيما أعربت لبنان فى يونيو ٢٠١١ عن معارضتها الاتفاق بين إسرائيل وقبرص، وردت إسرائيل على الاعتراض وقدمت إحداثيات لتحديد حدودها البحرية مع لبنان، وتبين أن هناك ٨٥٠ كيلومترًا مربعًا متنازعًا عليها.
وعقب الشكوى اللبنانية، أوقفت إسرائيل منح تراخيص جديدة للتنقيب فى المنطقة محل النزاع حتى حل الأزمة من خلال الوساطة الأمريكية، وعقدت واشنطن عدة محادثات عام ٢٠١٢، واقترحت حلًا وسطًا يضمن تقسيم المنطقة المتنازع عليها، ووافقت إسرائيل، بينما لم ترد لبنان. وفى مارس ٢٠١٣ نشرت وزارة الطاقة اللبنانية خريطة للمنطقة الاقتصادية البحرية مقسمة إلى «قطاعات»، وهو المصطلح الخاص بالمناطق التى يمكن أن تخضع للمناقصات، وأظهرت الخريطة أن الحكومة اللبنانية تجاهلت المزاعم الإسرائيلية بشأن حدود المياه. وفى ٢ فبراير ٢٠١٧، اشتكت إسرائيل للأمم المتحدة نية لبنان منح تراخيص لشركات تنقيب، لكن بعد عام أعلنت شركة «توتال» أنها وشركاءها على دراية بالنزاع وبالتالى لن تعمل على بعد ٢٥ كم من المنطقة المتنازع عليها، وحتى اليوم لا تزال هذه القضية معرضة للانفجار فى أى وقت.


تقارير عبرية: أنقرة تحاول السيطرة على «حنفية الغاز» إلى القارة الأوروبية بالاتفاق البحرى مع فايز السراج


اعتبرت تقارير إعلامية إسرائيلية أن التوتر المتصاعد بين تركيا واليونان سيعزز من الشراكة الإقليمية التى انضمت إليها إسرائيل فى شرق المتوسط، مع قبرص واليونان، للتنسيق فى ملف نقل الغاز الطبيعى بالمنطقة إلى أوروبا.
وقال موقع «مكور راشون» العبرى إن العلاقات بين تركيا واليونان ازدادت توترًا فى العامين الماضيين، بعد الخلاف بينهما بشأن التنقيب التركى عن الغاز فى المياه الإقليمية لقبرص واليونان، بالإضافة إلى الادعاءات المتبادلة بانتهاك الحقوق الإقليمية فى بعض الجزر فى بحر إيجه.
وأضاف أن بداية عام ٢٠١٩ شهدت تطورًا ناتجًا عما سماه «البلطجة التركية» ضد الصيادين اليونانيين، الأمر الذى أدى إلى سلسلة من الحوادث العسكرية، ما زاد من التوتر بشكل كبير. وتابع: «تركيا، التى تحتل شمال قبرص، وتقيم فيها دولة لا يعترف بها أحد فى العالم، إلا تركيا نفسها، تدّعى أن الغاز الموجود فى مياه البحر حول قبرص يعد ملكًا لها».
وأشار إلى أن التوترات ازدادت بشكل كبير فى المتوسط، بعدما وقعت تركيا، فى ٢٧ نوفمبر الماضى، اتفاقًا لترسيم الحدود البحرية مع ما تسمى حكومة الوفاق،، فى الوقت الذى تشكك فيه الحكومة المدعومة من قائد الجيش الليبى خليفة حفتر بشرعية الاتفاق، بالإضافة إلى اليونان نفسها التى شجبت تجاهلها فى هذا الاتفاق فى ظل وقوع جزيرة كريت اليونانية بين المياه التركية والليبية.
وأشارت دراسة نشرها معهد الأمن القومى الإسرائيلى إلى أن هناك عوامل وقفت خلف الاتفاق التركى الليبى، أهمها معارضة تركيا ميثاق الأمم المتحدة للقانون البحرى «UNCLOS» وذلك منذ العام ١٩٨٢.
وأضافت أن تركيا قلقة من تطور التعاون بين دول المنطقة، الذى تمثل فى إقامة منتدى غاز شرق البحر المتوسط، موضحة أن تركيا فسرت المنتدى باعتباره جهدًا إقليميًا لعزلها، كما تسبب تأييد الولايات المتحدة هذه الاتفاقات فى إثارة ذعر أنقرة. ونوهت بأن ذلك الموقف دفع تركيا إلى توقيع الاتفاق مع ما تسمى حكومة الوفاق التى لا تحكم إلا جزءًا صغيرًا من الأراضى الليبية، مشيرة إلى أن هذا الاتفاق يمثل تحديًا كبيرًا أمام العلاقات التركية اليونانية المتوترة أصلًا. ولفتت إلى أن إسرائيل ترى أن الاتفاق التركى الليبى محاولة لوضع مصاعب أمام مشروع بناء أنبوب غاز فى شرق البحر المتوسط، من المقرر أن يمتد من حقول الغاز الطبيعى أمام شواطئ إسرائيل إلى قبرص ثم إلى جزيرة كريت اليونانية ومنه إلى غرب اليونان، حتى يصل فى نهاية الأمر إلى إيطاليا.
وكتب المحلل السياسى «روى بن يشاى»، فى مقاله بجريدة «يديعوت أحرونوت»، أن تركيا لا تدعى فحسب أن لديها حقوقًا فى المياه الاقتصادية القبرصية، بل تزعم أيضًا السيطرة على المياه الاقتصادية بين شواطئ تركيا وليبيا، وتصر على أنها لن توافق على مرور الأنبوب تحت الماء فى هذه المنطقة إلى أوروبا.
وأضاف: «الهدف التركى واضح، وهو أن تركيا تريد أن تربح هى من الأنبوب، وليس اليونان، رغم أن الأخيرة أيضًا عضو فى حلف شمال الأطلسى»، مشددًا على أن تركيا معنية بأن تكون هى المسيطرة على «حنفية الغاز» إلى أوروبا، حتى تغلقها متى شاءت.