رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصنع الحكايات.. مكرم سلامة: لدىّ 1000 فيلم وثائقى و«أفيشات» 2000 عمل نادر.. ودفعت فيها كل قرش أملكه

جريدة الدستور

أشهر جامع وثائق يفتح لـ« الدستور» خزانة أسرار عباقرة السينما فى مصر
«ليلى» أول فيلم سينمائى أنتج فى مصر عام 1927 والمخرجة كانت السيدة عزيزة أمير
الإسكندرية ثانى مدينة يُعرض فيها شريط سينمائى بعد باريس وسبقت لندن
وجدت وثائق السكك الحديدية مع جامع قمامة.. وتبرعت لمكتبة الإسكندرية بإرث مزراحى

كأنه منذور لحفظ تراث الفن السابع فى مصر، حوّل مكرم سلامة، أشهر جامع وثائق فى مصر والوطن العربى، بيته على مدار عقود طويلة إلى ما يشبه «المتحف الصغير»، الذى يضم تاريخ أول «مشخصاتية» يقفون أمام الكاميرات.
بابتسامة حكيم، يجلس الرجل بين «أفيشات» أكثر من ٢٠٠٠ فيلم سينمائى، ينتظر الفنانين الشبان الذين يقودهم الشغف للبحث عن تراث من سبقوهم، ولم يكتف بذلك بل تبرع لمكتبة الإسكندرية بأرشيف المخرج الكبير توجو مزراحى، وبوثائق إنشاء هيئة سكك حديد مصر.
«الدستور» التقت «سلامة»، الذى كشف عن حكايات عباقرة السينما فى مصر، وحكى عن أوراق تخص العائلة المالكة، وجدها مصادفة فى يدى واحد من جامعى القمامة.

■ كيف بدأت قصتك مع جمع الوثائق؟
- أنا صعيدى، أحببت السينما منذ طفولتى، وكانت دور العرض تملأ محافظات الصعيد فى ذلك الوقت، وبعد أن حصلت على شهادة الثانوية العامة، من إحدى مدارس نجع حمادى بمحافظة قنا، لم أكمل تعليمى، وقررت الانتقال إلى القاهرة، حيث كنت أبحث عن كل ما يخص تاريخ السينما بشغف كبير. وبعد حرب أكتوبر المجيدة سافرت إلى السويس، وافتتحت شركة ملاحة وأدرت أعمالى هناك حتى عام ١٩٩٠، وبعدها انتقلت إلى الإسكندرية، حيث أعمل هنا منذ ٣٥ عامًا. وخلال هذه الفترة وإلى الآن، أشترى كل شىء يخص السينما بكل قرش أملكه، وكنت أشترى من المُلاك أرشيف السينما كاملًا، وكل ما تقع عليه عيناى، خوفًا من أن يضيع هذا التراث السينمائى العظيم.
■ ما أهم الوثائق التى تملكها حاليًا؟
- أملك كل الخطابات التى كانت ترسلها الدول العربية لموزعى الأفلام فى الماضى، ووثائق توزيع الأفلام القديمة خارج مصر، وتضم معلومات قيمة جدًا لا تتعلق بالسينما فقط، بل بالسياسة أيضًا، فتحكى عن أحداث قبل ثورة يوليو ١٩٥٢ وبعدها، كما تحمل آراء مرسل الخطاب فيما يتعلق بالأحداث الجارية آنذاك.
أغلب تلك الخطابات من لبنان والعراق وسوريا، وتكشف عن أنه فى فترة ما قبل ثورة ٢٣ يوليو كان أغلب الموزعين يهودًا، لأنهم كانوا يمتلكون رأس المال الكافى لهذه التجارة آنذاك، ولم يكن هناك فرق بين مسلم ومسيحى ويهودى. ومن بين الخطابات خطاب أرسله موزع من الشام، حكى خلاله عن ثورة الفلسطينيين ضد الاحتلال البريطانى، وضد استيطان اليهود عام ١٩٣٦.
