رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكاية محرر الحوادث مع "حسني مبارك"

حسني مبارك
حسني مبارك

كثيرًا ما يسألنى الناس ماذا بينك وبين مبارك وسر اتصالاته بك وكنا نسمع بأنه يحبك أما عن نفسى فأنا لم أكن أعرف "مبارك" لكننى قابلته أول مرة فى اليوم التالى لتعيينى رئيسًا لمجلس تحرير "آخر ساعة"، هكذا قال صحفي الحوادث الراحل محمود صلاح، وأكمل قال لى صفوت الشريف فى التليفون "مبروك يا سيدى" أول مهمة صحفية لك ستكون مع الرئيس ستذهب معه غدًا فى رحلة إلى الخارج الساعة 6 صباحًا تكون فى استراحة رئيس الجمهورية بالمطار.

واحترت ماذا أفعل هل أذهب للمطار بتاكسى ولكن الأستاذ إبراهيم سعدة انقذنى وأرسل لي سيارة مرسيدس تصطحبني للمطار ووجهت مجموعة من الوزراء وكبار الصحفيين وفى الطائرة علمت أننا ذاهبون إلى سوريا لإجراء مباحثات بين الرئيس مبارك والأسد.

وبعد انتهاء المباحثات دعوتنا فى الطائرة بدأ كبار الصحفيين يسألون مبارك عن نتائج المباحثات وتفاصيلها بينما ظللت صامتًا.

فنظر لى مبارك وسألنى أنت معندكش سؤال فأجبته بدون تفكير بالذمة يا ريس ألا تتمنى أن تقود الطائرة بنفسك حتى القاهرة ورد على: تصدق نفسى بس ولاد اللذين دول مبيردوش ثم التفت لي وجلس أمامي وبدأ يحكى لى عن مغامراته مع الطيران فاكتشفت أن هذا هو الحديث المفضل عنده كل ذلك والجميع ينظرون إلينا متعجبين أو مغتاظين الله أعلم.

وقال لى مبارك على فكرة.. أنا سعيد بأنك سترأس مجلة آخر ساعة لأنى أحبها ولكن حالها تدهور لدرجة أنى أرفض قرأتها الآن وأتصور يا صلاح أنك ستقوم بتغييرها تمامًا.

ثم بدأت كرئيس تحرير التقى بمبارك مرات أخرى وكان يدعونى للعشاء أحيانًا وفهمت منه أنه راضى عن ما فعلته بآخر ساعة وراضى عن كتاباتى السياسية ومنها مقال كنت قد كتبته بعنوان "قرأت للرئيس فنجان قهوته" وقد تخيلت فى المقال أنى كنت مع الرئيس فى عزاء أحد الشخصيات وأخذت فنجان القهوة وقرأته لكن القراءة كانت سياسية تمامًا، وسعد مبارك بالمقال وأشهد أننى طوال عملى كرئيس تحرير لم يحدث يومًا أن طلب منى "مبارك" أن أكتب شيء معين أو منعنى من كتابة شيء معين.

وحتى عندما أجريت محاولة اختفائي وأبلغه حبيب العادلى بالخبر وكانت صدمة للرئيس.. اختفاء رضا هلال ثم اختفاء محمود صلاح.. فغضب جدًا واسمع حبيبب العادلى ما لا يحب ووصلنى أن مبارك شتمنى ولكنه فى الحقيقة لم يكن غاضبًا منى.

بعدها كنت أظهر ببرنامج صباح الخير يا مصر بشكل دورى وكان معروف متابعة الرئيس لهذا البرنامج يوميًا كانت عمارة قد انهارت بالإسكندرية وظهر فى صباح الخير يا مصر وأنا أهاجم المحافظ والمحليات قلت بانفعال لم تعد هناك عمارات تنهار فى العالم كله إلا فى مصر.. وفى الحقيقة لم يكن هذا أسلوبي وشعرت أنى زودتها حبتين.. وما أن انتهى البرنامج وغادرت ماسبيرو حتى دق هاتفي وفوجئت بأن المتحدث هو أنس الفقى وزير الإعلام وقتها سألني غاضبًا.. ما هذا الذي قلته الآن.. رددت عليه.. الذي قلته قلته والناس شاهدته.. قال لي.. طيب استلقى وعدك الرئيس هيطلبك لأنه شافك.

