رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أبو تريكة الألمانى!



تعرضه لهجوم شرس فى مايو ٢٠١٨، بسبب صورة تجمعه بالرئيس التركى وهو يهديه قميصه وعليه عبارة «كل الاحترام لرئيسى»، لم يمنع اللاعب الألمانى، تركى الأصل، مسعود أوزيل، من تناول الإفطار مع ذلك الأحمق، فى مايو ٢٠١٩. وفى الشهر التالى جعله شاهدًا على عقد قرانه، وأقام حفل زفافه، بحضوره، فى فندق فخم على شاطئ البوسفور.
اللاعب الذى بلغ عامه الـ٣١ فى ١٥ أكتوبر الماضى، يلعب فى نادى أرسنال الإنجليزى، منذ انتقاله إليه فى ٢٠١٣. ولأنه ولد وعاش فى ألمانيا ويحمل جنسيتها، فقد وجد منتقدوه فى «ولائه» لأردوغان «خيانة عظمى» لألمانيا و«جحودًا» لأفضالها، خاصة أن العلاقات التركية الألمانية كانت، وقتها، فى أسوأ حالاتها. وبعد فشل المنتخب الألمانى الذريع فى مونديال روسيا، والتوترات التى أحدثتها صورة أوزيل وأردوغان الأولى، داخل وخارج أروقة الاتحاد الألمانى لكرة القدم، اعتزل المذكور اللعب دوليًا، متهمًا رئيس الاتحاد بالعنصرية.
مجددًا، عاد أوزيل إلى الأضواء، ليؤكد أن ولاءه للرئيس التركى أكبر من ولائه لألمانيا ولناديه الإنجليزى. وعلى صورة خلفيتها العلم الذى اختاره انفصاليون صينيون لدولتهم الإسلامية، «تركستان الشرقية»، كتب، الجمعة الماضى، فى حسابه على تويتر، تغريدة ينتقد فيها تعامل الصين مع مسلمى الإيغور، أو الأويجور، Uygur أو Uighur، فى إقليم شينجيانج، ما دفع القناة الرسمية الصينية «سى سى تى فى»، الأحد، إلى إلغاء بث مباراة أرسنال ومانشستر سيتى. ورسميًا، تعاملت الصين مع الأمر بمنتهى الهدوء، ودعت أوزيل، الإثنين، إلى زيارة الإقليم. وقالت الخارجية الصينية إن اللاعب بنى موقفه على «معلومات مغلوطة»، و«طالما أنه يمكنه التمييز بين الصواب والخطأ، فسوف يرى شينجيانج مختلفة».
نادى أرسنال ذكر فى حسابه على موقع «ويبو»، البديل الصينى لـ«تويتر»، أن ما كتبه أوزيل كان «رأيه الشخصى»، مؤكدًا أن النادى حريص على «عدم الزج بنفسه فى السياسة». غير أن وزير الخارجية الأمريكى، مايك بومبيو، لم يفوّت الفرصة، وأعلن عن دعمه للنادى ولاعبه، وكتب فى حسابه على تويتر، الثلاثاء، أنه «لا يمكن للحزب الشيوعى الصينى أن يخفى عن بقية العالم انتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان ضد الإيغور». كما دافعت الحكومة البريطانية «عن حرية التعبير»، وذكرت أنها «تعرب بانتظام عن مخاوفها بشأن حقوق الإنسان فى شينجيانج».
مرتبكًا، متلعثمًا أو متهتهًا، وكأنه يحاول «تسميع» كلام تم تلقينه له، دخل أبوتريكة القطرى، المصرى سابقًا، على الخط، وأعلن على شاشة «بى إن سبورت» القطرية، عن مساندته لأوزيل، زاعمًا أنه يحارب «غول اقتصادى قوى» وأنه يدفع الآن «ضريبة موقفه القوى والشجاع». وكعادة عناصر الإخوان، وضع المُدرج على قوائم الإرهابيين، لمسته أو «التاتش بتاعه»، وزعم أن أوزيل رفض عرضًا من الصين «بأضعاف أضعاف اللى بياخده فى الأرسنال»!.
لو عاد أبوتريكة القطرى، أو ملقنوه، إلى جريدة «ميرور» البريطانية الصادرة صباح ١٠ أكتوبر الماضى، لعرف أن أن الإسبانى يوناى إيمرى، مدرب أرسنال، يريد «التخلص» من أوزيل بسبب راتبه المرتفع، وعدم التزامه فى التدريبات. وأن وكيل أعمال اللاعب بدأ فى التواصل مع نادى «فنربخشه» التركى، لترتيب صفقة انتقال. كما رجّح تقرير نشره موقع «بليتشر ريبورت»، فى ٢٦ أكتوبر، أن تكون الخطوة التالية لأوزيل، هى فريق «لوس أنجلوس جالاكسى» الأمريكى. وهناك تقارير أخرى، فى أغسطس، تشير إلى أن اللاعب أرسل وكلاءه إلى واشنطن لإجراء محادثات مع نادى «دى سى يونايتد»، نادى العاصمة الأمريكية.
بوضع الولايات المتحدة، بريطانيا، تركيا وقطر، فى كفة، طبيعى أن ينحاز العاقل إلى الكفة الأخرى: كفة الصين، التى يعيش فيها عشرات ملايين المسلمين، بشكل عادى وطبيعى، ولم يجدوا ما يعكر صفو حياتهم إلا فى إقليم شينجيانج، الذى تهزه بانتظام تفجيرات وأعمال عنف يقوم بها إرهابيون وانفصاليون، لم تتوقف منذ أعلن ماو تسى تونج، فى ١ أكتوبر ١٩٤٩، عن تأسيس جمهورية الصين الشعبية.
وجود الشيطان فى كفة لا يعنى طبعًا، أو بالضرورة، عدالة موقف الكفة الأخرى، لكن قبل أن تولّى وجهك أو قلبك شطر هذه أو تلك، ضع نصب عينيك أنك لن تجد أى اهتمام بالإيغور، إلا بعد ما يوصف بـ«الربيع العربى»، وأن «الجزيرة» وأخواتها لم تلتفت إليهم إلا فى ٢٠١٥، بعد أن قام شباب حزب العدالة والتنمية، حزب أردوغان، بتنظيم مظاهرة أمام القنصلية الصينية فى إسطنبول، نددوا خلالها بما وصفوه بـ«الظلم الواقع على المسلمين فى تركستان الشرقية»!.
وتبقى الإشارة إلى أن محاولات الاستفادة سياسيًا من كرة القدم، كما ذكرنا فى مقال سابق، عادية وطبيعية. ولا يقع وزرها على السياسى الذى يحاول، بل على اللاعب الذى يستجيب أو يقع فى الفخ، دون أن يدرس العواقب.