■ هل تملك وثائق عن عدد دور العرض آنذاك؟
- نعم، أملك عقودًا كان يستخدمها الموزعون السينمائيون، وتثبت أن مصر ضمت ١٠٠٠ دار للعرض السينمائى فى جميع المحافظات، خلال فترة ما. الأقصر مثلًا كانت تضم ٥ دور عرض، منها «دريجو» و«النصر» و«شركة السكر»، وأرمنت كانت تضم دارى عرض، إحداهما تابعة لمصنع السكر، بجانب ٤ دور عرض فى قنا، و٢ فى نجع حمادى، إحداهما صيفية والأخرى شتوية، ثم جرى افتتاح دار ثالثة، وكانت هناك سينمات فى إدفو وكوم أمبو وإسنا وفرشوط وجرجا وسوهاج وأسيوط، وأسوان وحدها كانت تضم ٤ دور عرض.
■ تبرعت لمكتبة الإسكندرية بإرث المخرج توجو مزراحى.. كيف تم ذلك؟
- نظمت مكتبة الإسكندرية احتفالية تحمل اسم توجو مزراحى، ولأننى أمتلك ٣٧ فيلمًا له من أصل ٤٥ فيلمًا أخرجها، فى الاستديو الخاص به بمنطقة السيوف بالإسكندرية، رأيت أن هذا الكنز يجب أن يُحفظ للأجيال المقبلة.
«مزراحى» كان من مؤسسى الفن السابع فى مصر، وللأسف لا تعرف الأجيال الجديدة أن الإسكندرية ثانى مدينة على مستوى العالم يُعرض فيها شريط سينمائى بعد باريس. فالسينما بدأت فى فرنسا عام ١٨٩٦، ثم فى مصر عام ١٨٩٨، كما لا يعرف الكثيرون أن الإسكندرية عرفت السينما قبل لندن.
و«مزراحى» هاجر فى أربعينيات القرن الماضى إلى إيطاليا، ومات فى الثمانينيات، وباعت هيئة الضرائب أفلامه «٤٥ فيلمًا» لشخص فى القاهرة، بمبلغ ٣ آلاف جنيه.
■ أين كان موقع أول عرض سينمائى فى الإسكندرية؟
- فى المكان الذى يقف فيه قصر ثقافة الشاطبى حاليًا، وكان اسمه «نادى محمد على»، وخرجت باسمه أول رخصة للعرض السينمائى فى مصر، وكُتب فيها «مكان للألعاب السيماوية»، وأنا أمتلك الرخصة الثانية، التى صدرت عام ١٨٩٩، وتغير فيها الاسم إلى «سينماتوغراف»، وكانت تلك الرخص تتيح إقامة الحفلات العامة أيضًا، وعثرت على هذه الرخص مع رجل مسافر، واشتريتها منه.
■ هل قدمت لمكتبة الإسكندرية كنوزًا أخرى؟
- نعم، تبرعت للمكتبة بـ١٠٠٠ وثيقة تؤرخ مراحل إنشاء هيئة سكك حديد مصر، من الإسكندرية إلى أسيوط، تضم خرائط وأوراقًا تخص العائلة المالكة وتحمل توقيعات مهمة، والمفارقة العجيبة أننى وجدت هذه الوثائق مع جامع قمامة، ولم يكن يعرف قيمتها، فاشتريتها منه.
■ ما حكاية أول فيلم جرى إنتاجه فى مصر؟
- أول إنتاج لفيلم سينمائى فى مصر كان عام ١٩٢٧، وحمل اسم «ليلى»، وكان من إخراج السيدة عزيزة أمير، وبعدها قدمت النجمة فاطمة رشدى فيلم «فاجعة فوق الهرم»، وفى عام ١٩٣٢ قدم يوسف وهبى فيلم «أولاد الذوات»، وجميع تلك الأفلام كانت صامتة، ثم جاءت تقنية الصوت فيما بعد.