وبالفعل وبعد دقائق دق الهاتف وكان المتحدث هو الرئيس قبل يتكلم سمعته يضحك فارتحت قليلًا وسألنى ضاحكًا: انت حمار يا واد.

قلت له: انت سيادتك عارف.. فقال لى كيف تقول أن مصر هى الدولة الوحيدة التي تنهار بها العمارات أنت نفسك من أسبوع كتبت عن عمارة سقطت فى الصين وصدر قرار بإعدام صاحبها.. هل أستطيع أنا إعدام أى إنسان فى بلدكم.. وقال لى أنه ليس غاضبًا وأنه فقط لاحظ أن لونى شاحب وسألنى أوعى تكون بطلت تاخد دوا القلب أوعى تكون رجعت للتدخين أنا بكلمك علشان اطمئن على صحتك أنا عارف انت مين وأن هدفك مصلحة البلد وأنك يا ابنى صحفى شريف ولعلمك كل الصحفيين أولادى حكومة ومعارضة وأنا أحب النقد البناء لكن الهجوم عمال على بطال أو تعمد إظهار السلبيات فقط لا يرضى أحد اختتم المالكمة بسؤال.. مش عاوز حاجة قلت له.. شكرًا يا فندم.. كرر السؤال مش عاوز حاجة فأجبته اه افتكرت.. عاوز حاجتين.. الأولى ممكن اكتب تفاصيل المكالمة دى وأعراضها الأول على وزير الإعلام ثم أنشرها قال لى ولا تعرض ولا حاجة أنشر اللى انت عاوزه إيه الحاجة الثانية.. قلت له عاوز سلامتك ضحك قائلًا: يعنى عاوزنى أديك سلامتى واقعد أنا من غير سلامة.

كان الرئيس الدعابة وعندما علم أنني من سكان مصر القديمة والسيدة زينب كان يسألنى عن النكت التي يقولها الناس ع القهوة وطلب منى أن أقول له نكتة من نكت القهاوى.

شهادتى عن مبارك قد تكون مجروحة لأني أحبت هذا الرجل قبل "ثورة مجيدة" بأيام أصدرت غلافًا لأخبار الحوادث يحمل صورة الرئيس مبارك والعنوان الرئيس هل هناك مؤامرة على مبارك والعناوين الفرعية تقول المؤامرة بعض أهل الثقة والحزب الوطنى والطامحين إلى حكم مصر، ورجال الأعمال.

وصدر العدد وكانت وزارة الداخلية التى اعتادت على الاحتفال بعيد الشرطة في 25 يناير قد قررت عمل الاحتفال في 23 يناير قبل مجيدة بيومين وحضرت الاحتفال مدعوًا وكان المعتاد أن يقوم رؤساء التحرير بالسلام على الرئيس قبل انصرافه.. وعندما وقفت أمامه أمد له يدى سألنى مبتسمًا "هتقولى أسماء الناس بتوع المؤامرة" كان العادلى يقف إلى جواره.. فرددت عليه.. أنا متأكد أنك عارفهم بالاسم يا ريس.

وانصرف مبارك وكانت هذه آخر مرة أشاهده لكننى لمحت فى عينيه نظرة أسى لن أنساها أبدًا.

بعد الاحتفال: اتصل بي مدير مكتب العادلى وسألنى سيادة الوزير بيسألك ما هى الاسماء التى قلتها مبارك.. قلت له أنا قلت للرئيس أنه عارف كل الأسماء.. هذه حكاية محرر الحوادث مع رئيس الجمهورية.