■ من أقدم مصور فى مصر؟
- الإيطالى الفيزى الفانيلى، وكان مصورًا ومنتجًا، وله الفضل فى دخول توجو مزراحى السينما. و«الفانيلى» اشترى شركة كانت تصور الميادين والشوارع أثناء الحروب، واستخدم معداتها ليبدأ صناعة السينما فى مصر، ومات هذا الرجل فى سبعينيات القرن الماضى.
■ كيف انتقلت السينما من الإسكندرية إلى القاهرة؟
- انتقلت السينما إلى القاهرة عام ١٩٣٥، وكان الفضل للنجمة عزيزة أمير، كما ساعدت الحرب العالمية الثانية على انتشار السينما فى مصر، إذ جاء إلينا أغلب ملوك العالم وقتها.
■ هل بيع الأفلام القديمة لأشخاص غير معروفين يعنى اندثار هذه المواد؟
- بالطبع لا.. فحتى وإن بيع الفيلم وحق النسخ من «النيجاتيف» يحتفظ «ستوديو مصر» بنسخة منه، وبالتالى فإن أى فيلم جرى بيعه هناك نسخة محفوظة منه، ولا أصدق من يقول إن أحدهم باع «النيجاتيف»، لأن هذا هو تراث مصر وغير مسموح بالتفريط فيه.
■ ما قصة «الأفيشات» التى تملأ بيتك؟
- فى رحلة بحثى عن الوثائق جمعت «بوسترات» أكثر من ٢٠٠٠ فيلم، وأغلبها أفلام نادرة، مثل بوستر فيلم «أمير الانتقام» وبوسترات عزيزة أمير ويوسف وهبى وأنور وجدى، وكل أبطال هذا الزمن الجميل، وكلها أصلية، كما جمعت صورًا أصلية التقطت خلال تصوير بعض الأفلام، توثق مراحل التصوير، ورسومات كثيرة أخرى متعلقة بالأفلام.
■ لماذا تهتم بـ«الأفيشات»؟
- لأن «أفيشات» السينما فى ذلك الوقت لم تكن مجرد لقطة بالكاميرا، بل لوحة رسمها فنان عظيم، عادة ما يوقع عليها ويعتبرها من أهم أعماله، كما أن هذه «الأفيشات» تضم روائع الخطاطين المصريين، وكان كل خطاط يحرص على وضع شعار يعبر عن الفيلم، ما كان يساعد فى انتشار الفيلم ونجاحه، فـ«الأفيش» منتج شارك فى صناعته رسام وخطاط ومخرج، لذا أعتبره عملًا فنيًا متكاملًا لا بد من الحفاظ عليه.
■ كم عدد الأفلام الوثائقية التى تحتفظ بها؟
- أمتلك ١٠٠٠ فيلم وثائقى، منها ٣٠٠ فيلم عربى أُنتجت خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى، تحكى عن أمور شتى، وعلى رأسها فيلم عن توفيق الحكيم، مدته ٤٠ دقيقة، وأفلام عن الفنانين بيكار ومحمود موسى وعبدالهادى الجزار.
■ ماذا يضم أرشيف الصور الذى تمتلكه؟
- أمتلك صورًا كثيرة للرئيس الراحل جمال عبدالناصر تؤرخ لجميع فترات حياته، وكذا صورًا لفنانين مصريين، تحكى عن تفاصيل حياتهم الشخصية. كما أمتلك عددًا كبيرًا من الخطابات، حصلت عليها فى مزادات لبيع الورق القديم، كنت أشترى كمية كبيرة وأفحصها، فأكتشف أنها تضم كنوزًا، ومن بين الخطابات التى وجدتها مصادفة، خطاب أرسله يوسف وهبى لشقيقه «إسماعيل»، أخبره خلاله بأن بهيجة حافظ غادرت باريس، ويطلب منه أن يذهب ليرسل إليه أمينة رزق لتكمل تصوير فيلم «أولاد الذوات».
ولدىّ خطابات لمخرجين مصريين وكلهم كانوا يتحدثون فيها عن السينما والأزمات التى مرت بها، مثل خطاب أرسلته زوجة فوزى الجزايرلى تطلب من الموزع نقودًا حين كان زوجها مريضًا.